بقلم / منى صفوان
صاروخ حوثي على الرياض ليس حدثا عابرا بلا شك ، فهو تحول خطير في المنطقة استدعى اجتماعا طارئا للجامعة العربية في القاهرة لادانة إطلاق الصاروخ ، برغم تغيب وزراء ست دول، وهذا دليل انشقاق عربي، يجعل المملكة السعودية تبدو وحيدة كرأس حربة في مواجهة ايران، وهنا يظهر تقارب الرياض المتسارع مع اسرائيل، فيبدو انها لا تثق كثيرا بالحلفاء العرب، وعموما فإن ضرب الرياض وتهديد أي عاصمة خليجية وخاصة من قبل المحور “الايراني” خبر لم نتوقعه قبل سنوات قليلة، وله من النتائج ما يؤكد على تحول هام نعيشه اليوم. فهل يكون هذا الصاروخ الاول هو الاخير؟

الخريطة ملغمة بالمليشيات

ووسط دوي ضربة الصاروخ الحوثي في ضواحي الرياض قرب هدف ليس عشوائيا وهو المطار الدولي، تستيقظ الرياض فجأة على حقيقة ان حليفها في لبنان سعد الحريري “رجل ضعيف” وانه غير قادر على المواجهة، مقابل حلفاء ايران الاقوى سياسيا وعسكريا ، ويبدو أقل تاثيرا في الشارع اللبناني والسني أمام كاريزما وشعبية “حسن نصر الله” كزعيم شيعي تجاوز جمهور حزب الله لجميع الشيعة في المنطقة خارج لبنان. وهو ما يجعل “عبد الملك الحوثي” في اليمن يحاكيه ويقلد طريقته في الخطابة لخلق نموذج اخر للزعيم الشيعي المؤثر.

كما تبدو الخريطة حول السعودية ملغمة تماما بالمليشيات والجماعات المسحلة، سواء تلك الشيعة التابعة لايران في “اليمن – العراق- سوريا ولبنان” او حتى السنية والارهابية التي تعتبر المملكة المعتدلة الان عدوا لها.

فلدينا هناك في اليمن جماعة محلية خبرتها القتالية متواضعة “كجماعة الحوثي” استطاعت تطوير مهاراتها القتالية، لضرب عاصمة “المملكة العربية السعودية” صاحبة أعتى تسليح في المنطقة، وأيضا تهدد عاصمة دولة الامارات العربية، بعد ثلاثة أعوام من الحرب على اليمن بغرض تدمير واضعاف هذه الجماعة. هذا يقود الى محصلة نهائة انه خلال 3 اعوام من الحرب في اليمن فإن معادلة القوة تغيرت, ولم يتم إضعاف جماعة الحوثي.

ويبدو انه بعد 7 سنوات من الحروب في المنطقة “سوريا – العراق – ليببا” تراجعت شهية كثير من الدول للحرب والدمار لصالح عامل الاستقرار، والتهدئة، وهذا يفسر الحياد تجاه الحرب السعودية على ايران.

السعودية تقف وحيدة وسط الدول العربية التي لم تدعمها بمشروع قرار في الامم المتحدة يدين ايران حيث امتنعت 10 دول عن التصويت، بينما لم يصوت معها الان اليمن والامارات والبحرين، في حين جاهرت عُمان مع سوريا ولبنان والعراق بالرفض، وهذا يظهر للمملكة حجم الخريطة المرسومة حولها، ومن الذي يقف معها فعليا في معارضة محاربة ومواجهة ايران. ومن الذي يفضل معاجلة الامور بالهدوء والحوار وينتصر للحل السياسي.

اوروبا وليس فقط المانيا

فعاصفة الحزم كانت أبرز العناويين لتملص دول المنطقة من المواجهة المدمرة المباشرة، خاصة ان هذه الحرب في اليمن لم تظهر لها نتائج سريعة وفعليه في قدرتها على دحر قوة ايران وكبح رغابتها التوسعية، بقدر ما خلفت دمارا وكارثة انسانية، وارقاما مأساوية، يخجل منها العالم.
التخوف من التهور العسكري ليس فقط عربيا، بل ايضا عالميا ، فاوروبا سمعت صوت جرس الخطر حين بدأ العصف السعودي يقترب من لبنان، فالمانيا تحديدا تحلم باليوم الذي تنتهي فيه الحرب السورية ، لانهاء كابوس اللاجئين ، ولم تعد تريد سماع دوي حروب جديدة في المنطقة ، تزيد من الفوضى، والفوضى تعني الارهاب.

هذا يفسر الهجوم شديد اللهجة من قبل وزير الخارجية الالماني خلال لقائه بنظيره اللبناني، فواضح ان الوزير اللبناني نجح في دق ناقوس الخطر ،وربط التهديد الذي يطال استقرار لبنان بانعكاسه على الداخل الاوروبي، ولن يكون مبالغا إن وضح في زيارته الى أوروبا وموسكو دور واهمية “حزب الله ” الشيعي في دحر الجماعات المتشددة في سوريا ولبنان والعراق وكيف أنه قدم خدمة مجانية لاوروبا.

روح المغامرة التي تحدث عنها الوزير الالماني لم تكن بلسان المانيا فقط، فقد قال إن اوروبا كلها ترى ان روح المغامرة تتسع لدى القيادة السعودية ولن نسكت عنها وقال انها وصلت ذروتها في اليمن وقطر ، التصريح يبدو انه شكل صدمة سعودية، وجاء متزامنا مع صدفة توجيه وزير الخارجية السعودي رسالة الى ايران عنوانها “طفح الكيل”

وما بين “لن نسكت ” الاوروبية الموجهة للسعودية ، و”طفح الكيل” السعودية الموجهة الى ايران، تقبع المملكة في منتصف الخريطة باحثة عن حلفاء أقوياء في المنطقة، وهنا تظهر اسرائيل في المشهد.

مصر- عُمان

غالب الدول العربية ليس لديها أدنى استعداد لخوض غمار الحرب لانها تفتقد لروح المغامرة بلا شك، فسياسة دولة كبيرة ومؤثرة كمصر تتجه الى التهدئة وعدم فتح جبهات عدائة مع أي دولة، وتدعم الاستقرار وتعلن بصراحة انها ضد حروب جديدة في المنطقة، وموقفها من سوريا واليمن واضح، وهذا لانها تهتم اولا باستقرارها، ولا استقرار لمصر وسط منطقة ملتهبة وملغمة بالصراع.

وهذا يفسر زيارة وزير الدفاع المصري الى سلطنة عُمان التي سبقت زيارة الرئيس السيسي اليها، وتقارب الموقفين المصري والعُماني هو تقارب محاور التهدئة .وقد يبدو ان يخلق تيارا جديدا يميل الى نزع فتيل الحرب بفرد طاولة المفاوضات. وان لم يكن ظاهرا بعد.

ولكن اسرائيل التي تتشارك المخاوف مع السعودية من الخطر الايراني والحلفاء ، فانها الوحيدة التي تقف جنبا الى جنب في حلبة الصراع، لكنها تضغط على السعودية لفرض التسوية او الصفقة اولا ، قبل البدء بدحر ايران وحلفائها، لذلك فان سيناريو الحرب الكبرى ليس مستبعدا ان حصلت اسرائيل على ما تريده من السعودية، وهنا السعودية نفسها تعلن انه لا مشكلة لديها في ان تعلن تطبيعا كاملا مع اسرائيل في حال ابرام صفقة او تسوية السلام مع الفلسطينيين.

عندها ستكون المحاور اكثر وضوحا، وسنفهم لماذا يرد محمد الحوثي على الجبير وهو يهدد ايران، ولماذا لم يعد الحريري يصلح للمرحلة القادمة، وان البحث عن حليف لبناني “سني” يقارع شعبية “حسن نصر الله” وشخصيته، واحد من الاهداف، الى جانب اداركه لطبيعة المرحلة وحجم التهديد الذي يحيط بالسعودية.

القرار سعودي

السعودية فعليا في خطر، وتحتاج لحليف ماهر في التصعيد، لانها لاتفكر حاليا بالتهدئة، وكذلك الاخطار الحقيقية التي تحيط بالسعودية من الخارج لايمكن فصلها عن الاخطار في الداخل بعد مجزرة الامراء، وتلك الاخبار المهينة عنهم وعن ضربهم، وتشويه سمعتهم ومن ثم مساومتهم. ولعل كل ذلك يخبرنا ان المنطقة لن تستقر قريبا، وان القرار اولا واخيرا سعودي.

ولكن روح المغامرة وجنون العظمة ستستمر لتهز عروشا وتغير معادلات ، وهاهي قطر تتوقع اليوم غزوا عسكريا عليها، بل وتعلن عن حلفائها في الجبهة، فهل كنا قبل سنوات نتوقع حربا في الخليج بين السعودية وقطر، ولنتذكر فقط ان صاروخ الرياض هو العلامة الفارقة التي لم تكن السعودية تنتظرها.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس