جمال الظاهري
الله موجود في اليمن قالتها أحد المستشرقات, وحولناها نحن إلى مفتتحاً للتندر حين يراد السخرية من مفردات الحياة اليمنية.
كل شيء في بلادنا نستطيع أن نقول عنه بأنه استثنائي وخارج عن السياق فمن حيث الأرض فإنها استثنائية بالنسبة لمحيطها الإقليمي فحدودها استثنائية تطل على البحر والمحيط وبها أحد أهم المضايق العالمية (باب المندب) جوارها استثنائي فجار الشمال يمتلك المساحة والثروة والحضور السياسي الإقليمي والعالمي يقابله جار الجنوب الغربي فقير ومتعثر (الصومال واريتريا)، الجار الشمالي يستهوى أبناء اليمن للهجرة إليه بحثاً عن حياة أفضل, فيما أرضه تستهوي أبناء الجار الجنوبي المتعثر الباحث عن حياة أفضل بعيداً عن المجاعات والحروب التي تعيشها دول القرن الافريقي.
في بلادي الأمن موجود والحروب والقتل موجود، الحكومة موجودة وفي نفس الوقت غير موجودة، القانون والدستور موجود والبرلمان موجود وهو في الواقع غير موجود، الجيش والأمن موجود وهو غير موجود، المقتول موجود والقاتل غير موجود، العميل والمخرب موجود والوطني والمخلص غير موجود، الكهرباء والماء والمرفق الحكومي موجود والتيار الكهربائي ومشروع المياه غير موجود، الأديب موجود والثقافة غير موجودة، الجامعة موجودة والمعلامة موجودة، الوزارة موجودة والوزير غير موجود.
الحراك السلمي موجود والحراك المسلح موجود، النادي موجود والرياضة غير موجودة، التكريم موجود ومن يستحق التكريم غير موجود، الثائر موجود والثورة غير موجودة، الرقيب موجود والرقابة غير موجودة.
في بلادي الكل مظلوم والظالم مستتر تقديره أنت وأنا وهو وجميعنا في محل نصب مبني للمجهول، والعلة سببها الواو ومفتاحها كسر عين المسؤول أمام بهرارة التاجر والشيخ وجماعة حمران العيون، المستشفى والطبيب موجود والطب غير موجود.
في بلادي البترول والغاز موجود واستيراده وتهريبه موجود، القاعدة موجودة تصول وتجول والاستخبارات والأمن في خبر كان, ورحم الله أيام زمان.
في بلادي الكل بريء وفي نفس اللحظة مدان، والكل يحزم حقائبه للسفر ويدعو يا حنان يا منان، في بلدي الوزير والتاجر والقائد والعسكري والفنان والموظف (الكحيان) وصاحب الدكان الكل يشكو ويقول أنا غلبان.
في بلادي الكل وحدوي والكل انفصالي، الكل حداثي والكل رجعي، الكل يساري والكل ليبرالي، الكل كهنوتي والكل تقدمي ..
محنتنا لا يعرفها غيرنا ومن يدخل بيننا يتوه ويغرق في المثاليات من قبيل التنازل لبعضنا البعض وتقديم بعضنا لبعض في المناسبات وفوق وتحت الطاولات, حتى أنه يمكن أن تشاهد المتخاصمين على الموائد وهم يلقمون الطعام لبعضهم البعض كعشاق في بدايات حياتهم الزوجية.
في بلادي الكل ينشد العدالة المغيبة وينصب نفسه وكيلاً مفوضاً عن شعب غرق في همومه اليومية وآثر السكوت إلا من ترديد مطلع أغنية محمد يوسف الزبيدي (ساكت ولا كلمة .. ( صابر أنا صابر صابر ولا رحمة).
كل ذلك حاضر في الرسميات (اتيكيت) امتزج فيه العصري مع الموروث والتقليدي، أما في الواقع، فالأمر مختلف والله موجود.

حول الموقع

سام برس