بقلم/ محمود كامل الكومى
لم تكن تجربة الوحده بين مصر وسوريا فى 22 فبراير ( شباط) من العام 1958 واعلان الجمهوريه العربيه المتحده برئاسة الزعيم جمال عبد الناصر , أسيرة الشكل أو القالب الذى أفرغت فيه -- ذلك المقاس الذى بدى فضفاضاً والذى لم يستجيب لرؤية عبد الناصر البعيدة المدى والتى رأت أن الأعلان عن هذا العمل الوحدوى لآبد أن يسبقه آليات أخرى تدفعه دفعاً الى الفعل الذى يحقق ذوبان مؤسسات و أجهزة البلدين فى كيان وحدوى واحد , يحقق للشعبين السورى والمصرى حريتهما السياسيه والأجتماعيه وليتحقق مجتمع الكفايه والعدل ,وتلك آليات تدفع بالطبع اوتوماتيكيا الى الوحده بين الشعبين ,لكن وتحت ألحاح القوميين السوريين وبفعل ثوريتهم الجياشه ونواياهم الوحدويه المندفعه , كانت الأستجابه التى بررتها مد شعبى سورى جارف وحب فياض لزعامة عبد الناصر – وأنما كانت أسيرة المضمون والهدف الوحدوى وأعتبارها نقطه ضوء لتحقيق مضامين الثالوث الناصرى ( الحريه والأشتراكيه والوحده), وأستغلال فترة التوهج القومى والبناء عليها وتجديد وحدويتها وعدم تركها لتخمد وتضحى أسيرة مؤامرات الرجعيه العربيه تثبط همتها وتدنى وحدويتها نحو التشرذم الذى يحقق أمل الاستعمار والصهيونيه , وكان المغزى والهدف من هذه الوحده أنها تضحى على أرض الواقع فعل , وأنها لاتعترف ب(سايكس بيكو) كأتفاقية تقسم الأمه العربيه , وبالتالى فأن هذا الفعل الوحدوى يبقى فى مقاومته للأستعمار والصهيونيه هو غاية الوحده العربيه الشامله للأمه العربيه .

أنهار الشكل الذى أفرغت فيه الوحده وكان طبيعيا طبقا للأسباب التى أبداها “ناصر” والتى لم تمهد الأرض الخصبه لنمو الفعل الوحدوى , فكانت مشاكل الاداره التى أسيىء ميكانيزمها من جانب ” المشير عبد الحكيم عامر”- والذى حامت حوله الشبهات فى كل ما قام به من مهام – على الأقليم الشمالى ( سوريا), والتى أعطت الفرصه لبعض عملاء الرجعيه العربيه ( آل سعود)فى تسعير تلك الأخطاء ودفع الأنفصالين فى سوريا الى الأنفصال ,أملا فى جر جمال عبد الناصر الى الأندفاع العسكرى نحو سوريا للقضاء على الأنفصالين , فيدخل الجيشين الثالث والثانى فى مصر فى حرب مع الجيش الأول فى سوريا ,فيتحقق حلم الأستعمار وأعوانه من الرجعيه العربيه فى القضاء عليهم ليكون ذلك عبرة لكل الشعوب العربيه اذا ما فكرت فى أى عمل وحدوى يحق حلمها فى الوحده والقضاء بالتالى على هذا الفكر الوحدوى فى عيون الشعب العربى نحو وحدته الشامله – لكن الزعيم جمال عبد الناصر فوت على الأستعمار وأعوانه هذة الفرصه وأجهض مخططاتهم لتحقيقها , حين قال” ليس المهم أن تعود سوريا لدولة الوحده , ولكن المهم أن تبقى سوريا موحده ويبقى جيشها قوياً, وبقيت سوريا موحده وجيشها قويا رغم الأنفصال عن الجمهوريه العربيه المتحده .

وبقى المضمون حياً رغم الأنفصال , وصارت تجربة الوحده عيدا على مدار كل عام , تشحذ همة الشعب العربى وتجدد تشوقه اليها , وتبعث فيه الروح من جديد الى الفعل الوحدوى الواحد من المحيط الى الخليج , وأبقى جمال عبد الناصر على أسم الجمهوريه العربيه المتحده وعلمها ونشيدها , وبدى فعل عبد الناصر الوحدوى يتخذ آلياته الصحيحه للقضاء على الاستعمار ولتتمكن الشعوب العربيه المستعمره من تحقيق أرادتها وأستقلالها لتتخذ طريقها نحو الوحده , فكانت مساعدته للشعب الجزائرى حتى تحقق استقلاله عن فرنسا الاستعماريه.

ومساعدته للجنوب العربى ضد الاستعمار البريطانى وكانت آليته لذلك مساعدة ثورة اليمن التى قضت على حكم أسرة حميد الدين البغيض وأحد أركان الرجعيه العربيه المواليه للصهيونيه والأستعمار وظهير حكم آل سعود , كان للفعل الوحدى الثورى لجمال عبد الناصر وكاريزما الزعامه فيه مفعول السحر فى نفوس جماهير أمتنا العربيه , حتى غدا جمال عبد الناصر هو أملها التى سيقودها لتحقيق وحدة الشعوب العربيه من المحيط الى الخليج.

من هنا أدركت قوى الرجعيه العربيه عميلة الأستعمار والصهيونيه خاصة آل سعود , أن أمل الوحده لم يقض عليه رغم أنفصال سوريا عن الجمهوريه العربيه المتحده , وأن عبد الناصر مازل يقود الشعب العربى لتحقيق وحدته العربيه الشامله , وأن سوريا مازالت ترفع علم الوحده , فكان حنقها وقد بلغ الزبى , فكانت رسالة ملك السعوديه الأسبق “فيصل ” الى رئيس أمريكا الأسبق “جونسون ” يرجوه أن يدفع أسرائيل الى أحتلال أراضى من مصر وسوريا حتى يتم القضاء نهائيا على أى أمل لتحقيق الوحده العربيه وعلى جمال عبد الناصر شخصيا وكان عدوان 1967 , ورغم النكسه اِلا أن عبد الناصر كان قد استعاد توازنه وبنى جيشه بسرعة مزهله وحقق بالتضامن مع سوريا والجزائر وليبيا والسودان والعراق خطوات وحدويه مكنت من التصدى للعدوان الصهيونى خلال حرب الأستنزاف وقادت الى تحقيق نصر أكتوبر.

حين غادر عبد الناصر الى رحاب الله , كانت فرحة أسرائيل وآل سعود لاتضاهيها فرحه على الأطلاق , وكان الفرصه مواتيه لأن يستيقظ العميل النائم الذى جنده , كمال أدهم رجل المخابرات الأمريكيه فى الشرق الأوسط وأحد صناع القرار فى بلاط آل سعود , وحكم السادات مصر وأجهض نتائج حرب أكتوبر وبدت حكومة السعوديه الأقرب الى أنقاذه من انتفاضة الشعب المصرى ضد حكمه 1977 فدفعته الى الصلح مع اسرائيل من وراء الكواليس وبأن يغير أسم الجمهوريه العربيه وعلمها ونشيدها - تلك الرموز القوميه والتى كانت تعبر عن التمسك يالوحده العربيه - مما أدى الى الأستغراق فى الذاتيه لتقضى على كل أمل فى التطلع نحو القوميه العربيه وانصاع السادات بحكم عمالته المغروسه فيه من ايام الحرس الحديدى للملك فاروق ,والعماله للألمان, وبقيت سوريا بعد حرب أكتوبرلاتجد مصر بجانبها ولا تأمن خيانة دول الخليج وخاصة آل سعود , وصارت وحدها ترفع علم الجمهوريه العربيه
المتحده.

ورغم أن الجامعه العربيه كانت أطار للحكومات العربيه , مفترض أن تتفاعل دينا ميكيته كآليه لتحقيق الوحده فى المستقبل , وحتى لايتحقق ذلك , سربت المخابرات المركزيه الأمريكيه , فكره تكوين مجلس التعاون الخليجى , كأطار يجمع كل الدول الخليجيه المصدره للنفط والتى ساعدت القوى الأستعماريه أنظمتها العميله لها على تولى مقاليد الحكم فيها , وبأوامر أمريكيه أنشأت الدول النفطيه الخليجيه تتزعمها المملكه السعوديه ,مجلس التعاون الخليجى كآليه موازيه لجامعه الدول العربيه ومضاده لها , تستطيع أن تنفث سمومها داخل مؤسسات الجامعه العربيه , وأستغلال تدنى مستوى المعيشه فى بعض البلدان العربيه وأغرائها بالمساعدات الماليه التى تقدمها الدول النفطيه الخليجيه الى هذه الدول الفقيره فى مقابل شراء أصواتها , عند التصويت على القرارات المصيريه التى تتخذها جامعه الدول العربيه , وبذلك تُسيير دول مجلس التعاون الخليجى ديناميكيه الحركه وقرارات الجامعه العربيه نحو ماترمى اليه هذه الدول النفطيه وهو تنفيذ سياسات المخابرات الأمريكيه ومخططاتها الصهيونيه , وأجهاض كافه القرارات التى قد ترمى الى تعزيز ما يهدف اليه ميثاق الجامعه نحو الوحده العربيه , وقد تم لها ذلك , حين سيرت السعوديه وقطر مجلس الجامعه العربيه الى قرار يفوض مجلس الامن لأستدعاء الناتو لتدمير ليبيا وشاركت قوات جويه رمزيه من السعوديه والامارات وقطر تدمير ليبيا وتسليمها فريسه لقوى الارهاب , وكذلك حين اتخذت الجامعه قرارا بتجميد عضوية سوريا الرسميه فى  الجامعه العربيه , وحاولت السعوديه بكل السبل  أن تستغل الجامعه وتفويضها فى تكليف حلف الناتو لتدمير سوريا لولا الفيتو الصينى والروسى .

ومازال الى الآن سعار مملكة آل سعود المحموم لتدمير دول الوطن العربى وتفكيكها – حتى تقضى على كل أمل لدى الشعب العربى يحدوه نحو الوحده – حيث تقوم قواتها الجويه مدعومه بقوات بريه وبحريه من دول مجلس التعاون الخليجى , ومرتزقه وخلال قرابة العامين  بتدمير الجمهوريه العربيه اليمنيه وقتل شعبها , والأدهى من ذلك انه كلما لاح فى الأفق فرصه لتحقيق السلام على الأرض السوريه اجهضتها مملكة آل سعود ,أمعاناً فى القضاء على أى حلم يلوح فى الأفق لتحقيق الوحده العربيه لتحقق بذلك أمن اسرائيل
واستقرارها وحلمها الصهيونى , والقضاء على حلم الدوله الفلسطينيه .

أن وحده الشعوب العربيه الآن , هى الخطوه البديله للجامعه العربيه المسكونه (بالعفاريت والشياطين) الذين يحملون فناطيس الجاز ليحرقوا بعوائدها الأخضر واليابس والديار العربيه , ولذلك يجب أن يظل يوم 22 فبراير بما يمثله من ضوء أضاء المنطقه العربيه كلها بدوله الجمهوريه العربيه المتحده , ضوءا ساطعا ينير عقول شعبنا العربى وروحه ويشحذ قواه ليكون قادرا على تحدى الصعاب التى تواجه الأمه العربيه وتحاول ان تزيل المفاهيم الوحدويه من خريطه الفكر العربى .

أن الشعوب العربيه الواعيه يجب أن تفضح هذه الحكومات الرجعيه (خاصة آل سعود وحكام قطر العملاء), وتقتص منها حساب الضلال الذى حاولت أن تزيفه عليها , لذلك لابد أن يبقى يوم 22 فبراير الضوء الذى يؤكد أن شعبنا شعب عربى ومصيره يرتبط بوحده مصير الأمه العربيه .

أن يوم 22 فبرايربعد 59 عاماعلى توقيع ميثاق وحده مصر وسوريا ,وأنبثاق الجمهوريه العربيه المتحده , لابد أن يستمر ضوئه ينير لشعبنا طريق الوحده , من خلال عقد العزم على أن يعيد صنع الحياه على أرضه بالحريه والحق , بالكفايه والعدل , بالمحبه والسلام , أن شعبنا يملك من أيمانه بالله وأيمانه بنفسه ما يمكنه من فرض ارادته على الحياه ليصوغها من جديد وفق أمانيه الوحدويه .

وأخيرا .. أن التقاء القوى التقدميه والشعبيه على الأمل الواحد فى كل مكان من الأرض العربيه ,, وتجمع القوى الرجعيه على المصالح المتحده من الأرض العربيه هو فى حد ذاته دليل على الوحده أكثر مماهو دليل على التفرقه ..

*كاتب ومحامى – مصرىِ

حول الموقع

سام برس