بقلم / محمود كامل الكومى
فى حياة الأمم أنتصارات تمتد أثارها الى آخر الزمان وتظل عيداً يُحتفل به على الدوام ,ليتجدد الفرح كل عام ويبدو العرس جديراً بأن يُفرخ أفراحاً وأفراح , تُجَدِد نشاط الأمم فى أنجاب الأبطال , الذين يخرجون من ترائب النصر المؤزر يحفظون للوطن عرينه ويجددون دماء شراينه ,مستلهمين بطولات الآباء والأجداد ,ليكونوا لعدو الوطن بالمرصاد , فيهابهم ويعمل لهم ألف حساب وحساب , بل ويندم على لحظة الأعتداء .

فى أعماق التاريخ العربى والأسلامى أنتصارات مازالت تسقينا الأفراح أبتداء من بدر والخندق مروراً بنهاوند واليرموك والقادسية وحطين ( وكلها انتصارات نشرت راية الأنسانية ضد الطغيان فغدت قمة الفرح على مدار الأعوام) – وفى وبورسعيد 1956, كان النصر المبين  الذى حقق الأراده وبه لم ننثن أو نحضع لعدو فيما أراده ,أنما فرضت مصر واقعها وحققت ذاتها وطردت المحتل من أرضها ,فأجهضت أهداف العدوان بالصمود والتضحيات ودماء الشهداء (  العدوان الثلاثى على مصر 1956), فصار عيداً للنصر ورمزا دائماً فى كل عصر , على التمسك بالمبادىء وبالحقوق وبالقرار المعبر عن أرادة الشعوب ( تأميم القناه) , رغم قوة جيوش العدوان التى كانت تمثل امبراطوريات تتحكم فى كل مكان فى العالم ,ورغم الدمار والشهداء,صار الشعب العربى بقيادة جمال عبد الناصر فى طليعة شعوب دول العالم الثالث , وقضى الفارس على الأمبراطورتين الفرنسية والأنجليزية التى غامت عنهما الشمس ,وصار الفرح كل عام منذ 23ديسمبر 1965 حتى الآن .

فرح 6 أكتوبر (تشرين), سبقة نضال دؤوب على الجبهتين السورية والمصرية , فى سوريا ومنذ أن كان الرئيس حافظ الأسد وزيرا للدفاع , وحتى تسلمه قيادة الجمهورية العربية السورية ,تعاظمت قوة الجيش العربى السورى , وتغلبت على التحديات وحققت الأنتصارات على جبهة الجولان فمهدت لحرب 1973 ,وباتت على أهبة الأستعداد لتحرير أرضها فى الجولان .


وفى مصر لم ينم جمال عبد الناصر منذ النكسة ,ِاِلا والفريق عبد النعم رياض رئيسا لأركان الجيش المصرى والفريق أول فوزى وزيراً للدفاع ,بقوات الصاعقة تمكن عبد المنعم رياض فى عزالنكسةوالأنكسار من تدمير العدو فى رأس العش ومنعه من العبور , وخلال عام ونصف أقرت المراكز العسكرية الدوليه أن ماتحقق للجيش المصرى من تقدم وأعادة تسليح وقوة هجومية ودفاعية يعتبر فى العرف العسكرى معجزة بكل المقايس ,فطبقا للواقع لايمكن لجيش دمر معظمه فى حرب ,أن يعوض خسائرة ويتجاوز قوته السابقة ويصبح على أهبة الأستعداد للقاء العدو فى تلك المدة القصيرة! .

وخلال الفتره التى أعقبت النكسه فى 5 يونيو 1967 حتى  يونيو 1970 وفى ظل قيادة عبد الناصر حقق الجيش المصرى أنتصارات على العدو الصهيونى بداية من رأس العش الى تدمير المدمرة أيلات وتدمير 3 قطع بحرية بميناء ايلات الاسرائيلى  وتدمير الحفار الأسرائيلى فى السنغال ,وأغراق الغواصه دكار بالأسكندرية ,والانتصار فى جزيرة شدوان , وماحققته منظمة سيناء الفدائية المصرية من ضربات موجعه وأسر جنود للعدو داخل سيناء المحتلة جعل العدو يندم على أحتلالها   , وانتهاء بتدمير خطوط العدو ومواقعة الحصينه من خلال حرب المدفعية الثقيلة التى انهمرت قذائفها على طوال غرب القناه لتدك حصون العدو على كامل الضفة الشرقية للقناه ,لتتوج حرب الأستنزاف التى قادها الجيش المصرى بتحقيق أهدافها بقيادة الفريق عبد المنعم رياض الذى قاد المواجهة بنفسة وأستشهد بين جنوده فى موقع المعدية رقم 6 غرب القناة , وبدأ أستعداد الجيش المصرى للهجوم , حين أكتمل بناء حائط الصواريخ الذى أسقط طائرات العدو فحمى العمق المصرى,وأمن فيما بعد تقدم القوات المصرية العابرة الى الضفة الشرقية , وكانت جرانيت 1 وجرانيت 2 هى خطة  القياده العسكرية المصرية التى أعتمدها جمال عبد الناصر لتحرير سيناء والتقدم الى فلسطين , ولم يمهل القدر عبد الناصر فلبى نداء ربه .

" هنرى كيسنجر" يناغيه السادات من أجل مفاوضات مع أسرائيل ,يتمادى الشيطان اليهودى ويرد: يجب أن يتم تحريك حالة اللاسلم واللاحرب لتجبر أسرائيل على التفاوض – من هنا كان هدف السادات من الحرب !
 فى القيادة العسكرية ...كان للحرب هدف واضح هو تحرير الأرض العربية التى أحتُلت 1967 من أجل أستعادة فلسطين .

ومن أجل تنفيذ هدف السادات من الحرب كان لابد من قيادة موالية على رأس الجيش المصرى فأعاد أحمد اسماعيل على الى الخدمة وعينه وزيرا للحربية وكان عبد الناصر قد عزله فورا من رئاسة اركان الجيش حين تغافل عن ابرار جوى للعدو فى الزعفرانه فأمره عبد الناصر على الفوربالتوجه لموقع الحدث وإدارة المواجهة من هناك على الطبيعة، لكن أحمد إسماعيل فضّل العودة للقاهرة مخالفاً أوامر الرئيس -  وكان حسنى مبارك قائداً للقوات الجويه , وقد عينه السادات بعد الحرب نائبا ً لرئيس الجمهورية !!.

6 أكتوبر 1973- عيد كيبور -,غدت المفاجأة تطيح بعقل أسرائيل بعد أن ضرب مركز عملياتها فى قلب سيناء.

الساعة الثانية ظهراً .. فى لحظة فريده ,أشعلت القوات السورية الجولان ناراً وتلظت أسرائيل – وعبرت القوات المصرية القناة , وأنتفض المقاتل المصرى والسورى يحقق أملا طال أنتظاره ,وكبتاً كمده سنوات فى صدره ,فأراد ان يرد الأعتبارلذاته ووطنه وأمته العربية .

عبرت القوات المصرية القناة الى سيناء وسط آتون ناراً أشعلتها آلاف المدافع على طول خط المواجهة , فحطمت خط بارليف وأثر من ينزفون  من الجنود العبور , وتناقلت الأنباء البطولات عن عبد العاطى صائد الدبابات ,ومحمد الذى رفع العلم بعضديه بعد أن فقد كلتا يديه والشهداء الذين فجروا أنفسهم داخل فوهات الدبابات الصهيونية , وعساف ياجورى وكتيبته التى اسرها الأبطال – وعلى الجولان سالت الدماء السورية تروى ثراها بعد أن ضربوا اروع أمثلة التضحية والفداء من خلال بطولاتهم التى يعجز عن وصفها أى من كان , فأمتد الفرات الى النيل عبر الدماء لتروى حكاية الجيش الأول السورى والجيشين الثانى والثالث المصريان , وبدت الجمهورية العربية المتحدة تُستَدعَى من جديد ,فعم الفرح من خلال أرواح الشهداء.

رداً على سؤال الصحفى الأشهر محمد حسنين هيكل : كانت أمامكم فرصة ذهبية لتطوير الهجوم المصرى عبر مضايق سيناء ,بعد أن توقف عقل أسرائيل بتدمير مركز عملياتها بسيناء , لماذا تقاعستم عن أستغلال هذه الفرصة ؟
أجاب أحمد أسماعيل على وزير الحربية :صدرت لنا الأوامر بوقفة تعبوية من القيادة السياسية !!!!!!!!!!!!!

السادات عبرأثير التليفون مع كيسنجر , تبدلت حالة اللاسلم واللاحرب – رد الأخير اسرائيل لن تقبل المفاوضات مهزومة – اذا كان العبور المصرى قد أنتصر الى الشرق فلابد من عبور أسرائيلى الى الغرب !!

فكانت ثغرة الدفرسوار أو غزالة شارون , التى كان يعمل لها الفريق سعد الدين الشاذلى الف حساب وأراد أبادتها عن بكرة أبيها .. فمنعه السادات وأقاله .. وغاب بطل حرب أكتوبر فى أوروبا والجزائر , وعاد الى مصر وهو يعلم أنه سينفذ فيه حكم بالسجن  دبره له السادات , لكنه أثر أن يعود وفضل السجن على الموت خارج الحدود ,وأَبىَ أن يقدم طلبا لحسنى مبارك بالعفو.

سار مخطط "كسينجر " الى هدفه الأستراتيجى (الصلح مع أسرائيل)وهو ما تحلم به دولة الأستيطان منذ العام 1948 , 1967 , وقد تحقق بعد حرب 1973 بأتفاقية كامب ديفيد – صحيح عادت سيناء لكنها مكبلة بالمناطق (أ-ب – ج)ولايسمح اِلا بقوات أمن رمزيه وغير ذلك لايكون اِلا بأمر أسرائيل – فى عز النكسة عرضت " جولدامائير على عبد الناصر سيناء بدون قيود مقابل التخلى عن الحرب مع أسرائيل , ورفض عبد الناصر , قبل عودة الجولان والضفة الغربية , وحل القضية الفلسطينية .

الفرح عم لحظة العبور, بدماء الشهداء وببطولات الأبطال التى فاقت كل ماعرف عن التضحية والفداء , ولو ترك لأبطال العبور العنان لكانت غزة على الأبواب , وعلى الجبهة السورية كان الصمود وبزوغ فجر الأنتصار الذى كاد أن يحقق عودة الجولان وزلزلة قلب  الكيان الصهيونى , لكن السادات لم يطور الهجوم .

فى كتاب الحرب النصر بتحقيق الهدف لحظتها الفرح يعم ولايغيم سرت دماء الجنود الأبطال تحيل آليات العود الى توابيت لجنودهم وغدت لحظة الفرح فى العيون تبوح بسرها المكنون , وكاد يندمل الجرح , ويتحقق الأمل والهدف ويتعمق مفهوم الصراع الوجودى مع اسرائيل , وكان شعار عبد الناصر لاصلح لاتفاوض على الأعتراف موجود .

لكن الفرح.. ومع مرور 44 عاما على لحظة الفداء فى 6 أكتوبر 1973 , قد غامت آثاره وسُرِقت تضحياته , وبات الأبطال فى خبر كان والقادة الشرفاء  أُهيلت عليهم صفحات باليه من العملاء , وماعدنا نستنشق عبير الشهداء – فبعد كامب ديفيد توالت مشاريع الخيانه فى وادى عربة وأسلو , وشرعنت أسرائيل مع الصهيونية والأمبريالية العالمية الفوضى الخلاقه فى مصر وسوريا وليبيا واليمن , وتبنت "داعش" وأمدتها بالتقنيات الحديثة والمعلومات وفتحت لها تل ابيب أبواب العلاج , فصار الدمار فى سوريا والعراق وليبيا واليمن , وبدى حكام الخليج يتصهينون ويمدون الجسور مع بنى أسرائيل ويمولون كل الحركات التى تحقق آمال أسرائيل من النيل للفرات .

فى الذكرى ال 44 لحرب أكتوبر المجيده التى سطرها الجنود والقادة المصريون بكفاحهم وبدمائهم ,تتواتر الأخبار عن تدريبات مشتركه بين سلاح الجو الأسرائيلى والمصرى فى محاولة دنيئه للوقوف على اجساد شهداء الجيش المصرى فى كل الحروب – وغدت أسرائيل الصديق وتعاطفت حكومات الخليج وغيرها من حكومات عربية مع أسرائيل لتحويل ايران من صديق الى عدو طالما تعادى اسرائيل , ولأجل أمن العدو الصهيونى وَصَموا كل مقاومة للأحتلال الأسرائيلى بالأرهاب , فى محاولة من الكلاب لنهش جثث الشهداء وأِهالت التراب على الأبطال الذين سطروا ملاحم العبور فى سيناء والجولان بالدم والكفاح .

بعد 44 عاما على حرب أكتوبر المجيده .. غام الفرح وعدى النهار والمغربية جاية  ,تتخفى ورا ظهر الشجر  ,وعشان نتوه فى السكة   شالت من ليالينا القمر ,وبلدنا ع الترعة بتغسل شعرها
جانا نهار مقدرش يدفع مهرها ,ياهل ترى الليل الحزين أبو النجوم الدبلانين ابو الغناوي المجروحيين يقدر ينسيها الصباح   ابو شمس بترش الحنين.

ابدا... بلدنا للنهار... بتحب موال النهار
لما يعدي فى الدروب ويغني قدّام  كل دار
ومع وعد بنهار جديد يا شعبنا العربى تزول فيه أسرائيل لنعيد لأبطال حرب أكتوبر  الحقيقين وشهدائها الأبرار عبير دمائهم الذكيه لتفوح فى كل بلاد العرب فيتحقق الفرح الى الأبد .

*كاتب ومحامى - مصرى

حول الموقع

سام برس