سام برس / شمس الدين العوني
تتواصل بكلّية الآداب والعلوم الإنسانيّة بالقيـروان و باشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي  مدرسة الدكـتوراه وجامعة القيروان  فعاليات الملتقى العلمي حول "  إنشائيّـــــــة التّخييـــل " الذي يكون مجالا دراسيا مهما معرفيا و علميا و ثقافيا خلال يومي الثلاثاء و الاربعاء 25 و 26 أفريل.. و بخصوص إنشائيّـــــــة التّخييـــل poétique de la fictionجاء في الورقة العلمية "...

 إنّ أكثر العلماء تائهون في بحر هذه القوة [التخييل] وعجائب متخيّلاتها" / إخوان الصفاء .. يُعدّ التّخييل من المسائل التي شغلت النقّاد والمفكّرين والفلاسفة قديما ولا تزال. ولعلّ كثرة الكتابات وتنوّع المقاربات في هذا الموضوع (نقد أدبي، فلسفة، تحليل نفسي، أنتربولوجيا...) تبرهن على قيمة هذه القضية في الفكر الإنسانيّ عامّة. ورغم أهميّة البحوث والدّراسات التي عالجت إشكاليّة التّخييل وتدبّرت مختلف قضاياه بشتّى الآليات والمناهج والنظريات، فإنّ لإنشائيّته تحديدا من الأسرار ما يغري بمزيد التّفكير في ما أثير من قَبْلُ من قضايا، ويُحفّز على الحفر من جديد في الموضوع بحثا في تلك المناطق التي لا تزال متسربلة بالظّلال مقترنة بالغموض.. ففي هذا الأفق المعرفيّ/ النقديّ يتنزّل موضوع إنشائية التّخييل. ولسنا نريد في هذه الورقة العلميّة أن نستقصي مختلف القضايا التي أثارها التّخييل عبر تاريخ تشكّله مصطلحا ونظريّة وموضوعَ بحث وجدلا خصيبا، في مجال الثّقافة العربيّة الإسلاميّة أو في مجال الثّقافة الغربيّة منذ أصولها اليونانيّة، وإنّما سنعتني من هذا كلّه ببعض إشارات وإلماعات تضيء أبرز اللّحظات المعرفيّة التي قطعتها إنشائيّة التّخييل عبر تاريخها الطّويل، بانعطافاته وأسئلته.. إنّ ما أُنجز من نظريّات ومقاربات في مسألة التّخييل وإنشائيته منذ أرسطو قد شكّل لحظات فارقة ومنعطفات دالّة في تاريخ تشكّل المصطلح وقضاياه. فكان لفلسفة أرسطو عامّة ولكتابيه "النفس" (l’âme) وفن الشعر (Poétique)على وجه التّخصيص، أثر كبير في تفكير الفلاسفة العرب المسلمين ( الكندي والفارابي وابن سينا وابن رشد) في قضية التّخييل بوصفه قوة باطنية مدركة من قوى النّفس الإنسانيّة، وملكة متميزة من ملكات العقل البشريّ تسهم بفاعليّة في إنشاء الشّعر كلاما متخيلا يفعل في النّفس فعله انبساطا أو انقباضا، ويولّد في المتقبل إمتاعا بما ينتجه من جميل الوزن وطريف الصّور وفتنة العجيب.. ولعلّ لهذه اللّحظة الفلسفيّة أثرها في النقد العربي القديم. فإذا كان عبد القاهر الجرجاني قد تعامل مع التّخييل في إطار رؤيته البلاغيّة والبيانيّة عامّة وفي ضوء نظريّة النّظم خاصّة، فانّ حازم القرطاجني تفاعل مع تلك المقاربة الفلسفية للتّخييل فتمثّلها وبنى على أصولها النظريّة خصوصيّة رؤيته النّقدية للتّخييل وفاعليّته الإنشائيّة في الأقاويل الشعريّة..ولقد عمل أعلام الثّقافة الغربية الحديثة والمعاصرة على مقاربة إنشائية التخييل أو ما جاورها من متصوّرات شأن الخيال والمتخيّل والمخيال حسب خصوصيّة المجال المعرفيّ من جهة، وفرادة الرؤية وما تحمله من رهانات وآفاق من جهة أخرى. فالتّخييل في التصوّر الفلسفيّ الغربيّ، هو فعل ينسج الصّور ويُشكّلها على نحوٍ يسمح بصياغة تتمثّل الأشياء أو الأشخاص، فضلا عن الأفكار المجردة. وفي هذا السّياق شكّلت كتابات جان بول سارتر (J.P.Sartre) منطلقا حاسما في بناء تصوّر جديد تجاوز فيه عالم الصّورة (l’image) إلى عالم الخيال (l’imagination) فالمتخيّل l’imaginaire)). فلم يعد الخيال مجرّد ملكة مستقلة عن الوعي بقدر ما أضحى حالة الوعي ذاته وقد تحرّر من سلطة الواقع..ومثّل غاستون باشلار (Gaston Bachelardd)بنزعته الإبستيمولوجية والنفسيّة استنادا إلى مقولة "اللاّشعورالجمعي" وآليات اشتغاله لحظة متطوّرة في مقاربة إنشائية التّخييل ببناء تصنيف للصور المتأسّسة على عناصر الوجود الأربعة. فتصوّرُ باشلار للخيال و التخييل، لا ينفصل عن رؤيته للصّورة الأدبية، وعن صلتها بإنشائيّة أحلام اليقظة التي تَعْني في وجه من وجوهها القدرة على خلق العوالم المتخيلة..وسعى جلبار دوران (Gilbert Durandd)أن يبرهن على الطّابع الرّمزي للصّور، كاشفا ما لمنتجات الخيال أو التّخييل من دلالة جوهرية تحدّد تمثّلنا للعالم، مُعتنيا بالمتخيّل ضمن مجال أنتربولوجيّ، مُهتمّا بالنّظر في الرّموز والنماذج الأصليّة (archétype)، مؤسّسا المنهج النقديّ الأسطوري (mythocritique) في التّعامل مع الأدب. فانتهى إلى اعتبار التّخييل محرّكا للتّفكير. .وإذا كان جان برغس (Jean Burgoss)انطلق من تصوّرات الرّموز والرمزيّة نفسها، فقد اهتمّ بحركيّة الصّور ودورها في إنتاج المعاني في النّصوص الشعريّة، وعمل على بناء نظريّة في التّخييل، مبرزا أنّ إنشائيّة النصّ الشّعري، لا تكمن في نسج الصّور فحسب، وإنّما في انتظامها وتفاعلها ضمن شبكة أوسع من العلامات والعلاقات التي تشمل مبدع النصّ ومتلقيه. ولعلّ هذا الأفق الأوسع هو الذي جعل من بناء المعنى، وانفتاح النصّ محدّدين أساسيّين في صياغة إنشائية التّخييل.ولا شكّ في أنّ إسهامات كلّ من جيرار جيناتGérard Genette) ) وجان ماري شافير ((Jean-Marie Schaeffer) ودُرِّيت كوهن (Dorrit Cohn) وفيليب لوجون (Philipe Lejeune)في مجال التّخييل، على قدر كبير من الأهميّة. فلقد أثار التخييل السردي عديد القضايا التي تتصل بالنصّ وتجنيسه رواية أو سيرة ذاتيّة أو روايةَ سيرة ذاتيّة أو كتابات الذّات أو تخييلا ذاتيّا، أو أشكالا وجيزة ترسم ألوانا من المحاورة مع غيرها من الخطابات، وتفصح عن وجوه من علاقة قائمة بين التخييل والتاريخ تُعدُّ من أكثر القضايا تعقيدا حسَب بول ريكور(Paul Ricœur) . بيد أنّ التخييل يتجلّى في مختلف أجناس القول شعرًا ونثرا، ولا تقتصر فاعليته على إنتاج الصّور/ الرّموز وتوالدها، وتشكيل التمثّلات وبناء المعاني وتعددها فحسب، وإنّما تتجاوز حدود النصّ الى أفق العالم، فيغدو التّخييل قوة إنشائيّة لرؤية جديدة للوجود. ويبقى مدخلنا الأساس في التّفكير في هذا المَبحث الدّعوة إلى قراءة منهجيّة نقديّة تسعى إلى إعادة النّطر في المسلّمات، وتطمح إلى التّجاوز والإضافة عبر إثارة السّؤال الذي يتحوّل بدوره أسئلة: ما التّخييل ؟ وما هي خصائصه وتجليّات إنشائيته ووظائفه؟ أليس التّخييل، بوصفه فعلا، شرطا أساسا لتحقيق إنشائيّة النصّ الأدبيّ وجماليّته الفنيّة؟ وكيف تعامل العرب قديما وحديثا مع التّخييل إبداعا ونقدا؟، وما قيمة المنجز النظري والإجرائي الذي خلّفه أسلافنا؟، وما هي خصوصيّة تصوّرهم للتّخييل في علاقته بمفهوم المحاكاة؟ وما طبيعة الوضع المعرفيّ للتّخييل لدى الغربيين؟ وما أشكال تطوره تصوّرا وإنجازا في العلوم الإنسانية؟ وما علاقة التّخييل بالتّأويل؟ وكيف نستطيع اليوم أن نقارب إنشائيّة التخييل برؤية أكثر عمقا وانفتاحا على حقول المعرفة؟ ومتى يُصبح التّخييل أدبا؟ وماهي سماته التي تصنع خصوصيّة قوله وتعبيره وتميّزه من غيره من الخطابات؟ وهل يُشترط في التّخييل الأدبيّ أن يُقصر على المكتوب أو يتعدّاه إلى الشفويّ؟ وإلى أيّ حدٍّ يمكن أن يقوم التّخييل الأدبيُّ على التّجاوز وخرق المألوف؟...".لجنة إعداد اليوم الدّراسي: أ.د رضا بن حميد، أ.د محمد طاع الله، أ.د الهذيلي يحي، د. محمّد حيزم، أ. الحبيب بوعبد الله، أ. منجي عمري، أ. صبحة ساسي.اللّجنة العلميّة: أ.د رضا بن حميد، أ.د محمد طاع الله، أ.د المنصف الوهايبي، أ.د شكري المبخوت، أ.د محمّد الباردي، أ.د محمد الجويلي أ.د مقداد منسيّة، أ. جليلة طريطر، أ. د الطّاهر بن يحي أ.د محمد رشيد ثابت، أ.د فرج بن رمضان، أ.د هشام القلفاط (من تونس) أ.د أحمد يوسف، أ.د عبد القادر بوزيده، أ.د ابراهيم صحراوي (من الجزائر) أ.د محمّد مفتاح، أ.د محمد معتصم، أ.د زهور كرّام (من المغرب).و تتواصل اليوم  الثلاثاء 25 أفريل  الجاري بكلية الآداب والعلوم الإنسانية برقادة فعاليات هذا الملتقى العلمي الهام الذي يشهد عددا من الجلسات العلمية على غرار الجلسة العلمـية الأولى برئاسة أ.د محمد الشاوش و الجلسة العلـمـية الــــثانية برئاسة أ.د حمادي صمود و الجـلسة العلـمية الثالثة برئاسة أ.د الطاهر بن يحيى و  الجلسة العلمـية ّ الـرابعة برئاسة أ.د رضا بن حميد و  الجـلسة العلمـية الخامسة برئاسة أ.د الطاهر رواينية و الجلسة العلمية السادسة برئاسة د محمد طاع الله و الجلسة العلمية السابعة برئاسة د محمد بن محمد الخبو..و كل هذا الى جانب عدد من المداخلات العلمية  التي تهتم بقضايا و تجارب  أدبية وروائية لمحمد شكري وعز الدين جلاوجي وإلياس خوري وسعيد السنعوسي وعبدالقادر بن الحاج نصر ونجيب محفوظ وجون بول سارتر و آخرين و هذا مهم باعتبار ما يوفره من ثمار انفتاح الجامعة على التجارب الابداعية و الآدبية في الحقول الثقافية..
 

حول الموقع

سام برس