رفعت سيد أحمد
اليوم هو 25 مايو/ أيار... لا نُبالغ اليوم ونحن على بُعد 17 عاماً من الانتصار العربي الأبرز، ومن واقع معرفة وصداقة شخصية لكاتب هذه السطور بدأت قبل 25 عاماً مع السيّد حسن نصرالله.

إنه الذكرى الـ 17 للانتصار على العدو الصهيوني، وهو انتصار عزيز وتاريخى بكل المعايير، حين تحرّر بلد عربي من دون (اتفاقات سلام) مؤلِمة ومُهينة ومُقيّدة للإرادة ومُنتقصِة من السيادة الوطنية كما جرى في الاتفاقات السابقة (كامب ديفيد – وادى عربة – أوسلو)، كان يقف خلف هذا الانتصار، تضحيات جسام قام بها شعب لبنان الأبيّ، بطليعته المقاومة التي مثَّل حزب الله رأس حربتها، وكان لموقعيّة السيّد حسن نصرالله في الجهاد الطويل ضدّ هذا الاحتلال (1982-2000) الدور الأبرز في تحقيق النصر.

لا نُبالغ اليوم ونحن على بُعد 17 عاماً من الانتصار العربي الأبرز، ومن واقع معرفة وصداقة شخصية لكاتب هذه السطور بدأت قبل 25 عاماً مع السيّد حسن نصرالله، أن نؤكّد أن هذا السيّد (المقاوِم) التقى في شخصيّته إرادة التحدّي والتضحية التي تعلّمها من جدّه الأكبر الإمام الحُسين بن علي (ع) خاصة في ملحمته التاريخية الكُبرى (كربلاء)، التقى معه بواقعيّة المقاومة لمشروع صهيوني غربي أراد أن يفرض على وطنه شروط (الذلّ) والاحتلال، فأبى وقاوم فانتصر...

إن التاريخ يُحدّثنا عبر وثائقه، مؤكّداً أن إسرائيل دخلت لبنان عدّة مرات غازية ومُحتلة، منذ العام 1948 إلى أواخر السبعينات (تحديداً عام 1978) حين غزت لبنان وبقوة ودمّرت كعادتها وطبيعتها الزرع ، والبشر ، ومرافق الحياة ، ثم عادت بعد أربع سنوات عام 1982 لتقوم بغزوها الأكبر الاستيطانى.

هنا ...
وهنا فقط ولِد حزب الله ، ولِد كردّ فعل طبيعى على إخفاق البدائل الأخرى في المقاومة أو ضعفها أو انتحارها على أبواب الاحتلال، ولِد مع هَبَّة الثورة الإسلامية في إيران التي ساهمت في خلق جيل جديد من الإسلاميين الثوريين ، ونشرت مع رياح تمرّدها ، قيماً وثقافة جديدة ، تحتل "المقاومة" سُلّم أولويّاتها؛ وفي البقاع الغربي، تحديداً في مدينة (بعلبك) تشكّلت النواة الأولى لهذا الحزب الفتّي ومقاومته المُسلّحة، تلك المقاومة التي بدأت في العمل في الأيام الأولى التي تلت سقوط بيروت، وارتبطت المقاومة بالسلاح، مع نشأة الحزب، والذي لم يعلن عن اسمه إلا بعد سلسلة من العمليات البطولية الفذّة وعلى رأسها كانت عملية فاتح عصر الاستشهاديين الشهيد أحمد قصير يوم (11/11/1983)، حين فجّر نفسه وهو يقود سيارة مُحمّلة بمئات الأطنان من المُتفجّرات، مقرّ الحاكم العسكري الإسرائيلي في (صور)، فاهتّز الجنوب لدوّي انفجارها، بما في ذلك قريته المجاورة، وفرح اللبنانيون بما في ذلك والد الشهيد (الذي التقاه كاتب هذه السطور لاحقاً وفي منزله الذي ولد وترعرع فيه الشهيد أحمد قصير)، والذي لم يكن يعلم أن ابنه هو من قام بهذه العملية النوعية الفذّة إلا بعد عامين على استشهاده، حين أبلغه قادة الحزب الجديد الذي أعلن عنه قبل أيام بذلك، ونقصد به (حزب الله).
 
إذن تشكّل الحزب، وتشكّلت مقاومته المسلّحة أو جناحه المسلّح (والذي سُمّي بالمقاومة الإسلامية) في أتون الحرب، ووسط القصف والدماء وكان من بين أبرز المؤسّسين في الإثنين: الحزب والمقاومة؛ السيّد حسن نصر الله، والذي لفت الأنظار مُبكراً لنبوغه وعِلمه وإخلاصه وجهاده، لقد أحبّه معلماه البارزان الشهيدان (الشهيد الشيخ راغب حرب شيخ المقاومة في الجنوب الذي استشهد في 16 فبراير/ شباط عام (1984)، والشهيد السيّد عبّاس الموسوى الأمين العام السابق لحزب الله والذي استشهد أيضاً في (16 فبراير/ شباط 1992 وهو عائد من حفل تأبين لذكرى الشهيد راغب حرب)، لقد غرسا فيه قِيَم التضحية والفداء والتحدّي.

ولَّد هذا التحدّي، استجابة لم يكن يصحّ أن تكون أدواتها هي ذات الأدوات التي هُزمت من قبل أمام هذا الاحتلال الصهيوني لم يكن هناك بد من أدوات جديدة، فكانت العقيدة والإيمان بالله والثقة في نصره والترتيب الصحيح للأولويات واستعداد القادة للاستشهاد والتضحية، تلك كانت أدوات (حزب الله) وركائز تجربته، وانطلاقته، والتي كان (السيّد) وقتها في القلب منها، مُقاتلاً في إقليم التفاح، ومجاهداً متجوّلاً على كافة جبهات القتال، وقتها ارتفع الشهيد الشيخ راغب حرب شهيداً (1984) بعد أن وقف بصلابة ضدّ قوات الاحتلال في الجنوب، وقال قولته الشهيرة عندما أراد القائد الإسرائيلى الذي احتل قريته جبشيت أن يتحدّث معه أو يصافحه فرفض وسط جموع الشعب وقال " الكلمة موقف والمصافحة اعتراف " .

وتوالى الشهداء والاستشهاديون من أبناء هذه المقاومة النقيّة، التي حاولت قدر المستطاع أن تنأى بنفسها عن فِتَن الحرب الأهلية وأمراضها، إلى أن استشهد السيّد عباس الموسوى (1992) فخلفه (نصر الله) لتبدأ على يديه مرحلة كبرى، صعبة ورائعة من الجهاد.

ووقعت في عهده عدّة معارك موسّعة، كان أبرزها حرب يوليو/ تموز 1993، وحرب نيسان (أبريل 1996) التي فيها اعترف العدو صراحة بهزيمته أمام حزب الله، وفي العام 1997 استشهد ابنه الشهيد هادي وهو يقوم بعملية عسكرية نوعية على الخطوط الأمامية مع العدو، وفي عهده وقعت ملحمة أنصارية (1997) التي قُتل فيها 15 ضابطاً وجندياً إسرائيلياً من صفوة الجيش الإسرائيلي، مع عشرات العمليات الجهادية والاستشهادية، وفي عهده تراجعت قدرة إسرائيل وجيش انطوان لحد العميل (20 ألف جندي عميل) على صدّ هجمات رجال المقاومة (15 ألف مقاتل) ، وعجزت إسرائيل والولايات المتحدة عن وقف تنامي شعبيّة وكاريزميّة حسن نصر الله، وذلك الالتفاف الشعبي الواسع – داخل لبنان وخارجه – حوله، الأمر الذي جعل من انتصار 25 أيار/ مايو 2000 قدراً لا فكاك منه، وأن يصبح المانشيت الرئيسي لصحيفة هاآرتس الإسرائيلية عشيّة الهروب الإسرائيلي الذي تم في الليل هو الأصدق في التعبير عن لحظة الانتصار ، انتصار حزب الله في عهد حسن نصر الله .. حين قالت الصحيفة تعليقاً على الهروب (الانسحاب) "يوم الذلّ في إسرائيل"!.

بقدر ما كان هذا اليوم بالفعل يوماً للذلّ فى إسرائيل، كان يوماً للفرح في لبنان والوطن العربي؛ وهو الأمر الذي دفع الكيان الصهيوني لتكرار عدوانه، ومؤامراته (فكان عدوان يوليو/ تموز 2006) لتخرج فيه أيضاً مقاومة حزب الله مُنتصرة رغم الثمن الكبير الذي دفعته، وكان (نصر الله) حاضراً، وكان حزبه متألّقاً وجاهزاً، من خلال امتلاكه لما سبق وأسميناه في مقام آخر بـ(فقه الانتصار)، ذلك الفقه الذي يقوم على ثلاثية من القِيم الرئيسية-للأسف لاتزال كثير من حركات الإسلام السياسي تفتقدها-ثلاثية الإيمان بالله والثقة في نصره–القدوة وضرب المثال في التضحية (أغلب قادة الحزب استشهدوا بمن فيهم الإبن الأكبر للسيّد حسن نصر الله الشهيد هادي) – الترتيب الصحيح للأولويات وجعل مقاومة العدو الصهيوني وحلفائه تحتل دائماً أعلى سُلّم هذه الأولويات، هذا الفقه كان السبب في عدم انحراف البوصلة لدى حزب الله حتى يومنا هذا.
 
واليوم 2017، ولبنان يحتفل بالعيد السابع عشر للتحرير، يخوض الحزب معركة أخرى متّصلة اتصالاً وثيقاً بالمعركة الأكبر مع العدو الصهيوني، وهي معركة مقاومة الإرهاب الداعشى في سوريا والمنطقة، صحيح التضحيات عديدة، لكنها تستحق، حفاظاً؛ ليس فحسب على (الحزب) و(مقاومته) ومجاله الحيوي الاستراتيجي، وسوريا الدولة، ولبنان الوطن؛ من هذا الخطر، بل حفاظاً – أساساً - على الإسلام ذاته، ذلك الإسلام الذي عرف فى صدره الأول (حمزة) و(أبو لهب)، وعرف (الحُسين) و(يزيد)، باعتبارهما مدرستين، وطريقتين للحياة وللتاريخ، فاختار حسن نصر الله أن يكون من أصحاب المدرسة الأولى؛ الصحيحة والخالدة.. مدرسة حمزة والحُسين، لأنه يعلم، كما كل عاقل ودارس لسنن التاريخ أن ما عداها باطل، هي مدرسة تعلَّم وعلَّم فيها " فقه الانتصار"، فالتقى فيها وباتساق كامل مع "الحُسين" الجدَّ، والمنهج؛ فكان أبلغ لقاء عرفه التاريخ.. ولايزال!
* نقلاً عن قناة الميادين

حول الموقع

سام برس