بقلم / محمود كامل الكومى
فليسمح لى المناضل المصرى الناصرى , عمرو ناصف , أن أستعير عنوان برنامجه الشهير على قناه المنار ......... ماذا بعد ؟
فعالمنا العربى يشهد فى هذه الأثناء حاله تشرذم وتفتت عرقى وطائفى وقبلى لم يسبق لها مثيل ...... وهذه الحاله تسير بنا عكس حركه التاريخ ,خاصه ونحن نعيش زمن العولمه وتحول العالم الى كيانات وتكتلات تتوحد فيها الدول القطريه لتكوين تجمعات دوليه تتكامل فيما بينها اقتصاديا وسياسيا وتذوب الحدود وتتلاشى الدوائر الجمركيه , ويصير تنقل الأفراد بين دول الأتحاد الواحد ببطاقه تحقيق الشخصيه , وما صار يعرف بالشخصيه المعنويه للأتحاد او التكتل كشخصيه مستقله عن شخصيه أعضائه .

والمبتغى أو الهدف الأسترانيجى للأتحاد أو التكتل هو أظهار القوه الأقتصاديه والسياسيه وفرضها على ماعداها , فى محاوله للحوار السياسى أو الأقتصادى مع التكتلات الأخرى تتجاذب فيما بينها , لكن يبقى الهدف لكل تكتل أو أتحاد التهام الطرف الضعيف فى العلاقات الدوليه , لذلك ف جل أهتمام التكتلات والأتحادات الدوليه أن تبقى الكثير من الدول التى لم تنتظم فى تحالف او تكتل - خاصه دول العالم الثالث - مشرذمه مفككه , حتى تستطيع أن تلتهمها أقتصاديا وسياسيا وسياسيا لتكون سوقا رائجا لمنتجات التكتلات والأتحادات الكبرى ونهبا مباحا لكل ثرواتها الطبيعيه وموادها الخام اللازمه للصناعات التى تدير عجله الصناعه بها لتعيد تصديرها الى هذه الدول القطريه استنذافا لمواردها الماليه وأحتياطياتها النقديه التى سرعان ماتنحدر الى الهاويه مما يعرض هذه الدول للأفلاس , فلا تجد بد من الأستدانه وطلب القروض من المؤسسات النقديه والأقتصاديه الدوليه ( كالبنك الدولى وصندوق النقد الدولى )التى تسيطر عليها الدول الكبرى المنخرطه فى تكتلات أو أتحادات دوليه ضخمه , وهنا تكون الفرصه مواليه لفرض الشروط الأقتصاديه والسياسيه التى تكبل الدول الضعيفه والغير منتظمه فى أتحاد , فتظل على الدوام دائره فى فلك الدول الكبرى , دون نظره الى مستقبل أو أنتعاش أقتصادى يتيح لها على أقل تقدير الأعتماد على الذات والقدره على التفكير فى الوحده او التوحد مع محيطها السياسى او الأقليمى او القومى .

ويبدو الأتحاد الأوربى مثالا حيا , فعلى الرغم من أختلاف كافه المقومات الوحدويه بين جل الدول الأوربيه ,وعلى الرغم من حربين عالميتين أودت بالبلدان الأوربيه الى صراعات وشرذمات ودمار ودماء سالت على أرض القاره العجوز , الا أن العولمه ووسائل الأتصال و سرعه المواصلات تغلبت على مابدى أنها مقومات وحدويه غامت عن دول القاره الأوربيه , وفى سبيل تحقيق الوحده الأوربيه تخطت دول القاره العجوز كل ذلك , وكونت الأتحاد الأوربى من أجل أنشاء اوروبا موحده , مدركه أن هدف الوحده لا مناص عنها فى مواجهه التغول الأمريكى الذى يريد أن يلتهم دول العالم ,واذا كانت اوروبا قد تغلبت على مقومات الوحده المفتقده بين بلدانهاوأخضعت مؤشرات علاقاتها للعولمه والمصلحه الأقتصاديه والسياسيه بهدف تكوين كيان أقتصادى قوى قادر على أن يرتقى بشعوب القاره الأوربيه من اجل تحقيق أعلى المعدلات التنمويه لرخاء مواطنيها , وهو ما صار فى عالم الواقع يعرف بالأتحاد الأوربى الذى أثبت أن الهويات القوميه لن تندثر .

واذا كان ذلك كذلك , فأنه كان من الأجدر بالدول العربيه والتى تحمل كافه مقومات الوحده العربيه ,أن تندمج على الأقل فى أتحاد واحد يجمعها ويوحد كلمتها ليكون قادرا على مواجه كافه التكتلات والأتحادات الدوليه (الند بالند ),فيكفى أن الأمه العربيه تملك وحده اللغه التى تصنع وحده الفكر والعقل , ويكفى أن الأمه العربيه تملك وحده التاريخ التى تصنع وحده الضمير والوجدان , ويكفى أن الأمه العربيه تملك وحده الأمل التى تصنع وحده المستقبل والمصير , كل ذلك كان جديرا بخلق كيان وحدوى واحد لكل الدول العربيه ,لكن الواقع المعاصر لعالمنا العربى لا يعى حركه التاريخ وهى تتجاوز الصراعات والأختلافات فى سعيها الحثيث بأتجاه عالم واحد يؤسس لتعايش مشترك لامكان فيه للتشرذم والتفكك , تكون الغلبه فيه للقوه المستمده من التوحد وللكيانات الكبيره يذوب فيها الضعيف ليبتلعه القوى ويستبيح ثرواته وموارده الماليه والأقتصاديه .

واذا كان العالم الجديد يتشكل وفق متغيرات العولمه ووسائلها المتقدمه والتى تخطت مجال العقل البشرى , الا أن عالمنا العربى لم يدرك ذلك وسار ينحدر الى عصور سلفت تعيد الى الأذهان الحقبه التاريخيه التى قسمت فيها معاهده سايكس بيكو الدول العربيه وكرست فيها الأنفصال وأصطنعت الحدود لتكون لقمه سائغه فى فم الأمبراطورينين الفرنسيه والأنجليزيه , وبدلا من أن تستغل الأمه العربيه الفرصه الذهبيه التى لاحت لها فى الخمسينات والستينات من القرن الماضى والتى بعث فيها الزعيم جمال عبد الناصر الروح القوميه والوحدويه الى دول وشعوب أمتنا العربيه لكى تدرك وحدتها وقوميتها وأستقلالها ,وتطور هذه الخطوات الناصريه الوحدويه وتضيف عليها بما يوائم عصر العولمه لتصنع دوله الأمه العربيه الواحده , نجد حكام العرب قد تنكبوا الطريق , وساروا الى الطريق العكسى من التفكك والأنقسام والتشظى , سواء على مستوى الدول أو الأديان أو الطوائف وهو مابدى جليا فى الغزو الأمريكى للعراق الذى أدى الى تقسيم الدوله العراقيه وأنسلاخ شمال العراق بحكم كردى تمهيدا لبناء دوله كرديه قد تنضم اليها بعض اجزاء من سوريا , وتأجج الصراع السنى الشيعى على أرض الرافدين ,فيما بدى انه تقسيم جديد ,, بل أن النضال الفلسطينى وبدلا من توحده ضد العدو الصهيونى , تشرذم هو الآخر وصار الصراع بين فتح وحماس نذير شؤم على القضيه الفلسطينيه ,واصبحت غزه تدار بفعل حماس بعيدا عن الضفه الغربيه وحكم عباس ,ومايحدث فى سوريا الآن من صراع دموى مدعوم من قوى أحنبيه تسكب فيه قوى عربيه (قطر والسعودية)النفط على النار المشتعلة لتقسيم سوريا الى دوله علويه وسنيه وكرديه , وهو ما قد يؤثر على موزاييك العالم العربى (لبنان ), ويبقى ماجرته قوى الأسلام السياسى على دولنا العربيه من تشرذم وتقكك وتفسيم واضح للعيان , فالسودان صار شمال وجنوب , واليمن بدت تنقسم شمال وجنوب بفعل ضربات التحالف السعودى الأماراتى .

وصارت الأجواء العربيه كلها معارك وتشابك وصراع بين شعوب الحضارة الواحدة والدين الواحد واللغة المشتركة , وبدلا من تؤدى العوامل والمقومات المشتركة للأمه العربيه الى وحدتها ,أصبحت شعارات الوحده العربية والأمة العربية الواحدة كهدف يبدو صعب المنال – انه اليأس- يقول الكاتب أمين معلون فى كتابه (أختلال العالم )ان اليأس الذى يؤجج المشاعر بالنسبه للجماهير العاديه لم يكن وليد سنه 1967 ولا وليد سنه 1948 انما هو مآل سيروره تاريخيه لايمكن أن يختصرها أى حدث أو تاريخ , أنه تاريخ شعب عرف عهدا كبيرا من المجد أعقبه سقوط طويل , فهو منذ مائتى عام يتوق الى النهوض لكنه يعود كل مره الى السقوط الى أن أنبثق جمال عبد الناصر فراح يؤمن بأنه سيتمكن من النهوض معه مجددا , ويرى الكاتب أن هزيمه جمال عبد الناصر ثم وفاته أدت الى ظهور مشاريع سياسيه متنوعه راحت تتنافس على أمتلاك ارثه , لكنها جميعا لم تنجح بسبب غياب مفهوم الشرعيه (تلك الشرعيه العفويه )التى تكاد تكون لحم ودم , التى تمتع بها جمال عبد الناصر حتى موته .

ونعيد طرح السؤال المعنون به هذا المقال , و ماذا بعد ....؟

هل نترك لأعداء الوحدة العربية "التى هى أمل الشعوب العربيه فى أمه عربيه واحده " ممثلين فى قوى الأسلام السياسى والحركات الأرهابية , والحلف الذى كونه "ترامب" فى الرياض من حكام الخليج وبعض الدول الأسلامية والعربية  والرجعية العربية ممثلو فى حكام قطر وآل سعود يمهدون لسايكس بيكو تكرس الأنقسام والتشرذم ويغرسون اليأس فى نفوس شعبنا العربى حتى يكفربالوحده العربيه.,    ويقضى على قضية شعبنا الفلسطينى وحقه فى العوده . وتقود اسرائيل المنطقة العربية ؟
لكن يبقى طرح السؤال على شعبنا العربى وقواه القومية والوحدوية والناصرية وتنظيماته ومثقفيه ............. ماذا بعد ؟

وتبقى الأجابة فيما قرره ميثاق العمل الوطنى الذى قدمه الزعيم جمال عبد الناصر الى المؤتمر الوطنى للقوى الشعبيه مقررا مايلى "
إن وحدة الأمة العربية قد وصلت فى صلابتها إلى حد أنها أصبحت تتحمل مرحلة الثورة الاجتماعية، ولا يمكن أن تدل أساليب الانقلاب العسكرى، ولا أساليب الانتهازية الفردية، ولا أساليب الرجعية المتحكمة  ,على شىء إلا على أن النظام القديم(الجديد) فى العالم العربى يعانى جنون اليأس، وأنه يفقد أعصابه تدريجياً وهو يسمع من بعيد فى قصوره المعزولة وقع أقدام الجماهير الزاحفة إلى أهدافها.

إن وحدة الهدف لابد أن تكون شعار الوحدة العربية فى تقدمها من مرحلة الثورة السياسية إلى الثورة الاجتماعية، ولابد أن ينبذ الشعار الذى جرت تحته مرحلة سابقة من النضال الوطنى؛ هى مرحلة الثورة السياسية ضد الاستعمار، إن الاستعمار الآن غير مكانه ولم يعد قادراً على مواجهة الشعوب مباشرة، وكان مخبأه الطبيعى بحكم الظروف داخل قصور الرجعية.

إن الاستعمار نفسه دون أن يدرى ساهم فى تقريب يوم الثورة الاجتماعية، وذلك حين توارى بمطامعه وراء العناصر المستغلة يوجهها ويحركها، وليس من شك أن الثورات الأصيلة تستفيد من حركات خصومها فى مواجهتها، وتكتسب منها قوة دافعة، إن الاستعمار كشف نفسه، وكذلك فعلت الرجعية بتهالكها على التعاون معه، وأصبح محتماً على الشعوب ضربهما معاً، وهزيمتهما معاً؛ تأكيداً لانتصار الثورة السياسية فى بقية أجزاء الوطن العربى، وتدعيماً لحق الإنسان العربى فى حياة اجتماعية أفضل لم يعد قادراً على صنعها بغير الطريق الثورى.

والعمل العربى فى هذه المرحلة يحتاج إلى كل خبرة الأمة العربية مع تاريخها الطويل المجيد، ويحتاج إلى حكمتها العميقة، بقدر حاجته إلى ثوريتها وإرادتها على التغيير الحاسم.

بل ان الأجابه على السؤال المطروح ماذا بعد ؟ تقتضى أن نستعيد أدراك وفهم كل الباب التاسع من ميثاق العمل الوطنى والخاص بالوحدة العربية , ونضيق اليه ما يتماشى مع عصر العولمة وذلك يقتضى نضال مرير ضد عملاء الشيطان ,حكام الخليج الذين تفترش اراضى بلدانهم القواعد الأمريكيه .

ويبقى النضال ضد حركات الأسلام السياسى (خاصة التنظيمات الجهادية الارهابية )جديرا بتصعيده . حتى نعيد بلدان الأمة العربية وطنا بلا رجعية وخالى من العملاء
لتكون وحده أمتنا العربية زاداً وزواداً لكل الشعب العربى لكى يقلع الأستيطان الصهيونى من أرض فلسطين ..

*كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس