سام برس
 ولماذا لم نتفاجأ به؟ وهل سيَتم فَرْض حَظْر على مُشاركة المُنتخب القَطري في دورة الخليج الكَروية المُقبلة؟

لمْ يُفاجئنا التّقرير الإخباري الذي نَشره موقع “ذا لوكال” السويسري الذي تضمّن تصريحات مَنسوبة إلى جياني انفانتينو، رئيس الاتحاد الدّولي لكُرة القدم “فيفا”، تحدّث فيها عن بَعث سِت دُولٍ عربية مُقاطعة لدولة قطر برِسالة تُطالب بها استبعاد دولة قطر من تنظيم نهائيات كأس العالم عام 2022، بمُوجب المادة 85 من ميثاق الاتحاد، مُحذّرة من مخاطر تُهدّد أمن وسلامة الجماهير واللّاعبين في بلدٍ يُعد قاعدةٍ للإرهاب، كما لم يُفاجئنا أيضًا نفي مُتحدّث باسم الاتحاد تسلّم خِطاب في هذا الشأن، الأمر الذّي أضاف الكثير من الغُموض إلى هذهِ المسألة.
نقول لم يُفاجئنا هذا التقرير، وبغض النّظر عن صحّته من عَدمه، أن الدّول الأربع التي تُشهر سيف المُقاطعة ضد قطر، وهي السّعودية والإمارات ومصر والبحرين، ذهبت إلى ما هو أبعد من ذلك عندما أعربت عن استعدادها لتقديم وثائق إلى المُجتمع الدّولي تثبت تورّط خُصومها في قطر بدعم الإرهاب، وتُلوّح بفَرض عُقوبات ومُقاطعة اقتصادية على كل شركة تتعامل معهم.

ما يَجري حاليًا حرب “تكسير عِظام”، تجاوزت كل الخُطوط الحمراء، ولا نستبعد أن يكون من سرّب هذا النبأ إلى الصّحيفة الإلكترونية السويسرية فعل ذلك فعلًا إلى “الفيفا”، وأن الأخيرة تراجعت عن تأكيد وصولها، والثّاني أن تكون هُناك نوايا جديّة في هذا الإطار، ربّما تتأطر رسميًا في الأيام أو الأسابيع المُقبلة، خاصّةً أثناء الاجتماع الدّوري الرّسمي لهيئة الاتحاد الدولي لكُرة القدم في زيورخ السويسرية.

عندما نقول أنّها حرب “تكسير عِظام” فإننا لا نستخدم هذا التّوصيف من قَبيل المُبالغة، فمن يُتابع الحرب الإعلاميّة التي يَخوضها الطّرفان، وفشل كل الوساطات العربية والدّولية في التوصّل إلى هُدنة، ناهيكَ عن حُلول وتسوياتٍ للأزمة، يُدرك ما نقول، فالعلاقات مقطوعة كُلّيًّا بين قطر وخُصومها الأربعة، والحُدود البريّة والبحريّة والجويّة مُغلقة، وسَمعنا مسؤولين سُعوديين وإماراتيين، يُؤكّدون أن القطيعة ستطول لعُقود وربّما إلى الأبد، وأنّ هُناك إجراءات أشد قسوة في الطّريق.

من الصّعب الفصل بين الرّياضة والسياسة، رغم كل ما قيل ويُقال في هذا الصّدد، ودول الشرق الأوسط ليست استثناء، فقد قاطعت أوروبا دورة الألعاب الأولمبية في برلين في زمن الحُكم النّازي، مثلما فَرضت حظرًا على مُشاركات النّظام العُنصري في جنوب أفريقيا في المُسابقات الدّولية، وقاطعت أمريكا أي مُسابقات مُماثلة في الاتحاد السوفييتي، مثلما قاطع العرب وحُلفاؤهم الشّرفاء دولة الاحتلال الإسرائيلي، وحَظروا مُشاركتها في المُسابقات الآسيوية، قبل أن يتآكل هذا الحظر بطرقٌ غير مُباشرة، تحت ذريعة توقيع مُعاهدات سلام بين الفِلسطينيين والإسرائيليين، وبين دولة الاحتلال ودُول عربية، مثل مِصر والأردن، ولم يبقَ من مُقاطعة العرب لإسرائيل غير امتناع لاعبين عرب شُرفاء من النّزول إلى الملاعب ضد نُظرائهم الإسرائيليين في المُسابقات الدّولية.

لا نتمنّى أن يأتي اليوم الذي يُقاطع فيه الأشقاء العرب بعضهم البعض في المُسابقات العربية أو الدّولية، أيًّا كانت الأسباب، ولكنّنا نعتقد، ونقولها بكل مرارة، أنّنا ربّما نقف أمام هذا المشهد في الأشهر والسّنوات المُقبلة، فإذا لم يتم حل الأزمة الخليجية الحالية، فإن ليس من المُستغرب أن نرى تجميدًا لعُضوية قطر، ليس في مجلس التعاون الخليجي فقط، وإنّما الدورة الخليجية السّنوية لكُرة القدم في مَطلع العام المُقبل، بالنّظر إلى حَملات التّحريض والكراهية المُتبادلة بين الخُصوم، ونرى إرهاصاتها على شبكات التّواصل الاجتماعي.

فمَنع المُواطنين الخليجيين من زيارة قطر، ومَنع القطريين من دُخول الدّول الأربع المُعادية لها، ربّما يَنطبق أيضًا على فرض مُقاطعة لمُواطني هذه الدّول لمُبارايات كأس العالم في حال إقامتها في قطر، وهذا يعني أن أكثر من ثلاثين مِليونًا من السّعوديين والمُقيمين في المملكة لن يتمكّنوا من الذّهاب إلى الدّوحة في ظِل المُقاطعة وإغلاق الحُدود والمَنافذ البريّة والجويّة والبحريّة، فإذا كان ممنوعًا على هؤلاء مُتابعة قنوات شبكة “الجزيرة” الرّياضية التي تبث المُباريات العالمية، فكيف سيَكون الحال إذا ما أُقيمت المُسابقة الرياضية الأهم، أي كأس العالم على الأراضي القطرية؟

قطر رصدت أكثر من 150 مليار دولار لإقامة البُنى التّحتية اللاّزمة لكأس العالم، وواجهت حملات شَرِسَة ضدها من الولايات المُتّحدّة وبريطانيا اللّتين تفوّقت عليهما قطر وفازت بتنظيم المُسابقة، وتضمّنت هذه الحملة اتّهامات بالرّشاوي، وانتهاك حُقوق العمّال الأجانب المُشاركين في مشاريع البُنى التّحتيّة، ونشرت صحيفة “الصنداي تايمز″ البريطانية مُلحقًا من ثماني صفحات تتضمّن مُكالمات ورسائل بريدية إلكترونية بين مسؤولين قطريين ورُؤساء اتحاد كَروية إفريقيّة وآسيويّة تتضمّن اعترافات خطيرة.

الدّول الأربع، أو بالأحرى ثلاث منها، وهي السعودية والإمارات والبحرين تملك أسرارًا كثيرة، حصلت عليها عندما كانت العلاقات بينها وبين دولة قطر تتّسم بالقوّة والأخويّة والمصير المُشترك في إطار مجلس التعاون الخليجي، وفي ظِل حَملات العداء التي نراها حاليًا مُنعكسة في التصريحات والمُواجهات الإعلامية والسياسية، نخشى أن يتم تجاوز كُل الخُطوط الحُمر، وإفشاء هذه الأسرار المُتعلّقة بكأس العالم.

مرّةً أُخرى نُؤكّد على تمنّياتنا التوصّل إلى حُلول سريعة لهذه الأزمة الخليجية، وإذا لم يتأتّ ذلك، نُطالب باحترام أُصول الخُصومة وآدابها من قبل جميع الأطراف دون استثناء، فالخسارة من جرّاء هذه الخُصومة، ستطول الجميع، والأمّة العربية بأسرها، مع احترامنا في هذه الصحيفة لكُل وجهات النّظر، وإن اختلفنا مع بعضها.
“رأي اليوم”

حول الموقع

سام برس