بقلم/ عبدالوهاب الشرفي
جلبة عالية احدثتها السعودية و الامارات بافتعال ازمة حادة مع قطر واندفعا فيها بشكل متهور ينم عن قصور سياسي بالغ لدى الادارتين السعودية و الاماراتية ، و قد كان اندفاعهما منطلق من حسابات خاطئة سوء فيما يتعلق بالدور الامريكي الذي كانا يعولان عليه ان يقف في مساندتهما بقوة خصوصا بعد قمم الرياض او فيما يتعلق بتقدير اثر العلاقات القطرية الواسعة ومدى قدرتها على توفير الحماية لقطر امام مطالب السعودية و الامارات  .

لا تجد الادارة الامريكية حاجة كبيرة لاحداث تغيرا في السياسة الخارجية القطرية فقطر شريك محوري للولايات المتحدة في اكثر من ملف ولا مفارقة كبيرة بين السياسة الخارجية القطرية وبين ما تريده الولايات المتحدة من دور لقطر ، ولهذا ضلت الادارة الامريكية تتحدث عن ضرورة حل الازمة ولم تحاول ان تجاري السعودية و الامارات في حدتهما تجاه قطر ، و مع ان ترامب حاول ان يصتاد في الماء العكر واطلق تصريحات حادة تجاه قطر بعد فشله في ” اصتيادها ” كما اصتاد السعودية من قبل  الا ان الموقف الرسمي الامريكي  كان متجها باتجاه الحل ومتلافيا في كل مرة ” شطحات ” ترامب واخرها ماتم اليوم من تاكيد تيلرسون ولافروف على ضرورة الحل عبر الحوار للازمة الخليجية .

اتصال لافروف و تيلرسون اليوم هو رسالة بان الولايات المتحدة الامريكية تستوعب مالم تستوعبه السعودية و الامارات ، وان اي تصرف تجاه قطر يجب ان يكون له سقف لانه لن يمثل في كل حالاته الا صورة من صور الخسارة بالنسبة للولايات المتحدة فالاندفاع دون سقف يضع الازمة الخليجية يتراوح بين نتيجتين ادناهما ان تقدم الولايات المتحدة قطر لمنافسيها على ” طبق من ذهب ” و اعلاها ان تتفجر حرب كونية على خلفية الازمة القطرية وهو امر ليست مستعدة للمجازفة باتجاهه في سبيل تخليص السياسية القطرية من صور القصور التي هي بطبيعتها ليست مقلقة بالنسبة للسياسة الامريكية في المنطقة .

قطر بدورها كانت بارعة في تعاطيها مع الازمة فمع تشددها في التمسك بموقفها وحقها في حرية سياساتها وعلاقاتها الخارجية الا انها اتبعت سياسة ” الدم البارد ” تجاه القرارات التي اتخذت بحقها ولم تبادل باي قرارات تمثل رد فعل و ذهبت لتعزيز دور الوساطة للحل ، وفي ذات الوقت قاومت التوجه ” الترامبي ” لاستثمار الازمة وسحب قطر الى مربع اذا وقعت فيه فستفقد الكثير من مزايا تحالفاتها العريضة في حمايتها بل كانت سريعة في سحب ” ترامب ” الى ملعبها بتوجهها اولا الى حلفائها الغير منسجمين مع واشنطن كتركيا و ايران و مرورا باستثمار علاقتها المميزة بالمانيا و وصلا الى روسيا التي اضطر وزير خارجية الولايات المتحدة ان يتصل بوزير خارجيتها اثناء زيارة وزير الخارجية القطري في موسكو و ليؤكد في اتصاله  على ضرورة الحل عبر الحوار ، وليقطع بذلك الطريق على اي نتائج غير مرغوبة قد يخرج بها وزير الخارجية القطري من زيارته لموسكو .

بدء اشعال الفتيل بالبحرين لتتبعها السعودية ثم الامارات واخيرا مصر في ضرف ساعات ،ويضل الموقف المصري موقفا لا طائل منه لان المشكلة التي يعاني منها ليست حاضرة على الاطلاق عن النقاشات حول المطالب السعودية الاماراتية وبالتالي فموقف مصر كان في توقيت خاطئ جعله غير ذي اهمية بل اضر بصورة مصر اكثر من قبله حيث اضهرها كتابع لا تاخذ قضاياها بجدية فلو كانت قاطعت قطر منفردة على خلفية اتهاماتها لقطر لكانت النتيجة افضل بكثير من النتيجة التي تحققت من انضمامها للمقاطعة مع السعودية والامارات و التي بدءت فيها كانه لاموقف لها و لاحضور فيما يتم من تعاطي وتفاعلات مع الازمة الخليجية .

ما يعكس الخيبة السعودية الاماراتية ايضا هو التجاوب الذي تحصلت عليه مواقفها التي تحدثت المملكة عن انها ستذهب لحشد ما امكن ضد قطر لكن النتيجة لم تتجاوز حكومة عبدربه منصور هادي المقيمة اساسا في الرياض وموقف مجامل من الاردن ذهب الى تخفيض العلاقات وليس قطعها و موقف لفصيل ليبي ثم دول لا تقدم ولا تاخر بل تزيد خيبة السعودية و الامارات بروزا ، و بالمقابل تحصلت قطر على مواقف مساندة وازنة من روسيا و تركيا والمانيا و ايران وغيرهم .

لم تتمكن السعودية والامارات من ان تحقق نتيجة بتوجهها للتصعيد واعداد قائمة تضم من صنفتهم كارهابيين من اشخاص وجماعات و تحصلت على ضربة اممية باعلان الاخيرة  عدم مهنية هذا التصنيف وبانها لاتعتمد الا التصنيف الصادر عن مجلس الامن بالنسبة للارهاب افرادا و جماعات ، كما لم تجدي هذه الاثارة بالتاثير على موقف احد بمن فيهم حليفهما الولايات المتحدة الامريكية بل واضطرا لارسال وزير خارجية البحرين الى تركيا لطرح وجهة نظرهما لدولة هي احدى الدول التي تلتقي مع قطر في كثير من المواقف السياسية تجاه ملفات المنطقة و التي طُلب من قطر التخلي عن تلك السياسات ابتداء .

الحصار المضروب على قطر اثمر ايجابا على دول مستهدفة من قبل السعودية و الامارات كايران فقد تحول الاسطول القطري الجوي الضخم الى اجوائها و في ذلك خطوة مهمة تمثل كسرا لحضر جوي عانت منه ايران طويلا ولم تشفع علاقتها مع قطر في كسره قبل تفجير السعودية و الامارات لهذه الازمة , كما اصبح لايران و لتركيا موطئ قدم اوسع من ذي قبل داخل الشأن الخليجي  ، الاسواق القطرية عوضت بالمنتجات القطرية و لقيت ترحيبا ليس فقط من الحكومة وانما من المجتمع القطري نظرا لعدم الاتزان السعودي الاماراتي بطرده للمواطنين القطرين ومعاملتهم معاملة جارحة ، و استصدرت تركيا قرارا من برلمانها يسمح بنشر قوة في قطر لم يكن له وجود او دافع قبل هذه الازمة و سيزيد من الصعوبات امام اي توجهات سعودية اماراتية تجاه قطر مستقبلا وقد يؤدي الى خسارة السعودية والامارات لعلاقتهما مع تركيا اذا ما رفعا مستوى مشادتهما مع قطر ، وشيئ من هذا القبيل بدء يدور بحق الباكستان الدولة الاسلامية النووية و التي رفضت سابقا مطالب المملكة بقوة تشارك في حماية حدودها ضمن عملية ما عرف ” بعاصفة الحزم ” العدوانية على اليمن .

اندفعت السعودية والامارات ضد قطر دون سقف ولكنهما رغم كل الدفع الكبير للتصعيد اصتدما بالسقف المتاح للتأزيم مع قطر و ليجدا الجميع يقف موقف ” الحل عبر الحوار ” وبمن فيهم الولايات المتحدة الامريكية ، ولم يعد من الممكن للسعودية و الامارات الوصول ابعد مما وصلا اليه تجاه قطر ، ومع ذلك تضل الضربة التي وجهاها لقطر غير ذات تأثير كبير على قطر الا انها ستؤثر في مقتل على البيت الخليجي الذي لن يعود كما كان قبل هذه الضربة على الاطلاق و سيكون لها تداعيات على العلاقات الخليجية و على الادوار التي تلعبها دول الخليج في المنطقة و في العالمين العربي و الاسلامي ككل بشكل كبير خلال المراحل القادمة .

رغم كل عمليات التجميل التي كانت تتم على العلاقة السعودية القطرية الا ان تاريخ علاقتهما يظهر عدم انسجام سياستيهما بشكل مستمر ، لكن بعد هذه الازمة سيكون عدم الانسجام اكثر حدة وسيصل الى كل المكونات المرتبطة باي منهما في مختلف الملفات في المنطقة ، وبالتالي فالازمة الخليجية تعتبر قد وصلت الى سقفها مع قطر ولكن تداعياتها و تبعاتها ستبدء من الان وصاعدا وفي مختلف الاتجاهات و الملفات التي لها علاقة بالنفوذ و التدخل الخليجي في المحيط الخليجي وفي العالمين العربي و الاسلامي ككل .
رئيس مركز الرصد الديمقراطي ( اليمن )
alsharafi.ca@gmail.com
*نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس