جمال الظاهري
مسكين ماضينا كم نحمله من أوزارنا وخطايانا، كم نلهو به .. جعلنا وجهه أشبه بوجه (بلياتشو) واختبأنا داخل ثيابه الملونة والمرقعة بخرق لا يميزها غير التنافر الفج في كل شيء حولنا إلى قربة نملأها بهواء لفضته رئات مهترئة بفعل الأبخرة السامة التي نستنشقها صبح مساء .
ومسكين هذا الماضي حين يأتي بعضنا الآخر محاولاً تحجيم هذا الورم المنتفخ أو إيقاف الانتفاخ المتعاظم دون أن يقص أظافره الطويلة .
ليس كفراً بك ولا تعالياً عليك أيها الماضي الذي غادرنا بهمومه وأفراحه وأتراحه .. ليس استخفافا أن أعرج عليك ولا أمجدك أو أقبحك كما يفعل الجميع.
حين قلت أنك تحمل أوزارنا فإني أسجل براءتك من حمل أثقال لست وحدك من راكمها .. وحين قلت عنك ووصفتك بقربة منفوخة بهواء فاسد فإني لم اتهمك بالخواء أو بأنك فارغ أو أن حالتك زائفة فارغة إلا من غازات فاسدة .. على العكس فنحن من يفسدك حقيقة حين نعليك وننزهك من كونك مرحلة لها مميزاتها عاش فيها الخير والشر معاً يلهوان ويمارسان لعبتهما الأزلية فيغلب الخير الشر في معركة وينتصر الشر على الخير في أخرى.
نعم أيها الماضي أنت في نظري مسكين ليس لأنك لم تؤد دورك وليس لأنك استغللت أو أن أحدهم ضحك عليك.
نعم أنت مسكين في سجلاتنا وفي حواسنا وفي تقديراتنا ..
مسكين حين تقع أيامك وسنونك فريسة لأهواء الضلال التي تنادي باستعادتك كزمن وتسقط شخوص ذلك الزمن .. تسقط مفرداته ومقوماته .. مسكين حين نجعلك قيمة مثالية مجردة وننسف نصفك الآخر غير البراق الذي لا تكتمل إلا به ..
مسكين حين نتمادى في نفخنا حتى نفقد السيطرة ومن ثم بوصلة حياتنا .. مسكين لأننا نتمادى في تعظيمك ونستمر في نفخك حتى تتمزق جدرانك وحدودك فتنفجر في وجوهنا دون سابق إنذار محدثاً لنا صمماً محدباً في الآذان وزيغاً في البصر وذهولاً في الوعي وتبلداً في الإحساس وفقداناً للشعور بما حولنا .. مسكين حين ننقلك إلى النقيض ونتحول إلى هجائك وذمك ونغالي في الذم واللعن والتحقير وننسى مزاياك ونزيد في الضغط على جدران قربتك التي بالغنا في نفخها إلى أن يحدث التمزق والانفجار الذي لم نعمل له حساباً بسبب شططنا وزيف ما ندعيه.
نعم هذه حقيقتنا للأسف ومن يقول غير ذلك إنما يمارس النفخ في قربة أيامه التي لن يعي أنها امتلأت إلا حين تنفجر في وجهه وعما قريب.
بالأمس كان هناك نظام وأدوات لهذا النظام وبالأمس القريب ونتيجة لكثرة النفخ انفجر في وجه الجميع، أصاب من أصاب ونجا منه من نجا.
اليوم تحول بعض أفراد الأمس ومن أضيف إليهم كمجددين إلى نفس القربة ولكن من ثقب غير الثقب وبدأ النفخ في نفس القربة التي تم تجميعها وترقيع جدرانها التي تمزقت .. فإلى متى ستصمد؟ كم ستستوعب من غازات صدورنا السامة؟ وكم ستتحمل جدرانها؟ الله أعلم ..
إننا لا نتعلم، ونكرر نفس الخطأ وحتماً وعما قريب سنسمع الانفجار من جديد .. حتما وبلا أدنى شك سيكون هناك ضحايا ومهزومون وبالمقابل سيكون هناك أيضاً منتفع ومنتصر ومن يحسب نفسه فائزاً.
الشيء الثابت والأصيل هو عدم توقف الزمن وعدم تنازل القدر عن ممارسة لعبته الأزلية بين الخير والشر الذي نحن أدواته ومادام أننا مستمرون في وهم امتلاك الحقيقة والحق وأننا نمثل الخير وغيرنا هو الشر المستطير الواجب محاربته والقضاء عليه فإن العجلة ستستمر في دورنها إلى ما شاء الله.

Aldahry1@hotmail.com

حول الموقع

سام برس