بقلم / حياة الحويك عطية
لن تنجح فرنسا في العثور على " رجل العبور" ، وفق اللقب الذي أطلقه دومينيك دو فيللوبان على الجنرال ديغول . لم تمت الديغولية لتتشكّل ديغولية جديدة، ولم ينته اليسار إلى ميتران آخر . سلسلة من شرائط الفضائح تلفّ عُنق الجمهورية الخامسة وتقضي على آخر مُرتكزاتها. في اليمين، شيراك ، جوبيه، دوفيللوبان، كلهم وقفوا أمام القضاء، بتُهم مالية ، ووراؤهم ساركوزي يعيش تهمة ابتزاز ومن ثم قتل القذافي، وفي المقابل اليساري وقف فابيوس ملوثاً بالدم الملّوث وستروس كان باغتصاب عاملة فندق.

لن تنجح فرنسا في العثور على " رجل العبور" ، وفق اللقب الذي أطلقه دومينيك دو فيللوبان على الجنرال ديغول . لم تمت الديغولية لتتشكّل ديغولية جديدة، ولم ينته اليسار إلى ميتران آخر . سلسلة من شرائط الفضائح تلفّ عُنق الجمهورية الخامسة وتقضي على آخر مُرتكزاتها. في اليمين، شيراك ، جوبيه، دوفيللوبان، كلهم وقفوا أمام القضاء، بتُهم مالية ، ووراؤهم ساركوزي يعيش تهمة ابتزاز ومن ثم قتل القذافي، وفي المقابل اليساري وقف فابيوس ملوثاً بالدم الملّوث وستروس كان باغتصاب عاملة فندق. الأبشع في دولة الفضائح هذه، إنهم كلهم يعودون إلى الساحة السياسية بعد فترة كافية لترتيب أمورهم مع اللوبيهات القائمة والتي تشكّل الحاكم الحقيقي لفرنسا.
لوبيهات تجمع في أدراجها أوراق كل متصدٍ للسياسة، وتخرجها عند الحاجة، فتبعده ومن ثم تقوم باإضاعه وترتيبه وتُعيده.
غير أن ما يهمّنا في المنطقة العربية المتوسّطية، وفي العراق هو المحاور التي تشكّل عَصَب الصراع داخل القوى السياسية الفرنسية وانعكاسها علينا.
معلوم أن ديغول ذهب ضحية موقفه من حرب 1967، ولكن هذا الموقف لم يكن إلا ليندرج ضمن الرؤية الاستقلالية للجنرال والرؤية المبنية على التوازن. الاستقلالية عن الولايات المتحدة الأميركية وحلفها الأطلسي ( وعن الكتلة الاشتراكية في حينه) ، والتوازن في العلاقات بين العرب وإسرائيل. وهذا ما حاول الوَرَثة الأول للجنرال المحافظة عليه. لكن ميتران، الذي حارب بعنف لأجل الحفاظ على الاستقلالية الاقتصادية ، بعد العسكرية والسياسية ، ألقى سلاحه عندما تربّعت أميركا على عرش العالم ووافق على المشاركة في الحرب الأولى على العراق، فيما وصفه وزير دفاعه المستقيل جان بيير شفينمان ب " الارتماء في ذيل التنورة الأميركية " وب " الميركانتيلية"  وبالتنكّر للقيم الجمهورية. هذا الموقف الاستقلالي من شفينمان كلّفه حياته السياسية كلها، وكاد يكلّفه حياته الفعلية.
في الحرب الثانية على العراق، حاول جاك شيراك ووزير خارجيته دومينيك دو فيللوبان إحياء الديغولية عبر خطين : إنشاء خط :

باريس – برلين - موسكو  ( شيراك – شرويدر – بوتين ) في محاولة لخلق توازن دولي جديد. واتّخاذ موقف مستقل بشأن العراق وفلسطين ، لكن الحاوي أخرج لشيراك تذاكر سفر دفعت بشكل غير شرعي ، وحرّك القضاء ولو لم يصب الرجل بالأزهايمر لانتهى في السجن . في محاولة للهرب والاستباق ذهب المتهم إلى المصالحة مع واشنطن ، وإلى تقديم حُسن سلوك عبر القرار 1559 بخصوص لبنان والاندراج في الحلقة الجديدة من المؤامرة الأميركية – الإسرائيلية : سوريا.

كان ألان جوبيه يُلقّب بالوريث والإبن الروحي، وهو عنيد في ديغوليته، فتقرّر إبعاده لكنس الطريق أمام ساركوزي ، مرشّح الللوبيهات : الإسرائيلي والأطلسي والمالي . ساركوزي الذي استهلّ معركته بزيارة واشنطن واستهّل الزيارة بزيارة إيباك. وروّس خطابه بالحديث عن جدّه المعبود – بحسب تعبيره – وهو جدّ يهودي. إذن، أخرج الحاوي قضية فساد ضدّ جوبيه ، وتمت سلسلة المحاكمات المُتنقلّة جغرافياً، بطريقة شبه هزلية ، وحُكِم الرجل بالمنع من الترشّح والانتخاب. حاول شيراك استبداله بدو فيللوبان لقطع الطريق على ساركوزي – وبالمناسبة، كان دوفيللوبان أكثر مرشّح يميني شعبية في صفوف العرب – لكن أزمة شعبية حكومية أطاحت وزارته ومن ثم تحرّك القضاء فأثار قضية ضدّه، ورغم أنه لم يُحكم في النهاية، إلا أنها استغرقت المدّة الكافية لعبور ساركوزي إلى زعامة اليمين ومن ثم الرئاسة ... أولى خطوات الرئيس الجديد،  كانت الحلف لأجل المتوسّط للتطبيع الرسمي مع إسرائيل وترتيب مسألة الغاز ، وهنا ظهر الدعم المُطلق الذي كانت تمنحه إياه قطر. أعاد فرنسا إلى حلف الأطلسي وحاول استيعاب بشّار الأسد وعندما فشل كانت أجهزته أول من تحرّك في سوريا .

فجأة عاد جوبيه من منفاه في كندا ، عاد وزيراً للخارجية مع خصمه ساركوزي وتولّى الحملة ضدّ سوريا والتقارّب مع الأخوان المسلمين. ذلك  ما تجلّى بوضوح في المعركة الشرسة التي خاضها، في بداية الحرب،  مع سفيره في دمشق دومينيك شفالييه . الأخير اتّهم الوزير بأنه يخفي التقارير التي يُرسلها إليه من دمشق والثاني اتّهم السفير بأنه منحاز إلى بشّار الأسد . معركة بدأت من درعا، عندما طلب جوبيه من سفيره إرسال بعثة تقصّي حقائق وعندما جاء تقريرها مُناقضاً لما تبثّه الجزيرة وفرانس 24 ، طلب جوبيه من شفاليه تغيير التقرير فرفض ووصل الأمر بجوبيه حدّ التهديد. المواجهة الثانية جاءت بسبب وكالة الصحافة الفرنسية التي احتجّ السفير على كونها تزوّر الحقائق . ومن ثم مسألة المخطوفين الإيرانيين ومقتل صحافي فرنسي في حمص وبشأن عملاء المخابرات الفرنسية الذين كانوا يعملون بصفة صحافيين في سوريا. يومها تكفّلت  صحيفة إلكترونية ظهرت فجأة باسم شارع 89 بمهاجمة السفير وتبعها جورج مالبرونو في لو فيغارو.

 وفيما كانت المعلومات تقول أن السفير مدعوم من قِبَل وزيري الدفاع والداخلية وبعض الجهات العسكرية، كان معروفاً أن الكباش بدأ منذ الأزمة الليبية، وأن جوبيه يتحرّك مدعوماً من السعودية وقطر وأنقرة. أدّى يمين ساركوزي دوره وذهب ليأتي فرانسوا هولاند المعروف بأطلسته وأمركته وأسرلته وعدائه لسوريا، ومعه فابيوس اليهودي الصهيوني، الذي غُسِل من فضيحة بيع الدم الملوث، التي حُكم فيها.  وعاد وزيراً للخارجية ووزيراً للدفاع .

اليوم يهرع هولاند إلى محفل باريس الماسوني الأكبر لمساعدة يساره فيما يتخبّط اليمين بين اللوبيهات ودول الخليج.

قد لا يتّسع مقالٌ لاستعراض كامل المشهد المعقّد، لكنه من السهل رسم خطين يتصارعان منذ إنزال النورماندي، في صفوف اليمين كما اليسار، ويتركان لا أن نفهم لماذا أخرج الحاوي فضيحة فرانسوا فيون، وحصر الصراع بعده بين جوبيه وساركوزي ( الأكثر فضائحية) ، ولماذا برز بينهما إيمانويل ماكرون الذي ينافسهما على الدعم القطري كما بات معروفاً ، وكذلك على اللوبي المالي ويصعد بطريقة لا تذكّر إلا بصعود ساركوزي.
*أكاديمية وكاتبة لبنانية
المصدر: الميادين نت

حول الموقع

سام برس