بقلم / يونس الحكيم
تفاجئ الشارع العربي بالزيارة التي قام بها مؤخرا رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر أحد أبرز المراجع الشيعية في العراق إلى العاصمة السعودية الرياض ؛وألتقى خلالها بولي العهد السعودي الأمير /محمد بن سلمان .

هذه الزيارة التي جاءت تلبية للدعوة التي وجهها ولى العهد الجديد،وينظر إليها البعض على أنها تندرج في سياق التأكيد على رغبة  القيادة السعودية الشابة في إنتهاج سياسة منفتحة على مختلف التوجهات الفكرية والعقائدية في المنطقه، بهدف إيجاد نقاط إلتقاء وتقارب مع أحد أكبر رموز الشيعة العرب، بغية إستمالتها  وإنتزاعها من بين مخالب طهران، والتأثير التدريجي على مراكز صنع القرار في الداخل العراقي  أضف إلى ذلك محاولة الأمير الشاب اللعب على المتناقضات ومحاولة إستغلال المساحة والفجوة التي أحدثها صراع النفوذ بين مرجعيتي "قم والنجف "اللتان تتنازعان على صدارة النفوذ والتأثير في مراكز صناعة النفوذ في العراق.كون التيار الصدري على عداء شبه ظاهر مع طهران والمرجعيات التي تدين بالولاء لها.

إلا إن البعض الاخر ينظر لتلك الخطوة بإزدراء وإستهجان شديدين لا تخلوان من السخرية،ويعزوا البعض ذلك إلى السياسة الغير ثابتة  والمتخبطة التي تنتهجها الإسرة الحاكمة في المملكة تجاه العديد من الملفات والقضايا الإقليمية في المنطقة ولاسيما عقب الإطاحة بولي العهد السابق الأمير /محمد بن نائف من منصبه كولي للعهد، وتعيين الأمير الشاب وإبن الملك الحالي وليا للعهد.

ففي الوقت الذي تفتح المملكة أذرعها وأحضانها لإستقبال بعض من رموز الشيعة وأحد أبرز مراجعها في المنطقة، تخوض حربا ضروسا لاهوادة فيها مع البعض الأخر منهم، إما عبر المواجهة المسلحة والتدخل المباشر  كما يحدث حاليا مع جماعتي الحوثي الشيعية في اليمن،  والشيعة في البحرين، أو عبر التدخل الغير مباشر كما يحدث مع نظام الأسد في سوريا وحزب الله في لبنان.

  لكن ومهما كانت الممبررات التي تسوقها المملكة لنفسها إلا إن تلك المحاولات في نظر البعض ستبوء بالفشل،وتحكمها عوامل عدة، أهمها حجم العداء التاريخي الظاهر والمعلن بين التيارين  "السلفي الوهابي " من جهة والتيار" الشيعي "بطوائفه المتعددة من جهة إخرى،وإستحالة تقاربهما مهما تلامست خطوط الإلتقاء بينهما ،فخلافاتهما عقائدية بحته، ولايمكن لأحدهما القبول بفكر الأخر مهما سادت وطغت أجواء المصالح ، وطالما نتيجة  اللقاء وإن تكررت ستكون سلبية بلا أدنى شك، فما فائدة هذا التقارب الذي لن يخلق سوى العداء وفقدان الثقة بين مختلف الأطراف فيما بينها،سواء السنية أو الشيعية على حد سواء ؟!.
وبالتالي فهناك العديد من التساؤلات التي تبحث عن إجابات مقنعة .فمثلا هل العداء الذي تحمله السعودية تجاه مختلف المرجعيات الدينية في العالم العربي والذي وصل بها الحال مواجهة البعض منها عسكريا كما أشرنا كان خطأ إستراتيجي وقعت به المملكة كون بعض من تلكم الشخصيات عربية وقومية؟!وقد جاء الوقت للتقارب معها بدلا عن عداءها،هذا أولا .وثانيا كيف تسعى المملكة إلى مد جسور التواصل مع البعض ممن تختلف معهم فكريا وعقائديا، وتغلق بقية الجسور بوجه أخرين،وممن للأسف يتفقون معهم في الفكر والعقيدة،وتربطهم بهم أواصر الأخوة والقرابة والجوار والمصير المشترك، وكانوا دوما السباقيين في الوقف  معهم وبجانبهم في أحلك الظروف كدولة قطر وناصروهم بالجهد والمال في كثير من القضايا والتي غالبا ما يكون منشئها عدم إنتهاج سياسة ثابتة ومتزنة من قبل المملكة ذاتها مع العديد من الملفات والقضايا في المنطقة، فتارة تتماهى معها وتارة تكيل التهم وتنصب العداء،كما حصل مع  حركة حماس  السنية وجماعة الإخوان! وهو ماجعل قطر تتعرض لهجوم شرس من قبل دول الترويكا الخليجي "الدول الخليجية الثلاث " اذا جاز لنا القول،بالإضافة الى مصر التي حشرت أنفها في زاوية ضيقة وتتعرض للكثير من الإهانات على مدار الساعة بطريقة غير مباشرة من قبل الوسطاء والساعيين لحلحلة الأزمة الخليجية بتأكيدهم على أن حل الأزمة مع قطر لابد أن يكون في إطار البيت الخليجي.
وبالتالي لا يحتاج الأمر إلى تأكيد ماهو مؤكد أن الهدف الحقيقي وراء معادات قطر من قبل دول الترويكا الخليجي هو بسبب مواقف قطر الثابتة التي ترفض الإملاءات والإنصياع تحت رغبات أصحاب المواقف المتذبذبة، ونزولا عند رغبة بعض الأطراف المجاهرة بعداءها للكثير من المكونات السنية في المنطقة كجماعة الاخوان وحركة حماس نبض الشارع العربي .

صفوة القول :إن المملكة كما يبدو من مظاهر ما يجري، ماضية قدما في إنتهاج سياسة إستعداء الخصوم، ومعاداة بعض  الأطراف السنية كدولة قطر وحركةحماس، وفي الوقت ذاته تطلق أذرعها لإستجداء البعض في مسعى منها لإعادة اللحمة العربية  كما تزعم، ويتحدث بذلك البعض ممن يؤيدون خطواتها،
ولاندري عن أي قومية أو إصطفاف عربي يتحدث البعض؟! والعرب أنفسهم  ينفرون بعضهم  البعض ويقاطعون ويحاصرون بعضهم ،ويدفعونهم للإرتماء في أحضان إيران، وقد رأينا كيف سارعت إيران إلى فتح أجواءها لقطر بعد أن فرضت عليها دول الترويكا الخليجي المجاورة لها حصارا خانقا، وأغلقت أجواءها ومنافذها  البرية  والبحرية.وهو ما يمكن قوله، إن المملكة بإستراتيجيتها الجديدة،تنتهج  سياسة التدمير الذاتي لمكانتها ودورها في المنطقة،من حيث لاتدري،وهى بذلك تتفنن في صنع خصوم جدد لها،إلى جانب عداءها الدائم مع الشيعة، وزيارة واحدة أو أكثر لن تستطيع كسر الجمود السياسي والفكري بينهما مهما علا شأنها.

فماذا تبقى للمملكة من حلفاءها العرب والمسلمين؟!!  بعد أن عادت وخاصمت  الشيعة والسنة والقوى الليبرالية أو "الرجعيين " كما كانت تقول ذلك في خلافها مع عبد الناصر؟! .وهو مايعني ان فهلوة الامير "التذاكي وانتحال الذكاء " هي في الاساس  لا في العير ولا في النفير  كما يقولون

حول الموقع

سام برس