جميل مفرح
في معظم وربما في كل المتغيرات والأحداث السياسية وكذا الثورات والنزعات التغييرية التي شهدتها وتشهدها المنطقة العربية بشكل خاص، يبرز الإعلام كعنصر حيوي هام وجوهري ليس في نقل وعرض الأحداث المختلفة وحسب، وإنما يحتل مكانة بل مكانات أكثر مما تمليه طبيعة مهامه وخصوصية رسالته لنجده أحياناً وقد احتل طرفاً من أطراف النزاع أو سبباً في تفعيل وتهييج الحدث وقد يكون أحياناً راعياً وقائدا بل وممولاً أيضاً للحدث!!
> والذي يتابع الإعلانات الترويجية لبعض القنوات الفضائية على سبيل المثال يجد عجب العجاب فإحدى القنوات مثلاً تؤكد على أنها ليست فقط ناقلاً للحدث وإنما هي جزء منه، ولا أدري ما الذي يقود مثل هذه المنابر إلى التعامل مع المهنة بهذه الطريقة المنافية للطبيعة!! فمتى كان الإعلام جزءاً من حدث وهو يشيع مبدأ الحيادية وتنص نصوص مبادئه ومواثيقه على أنه وسيلة لنقل المعلومات والحدث والرأي على حقيقتها الناصعة المجردة؟! ومتى كانت تلك المواثيق والقيم والمبادئ تنص على التعصب والتثوير وصناعة الحدث؟!
> إن ما يضطلع به الإعلام راهناً من مهام ومسؤوليات بات في الوقت الحاضر يصنع تغييراً في المفاهيم خصوصاً حول ما يتعلق بالرسالة الإعلامية وواجباتها المفترضة تجاه الواقع وما يعتمل فيه من متغيرات.. وإن ما قام ويقوم به من دور وأدوار قد تجاوز كثيراً ما يفترض أن يكون عليه الإعلام في وضعه الطبيعي المتزن الذي يتخذ من الحياد مسكناً وكشف الوقائع على حقيقتها نهجاً ووسيلة فتحولت أدواته من تلك الجوهرية المثالية في أدائها إلى مجرد نافذة خدمية خاصة لتوجهات بعينها، توجهات سياسية أو فكرية أو ثقافية خاصة، أبرز ما يميزها ويميز نهجها العصبية والأنانية وإعلاء خصوصية الذات والفكر على حساب أي قيم أو معان أو توجهات أخرى، وحتى على حساب الحقائق والأرواح والدماء!!
> المثير للجدل وربما أحياناً للشفقة أن الإعلاميين ووسائل الإعلام أكثر من يشكو من مصادرة الرأي وقتل الحقائق وحنق الحريات مع أن كثيراً من أولئك الإعلاميين وتلك الوسائل هم أول وأكثر وأجلى من يساهم في المصادرة والقتل والحنق لتلك القيم والمعاني وربما للأرواح والأنفس أيضاً!!
ومن هنا نلاحظ أن هذه أو تلك الوسائل وقد غدت عدواً شرساً للأنظمة السياسية من جانب وللعامة والشعوب من جانب آخر، فلا هؤلاء سيرضون عن الإعلام ولا أولئك باتوا مؤمنين به، وذلك باعتقادي لأن هذه الوسائل كما أسلفت قد خرجت عن نسقها الطبيعي ونهجها المفترض، لتضع نفسها مكان المتهم غالباً أو في أحسن الأحوال مكان غير المرضي عنه وعن سلوكه.

حول الموقع

سام برس