بقلم / علي البخيتي
- من يخدم الآخر القناة أم الدولة؟.
- من يستخدم الآخر النظام القطري أم التنظيم الدولي؟.
- الخلاف أكبر من قطر وأعمق من السياسية.
- هل من تفسير لسوء العلاقة المُزمن؟.
- الإخوان واختطاف قطر.
- الإخوان وزراعة (فوبيا السعودية) في قطر.
- الصراع بين السلفية الوهابية والسلفية الإخوانية.
- قناة الجزيرة حصان طروادة.
- نصيحة ختامية.

قد تكون السابقة الأولى في عصر التكنولوجيا والنت والفضاء، أن يتم تجيير شعب ودولة ونظام لخدمة جماعة دينية وقناة تلفزيونية، ويخاطر الحاكم بنفسه ودولته وشعبه من أجل قناة وتنظيم ديني دولي عابر للقارات ومتهم بالإرهاب وملاحق في الكثير من الدول، على عكس مما هو معمول به على مستوى العالم، فوسيلة الاعلام تخدم الدولة وسياسة نظامها، كما أن الأنظمة عادة ما تتبنى جماعات دينة من خارج أراضيها في مرحلة ما لخدمة سياسة ما، لكن العلاقة بين قناة الجزيرة والتنظيم الدولي للإخوان من ناحية ودولة قطر من الناحية الأخرى مختلفة تماماً، ما يدفعنا للتساؤل: من هي الدولة ومن هي القناة والجماعة؟!، ومن منهما يستخدم الآخر؟!.
***
من يتتبع مسار العلاقات السعودية القطرية من لحظة نشوء الدولتين الى الآن لا يجد مبرر للتوتر المزمن في العلاقة بينهما، وبالأخص بعد توقيع اتفاقية الحدود في 1965م، كما أن ما يجمع النظامين الحاكمين أمتن وأقوى مما يجمع بقية أنظمة دول الخليج، فالروابط الاجتماعية والقبلية للنظامين عميقة وراسخة وترجع كلها الى منطقة نجد، وهذا ما يجعل أي باحث في حيرة من أمره بخصوص دواعي هذا الصراع المزمن.
***
نعم، ليس بالضرورة أن تكون العلاقات بين الدول المتجاورة ودية تماماً، فالصراع المحدود والتنافس والتدافع بينها وارد وطبيعي، والنظام السعودي مرن في تعاطيه مع هكذا صراعات لم تتجاوز الخطوط الحمراء، وعلاقات السعودية بسلطنة عُمان خير مثال، عُمان المختلفة عن المملكة جذرياً في الكثير التفاصيل، المذهبية والقبلية، بعكس قطر، ومع ذلك لم تتوتر العلاقات بين المملكة والسلطنة الى الحد الذي توترت فيه بينها وبين قطر، مع أن دوافع التوتر أكبر وأعمق، وبالأخص الناتجة منها عن التقارب التاريخي بين السلطنة وايران، لكن هناك عقل سعودي عُماني يفرمل تدهور العلاقات، ويتجنب الصدام الظاهر، ويسعى الى معالجة المشاكل في الغرف المغلقة، بعيداً عن التآمر أو التحريض العلني، إضافة الى أن السياسة العمانية واضحة ومفهومة ومنسجمة مع نفسها منذ عقود، كما أن محدداتها معروفة ويمكن توقع مواقفها والتأقلم معها، بعكس السياسة القطرية الغير واضحة والتي لا محددات ولا خطوط حمراء لديها، كما أن سلطنة عمان تدرك تماماً الخطوط الحُمر التي لا ينبغي لها أن تتجاوزها في علاقاتها الدولية بشكل عام، ومع السعودية على وجه الخصوص، بينما نجد أن هناك مراهقة سياسية في تعامل قطر مع بعض الملفات الحساسة، والتي تدرك أن المملكة لا يمكن أن تغض الطرف عنها أو تمررها دون عقاب، ومع ذلك يصر النظام في قطر على دق تلك الأوتار والوصول في مغامراته الى حافة الهاوية، دون أن يضع في حسابه أن الجرة قد لا تسلم كل مرة.
***
لا شيء يفسر العداء القطري المستحكم تجاه المملكة الا أن هناك من زرع (فوبيا السعودية) داخل الأسرة الحاكمة في الدوحة، فاستمرار الصراع واستحكامه لفترة طويلة، وتحوله الى حالة مرضية مُزمنة، بعكس كل الخلافات الخليجية، يدل على أنه أكبر من قطر وأعمق من السياسية، ومُضي النظام القطري في مغامراته الى حافة الهاوية يدل على أن الفوبيا من المملكة باتت مغروسة في العمق، وترقى الى أن تكون استراتيجية ثابتة للنظام، ومسيطرة على الوعي واللاوعي لدى الفاعلين في الأسرة الحاكمة، وكل ذلك لا يمكن أن يتأتى الا بتأثير فكري عميق، والتأثير الفكري لا يُصنع في سنة أو سنتين، كما التأثير السياسي، بل يحتاج ما بين العقد الى العقدين من الزمن ليختمر ويترسخ، وهذا ما حدث في قطر منذ أن وطأت قدم تنظيم الإخوان المسلين البلاد قبل عقود، فقد درس أغلب أفراد الأسرة الحاكمة على يدي الشيخ المصري الإخواني يوسف القرضاوي، واستمعوا لخطبه، وقرأوا كتبه، واعتبروه مرجعهم الديني منذ عدة عقود، الى الدرجة التي أصبح فيها أمير قطر الحالي الشيخ تميم يقبله على رأسه وكتفه علناً، في مشهد يوحي بالتبجيل والتأثر لم نألفه في أي حاكم خليجي.
***
من المعروف أن النظام في المملكة متحالف مع سلفية الشيخ محمد ابن عبدالوهاب، مع أن الأسرة الحاكمة ليبرالية الى أبعد الحدود، ويمكننا القول أن النظام القطري –اللبرالي كذلك- وبوحي من (فوبيا السعودية) بات متحالف مع سلفية الإخوان المسلمين، ويوسف القرضاوي ومشايخ الإخوان في قطر باتوا المرادف لأسرة آل الشيخ في المملكة، ويعتقد النظام القطري أن تمكينه للفكر السلفي الإخواني في قطر، وفتح المجال على مصراعيه لمدارسهم الدينية وللفارين منهم من مختلف الأقطار العربية، قادر على إيجاد معادل موضوعي للفكر السلفي الوهابي الموالي للنظام الحاكم في المملكة، ويَعتَبر حُكام قطر أن ذلك نوع من الاستقلال عن الوصاية السعودية، بشقيها الديني والسياسي، وهنا يكمن مربط الفرس، ودينامو الصراع، ومحرك الأزمات المستمر في الدوران، والمتمثل في دخول قطر وتبنيها صراع سياسي ومذهبي أكبر منها بمراحل، فقطر المصارع في وزن الريشة زج به القرضاوي والتنظيم الدولي للإخوان الى حلبة صراع في الوزن الثقيل، على مستوى السياسية والدين معاً، ولكم تخيل المشهد بعد ذلك، إضافة الى أن حُكام قطر خلطوا بين السياسة والعقيدة، بين استخدامهم لمجموعة دينية وبين أن تستخدمهم مجموعة دينية، بين دعم واحتضان مجموعة دينية لتُحقق لهم اهداف سياسية تكتيكية، وبين التماهي مع تلك المجموعة وخوض صراعاتها وحروبها الفكرية والسياسية الى النهاية، خلط النظام في قطر بين التكتيك والاستراتيجية، وفشل في استيعاب حقائق السياسة ومنطق التاريخ.
***
العقل العربي في غالبه –حتى لا أقول القطري- لا ينظر للخارطة الجيوسياسية ولو لدقيقة واحدة قبل الشروع في أي صراع مع طرف ما، لذلك نرى دولاً في حجم قطر تسعى لمقارعة دول في حجم السعودية، وجماعة كالإخوان المصرية تسعى لفرض وجودها في عُقر دار الوهابية السعودية، وهنا يحدث الصدام الحتمي، فقطر امتداد طبيعي وقبلي وفكري لمنطقة نجد معقل الفكر الوهابي.
***
يمكن للنظام الحاكم في قطر متابعة كيف تتعامل دول في وزن المانيا مع الولايات المتحدة مثلاً، حيث تتجنب الصدام معها، برغم كل العنجهية الامريكية وبالأخص في عهد الرئيس ترامب، وكيف بلعت انجيلا ميركل كل الخيبات التي تلقتها في زيارتها الأخيرة لواشنطن، كذلك تفعل فرنسا وبريطانيا وكل دول أوربا كلاً على طريقتها، يسعون لأن يكون قرارهم مستقلاً عن واشنطن لكن دون صدام معها، ودون تآمر ضدها، أو تحالف مع أعدائها، فهناك فرق بين لجوئك لتكتيكات معينة بهدف انتزاع مزيد من المصالح والحقوق وبين تغيير في استراتيجيتك بما يهدد الوجود، هناك فرق بين الحفاظ على كرامتك وبين أن تتآمر وتحرض وتجعل رأسك برأس من هو أكبر وأقوى منك بمراحل، ويخوض معارك كبرى ويدفع أموال طائلة للحفاظ على منظومة حكم وجغرافيا سياسية أنت جزء منها.
***
وفي ختام المقال أتوجه ببضع جُمل لحُكام قطر: صحيح أن قناة الجزيرة رفعت مكانة قطر في المنطقة والعالم وجعلت منها دولة فاعلة تفوق بمراحل حجمها الطبيعي، وصحيح أن التنظيم الدولي للإخوان فتح نوافذ كثيرة للنظام القطري وعزز وجوده في الكثير من البلدان، لكن الملاحظ أن القناة أصبحت أكبر وأهم من الدولة والنظام والشعب، وتحولت القناة لحصان طروادة حيث تمكن من خلالها التنظيم الدولي للإخوان من السيطرة على قطر، وأصبحت العلاقة بينهما عكسية، فبدلاً من أن تخدم القناة النظام والدولة والشعب أصبحت العلاقة معكوسة، حيث غدت دولة قطر ونظامها في صراع وحرب مصيرية نيابة عن القناة والتيار الذي تمثله والمعروف بـ (التنظيم الدولي للإخوان المسلمين)، والمتهم من كثير من الدول، شرقية وغربية، بأنه التنظيم الذي انبثقت عنه كل المجموعات الإرهابية، وأن مفكري الإخوان وعلمائهم هم المراجع لتلك المجموعات الى اليوم وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي، صاحب الفتوى الشهيرة بجواز قتل المدنيين عبر العمليات الانتحارية والتفخيخية اذا ما قررت جماعة اسلامية ذلك، وهذا ما تفعله داعش والقاعدة بالأقليات الدينية والمذهبية في العراق وسوريا، وما تفعله حماس في اسرائيل.
***
على حكام قطر أن يدركوا حجمهم بحقائق جغرافيا الأرض لا بجغرافيا فضاء الإعلام، حتى لا يجدوا أنفسهم وقد تحولوا الى خبر من أخبار قناة الجزيرة يم بثه من استوديوهاتها في لندن أو واشنطن، عليهم أن يتمسكوا بالتاريخ والجغرافيا الطبيعية المتمثلة في علاقة صحية وأخوية مع المملكة والامارات وباقي محيطهم العربي، بدل من التمسك بمساحة على الهواء معرضة للزوال في أية لحظة، فهناك وسائل ومؤسسات إعلامية كانت تهز العالم لكنها اختفت نتيجة لتغير الظروف أو لسقوط أنظمة.

* من صفحة الكاتب بالفيسبوك

حول الموقع

سام برس