بقلم / فادي عيد
بالبداية ذهب الجميع لسوريا للانتقام من بشار الاسد ومن سوريا التى أوجعتهم وأتعبتهم كثيرا، أما بليبيا ذهب طرفين فقط (فرنسا، ايطاليا) للانتقام من القذافي، وبعدها جاء الجميع لحصد غنائم لا حصر لها (اموال القذافي، وذهب مشروع الدينار الاسلامي، ونفط وغاز ينتظر مستكشفين جدد) وبعدها ذهبت كل دولة سواء كانت بالشرق أو بالغرب لليبيا كي تحارب خصمها هناك، فالامارات ذهبت لضرب المشروع القطري الاخواني الذي اخذ يتمدد فى كل اتجاه، والاردن ذهب كناية فى المغرب، والمغرب تواجد لضرب استقرار الجزائر، والسودان تواجد للضغط على مصر، وتركيا جائت كي تكمل مشروع سيطرة تنظيم الاخوان على شمال افريقيا، وفرنسا ذهبت بثقلها كي تحل مكان المستعمر القديم (ايطاليا).

والان سوريا بعد لقاء بوتين وترامب بهامبورغ الألمانية (والعمل على تسوية لبعض المناطق، وخلع ايران من مناطق اخرى، مقابل أنهاء امريكا لبرنامج تسليح المعارضة، والاقرار بالدور الروسي الضامن للتسوية، ووقف القتال ضد الجيش السوري بعبر التنف)، ثم ضرب الجيش السوري كل مخططات مستعمري الطاقة فى منطقة البادية، بجانب السعي العربي لسرعة وضع العراق بالمسار الصحيح (اخماد الطائفية واعادة الاعمار) جعل جميع الدول صاحبة العضوية فى نادي "الربيع العبري" تضع الملف الليبي على طاولتها، ولكن ليبيا الان غير ليبيا 2011 تماما، والكل يدرك ذلك ما عدا أغبياء أوروبا، فأن كان قديما كل الطرق تؤدى الى روما فكل الطرق الان تؤدى الى بنغازي.

يوما ما قلنا أن الغرب سيعاقب قطر ولكن ليس لدعمها للارهاب بل لفشلها فى الدور المكلفة به لتنفيذ مخطط الشرق الاوسط الجديد، وعقاب البقرة دائما يكون حلبها قبل ذبحها، ويحسب للعقلية العبقرية التى بضربة بلياردو واحدة حركت كل الكور على الطاولة وكشف الجميع، وجمع كل نفايات الاقليم (قطر، ايران، تركيا) فى خندق واحد، ويبدو أن الطليان يريدون تأكيد غبائهم عن جدارة وأستحقاق، فاليوم يتواجد وزير خارجية ايطاليا بخندق نفايات الاقليم المسمى بالدوحة، الدوحة التى فى خلال شهر نفذت مناورة عسكرية مع بريطانية واثنين مع امريكا والثالثة قريبا جدا، ومجمل زمن كل تلك المناورات السابقة أو القادمة لن يتخطي 4 ايام، فهي حقا مناورة ولكن ليست مناورات عسكرية.

لا اتعجب قلة حيلة روما فعندما فشلت كل اوراقهم مع مصر، ارتدو ثوب بلغاريا والدنمارك والسويد (حضانات الاستخبارات المركزية الامريكية لايواء النشطاء العرب) منذ ثلاث أشهر، ولعبو بكارت استضافة ما يسمى بالنشطاء أو بالاحرى "جواسيس برخصة" وهو الكارت الاول الذى ألقى على طاولة بداية "الربيع العبري" وحرق تماما ولم يعد يجدي ألان.

فرئيس الاركان كلاوديو غراتسيانو أو وزيرة الدفاع روبرتا بينوتي أو باولو سيرا وغيرهم من الجنرالات وسياسيين روما، عاشو فى لحظة من اللحظات حلم كبير، حلم عودة امبراطورية روما والبداية بشمال افريقيا، وتملكهم غرور مبكر بعد ان تم تنحية صديقنا ماتيو رينزي من المشهد، وتوهم كلاوديو وبينوتي أنهم سيصبحو قريبا ردولفو غراتسياني او الجنرال امياني (سفاحين ايطاليا القدامى بليبيا)، ولكن صحراء ليبيا ليس لها كبير.
ولكن الطليان أكدو بجدارة أنهم أذا كانو يتفوقو على الالمان فى أناقتهم، وعلى الفرنسيين فى رشاقتهم، وعلى الانجليز فى لباقتهم، فهم اغبى الاوربيين فى سياستهم ورؤيتهم، وان الاسبان حتى التي قد لا ترى لهم دور بأحداث الشرق الاوسط، كانو متواجدين وانحاذو لطرف واحد فى السر بالملف السوري الا وهو بشار الاسد وكان رهانهم صحيح، نعم الطليان هم اغبى الاوربيين فى السياسة، ويبدو أنها ستتلقى دورة دروس مكثفة من مصر وفرنسا بالفترة القادمة.

أتذكر بعام 2009 (أي قبل اندلاع الفوضى بسوريا بعامين) زار وزير الدفاع الايطالي السابق ماريو مورو كردستان العراق، وخلال زيارته تفقد مساحات ضخمة انشئ عليها مباني كثيرة وورش كبيرة للبناء، فسأل مورو عن الهدف من انشاء تلك الابنية الكثيرة فى مكان يعد بعيدا عن التجمعات السكانية، فجائه الجواب بأنها للاجئين الحرب فى سوريا، وبرغم ذلك الاغبياء لم يستوعبو ما قاله الاكراد لهم الا بعد سنتين من اندلاع الفوضى بسوريا.

فحتى الان روما لم تتوقف امام مشهد استقالة روبرت هانيجان مدير الاتصالات بوكالة الاستخبارات البريطانية اواخر يناير الماضي، بعد أذاعه التليفزيون المصرى الرسمى لفيديو حوار بين الشاب الإيطالى جوليو ريجينى وهو يتفق فيه مع محمد عبدالله نقيب الباعة الجائلين، على تقديم معلومات عن أوضاع الباعة الجائلين، فى مقابل مبالغ مالية مقدمة من بريطانيا، والاغبياء مازال يبحثون عن قاتل ريجيني، فى نفس الوقت الذى يبحثون فيه عن بديل لخاسر السراج وربما عن الطفل المعجزة أيضا أحمد معيتيق، بعد أن باتت كل الوعود والاتفاقات التى أبرمت بينهم سرا فى روما مؤخرا فى مهب الريح، فيبدو أن روما لم تعد مطالبة بالبحث عن فرد واحد بديل لهذا أو ذاك، بل ربما عليها البحث عن حكومة وفاق بأكملها جديدة.

وأن كان هناك أحد لا يرى طبيعة المشهد بين روما والقاهرة على مدار السنوات الاخيرة فعليه يتذكر مشهد هام كان منذ 15 شهر تقريبا، حينما كان رئيس الوزراء السابق ماتيو رينزي (صديق القاهرة وجسر التواصل بين القاهرة والاتحاد الاوروبي بعد ثورة 30يونيو) بمسرح فلورنسا ووجهة له أحد الصحفيين سؤالا قائلا: ما طبيعة العلاقات مع مصر الان؟ فاجأبه من كان "بوابة اتصال بين القاهرة والاتحاد الاوروبي بعد ثورة 30 يونيو"، بأن هناك من يضغط عليه لقطع العلاقات مع مصر، ومن بعدها أنتظرت تنحية رينزي من المشهد تماما وقد كان.

الباحث و المحلل السياسي بشؤون الشرق الاوسط
fady.world86@gmail.co

حول الموقع

سام برس