بقلم/ فيصل جلول
ربط المُرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية السيّد علي الخامنئي مصير الاتفاق النووي الإيراني باستجابة الأوروبيين لشروطٍ سبعة أبرزها: ضمان مبيعات إيران من النفط، وتعهّد البنوك الأوروبية بتغطية ائتمانات التجارة مع إيران، مُستبعداً أن تتفاوض بلاده على "عُمقها الاستراتيجي في المنطقة" ورافضاً البحث في البرنامج الباليستي الإيراني باعتباره مسألة وطنية لا يحقّ لأحدٍ التدخّل فيها. وأشار إلى أنه لا يثق بأوروبا. وإن تأخّرت في توفير هذه الشروط فإن إيران " ستستأف برنامجها النووي" بعيداً عن منظمة عدم انتشار الأسلحة النووية.

أقفلت هذه الشروط هامش المناورة الذي كان يُراهن عليه الأوروبيون في مواجهتهم ل " الإملاءات الأمريكية" على حدِ تعبيرِ أنجيلا ميركل. فهم كانوا يعتقدون أن بإمكانهم إقناع الولايات المتحدة بقدرتهم على إغراء إيران بمساعدات اقتصادية تغنيها عن الأدوار التي تلعبها في المنطقة وبالتالي التفاوض ليس على الاتفاق النووي وإنما على القضايا الفرعية التي طرحها وزير الخارجية الأميركي في شروطه الإثنتي عشر، ومن بينها التفاوض على انسحاب إيراني من سوريا، والكفّ عن دعم حلفائها في سوريا والعراق ولبنان واليمن.

مستبقاً الشروط الإيرانية السبعه الموجّهة للأوروبيين اعتبر وزير الخارجية الأميركي أن أوروبا ستعمل مع بلاده في نهاية المطاف ضد إيران، الأمر الذي لا يمكن استبعاده تماماً، أقلّه في المدى المتوسّط أو البعيد.
هل يعني ذلك أن اوروبا ستخضع للإملاءات الأميركية وأن كلام ميركل لا قيمة له ولا يُعبّر عن رغبةٍ جديةٍ بالافتراق عن إدارة ترامب ؟

لا يسعني الجَزْم في هذه المسألة، فقد اتّخذ الأوروبيون إجراءات لحماية شركاتهم الوسطى والصغرى التي تريد العمل في إيران، وأعادوا العمل بمصفوفة العام 1996 التي تنصّ على حماية الشركات الأوروبية من قانون هيلمزــــــ بيرتون الأميركي الذي يُعاقب الشركات الأجنبية التي تخرق الحصار الأميركي على كوبا، ناهيك عن خشية الأوروبيين من القرارات المُتهّورة التي يتّخذها ترامب وتشيع الفوضى على الساحة الدولية وتمسّ قواعد التجارة الحرة .. ابتداء من الانسحاب من اتفاقية المناخ ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى الانسحاب من النووي الإيراني مروراً بابتزاز القارة العجوز بالمادة الخامسة من اتفاقية الحلف الأطلسي التي تُلزِم أميركا بحماية حلفائها حين تعرّضهم للخطر، هذا إذا أردنا استبعاد تهديد الأوروبيين بفرض ضرائب بنسبة 25 و30 بالمئة على الصُلب والألمنيوم المستورَد وتهديدهم برفع نسبة الضرائب على منتجات أخرى من بينها السيارات الألمانية .. أضف إلى ذلك أن الانسحاب من النووي الإيراني يُعزّز قناعة التيّار المُتشدّد في طهران بوجوب السير على خُطى كوريا الشمالية لحماية إيران من العدوانية الغربية ، ويفتح الشرق الأوسط برمّته على مخاطر الحرب الشاملة أو انتشار التجارب النووية في تركيا والسعودية وربما دول أخرى، وفي الحالين ستحصد أوروبا النتائج السلبية لأنها الأقرب إلى هذه المنطقة وتتأثر مباشرة بما يدور فيها .. لهذه الأسباب وغيرها من المفيد اختبار قدرة ورغبة الاتحاد الأوروبي في مواجهة إملاءات ترامب العدوانية من دون التحالف مع الجمهورية الإسلامية.
تلوح في الأفق الأوروبي سيناريوهات ثلاثة في المدى المتوسّط والبعيد.

أولها وأهمها هو أن تبادر أوروبا إلى العمل مع الصين وروسيا على حماية الاتفاق النووي الإيراني من الانهيار استباقاً لردِ فعلٍ إيراني بالعودة للتخصيب ومن ثم اندلاع الحرب كما لاحظ الرئيس السابق باراك أوباما. ذلك أن الدعم الأوروبي والدولي للاتفاق من شأنه أن يعزل واشنطن ويضمن امتناع طهران عن التخصيب ، ويحمي المصالح الأوروبية المباشرة في السوق الإيرانية المُقدّرة بأكثر من 600 مليار دولار. ويحمي التضامن الأوروبي والدولي مع هذا الاتفاق الدبلوماسية العالمية من الانهيار ، وبالتالي الحؤول دون سيادة شريعة الغاب. بالمقابل يُتيح هذا الموقف الفوز بثقة الإيرانين وبالتالي الرهان على تنازلات يمكن لطهران تقديمها في المجالات التي تقلقهم في منطقة الشرق الأوسط.

يعاني هذا السيناريو من عدم تجانُس المواقف في الدول الأوروبية وعلى رأسها فرنسا حيث توجد فئات مهمة في الدولة تحتفظ بعلاقات جيّدة مع إسرائيل ودول الخليج ، ولا تمانع في معاقبة إيران بل تضغط من أجل مواجهتها. ويعاني أيضاً من صعوبة اعتماد المُبادلات باليورو بدلاً من الدولار ومن خشية أن تخوض أوروبا معركة قاسية ضد واشنطن التي تحمي القارة العجوز عسكريا. لذا يُرجّح مُحلّلون ألا تصل أوروبا إلى هذا المستوى من العداء مع الولايات المتحدة قبل أن تضمن حماية نفسها بوسائلها الخاصة.

السيناريو الثاني ويقضي بالتقاط لحظة تاريخية تسمح بوضعِ حدٍ للسياسةِ الخارجيةِ الأميركية العدوانية. فالولايات المتحدة بنظر رئيس الوزراء الفرنسي السابق دومينيك دوفيلبان قوة دولية في طريقها إلى الهبوط مقابل القوّة الصينية الصاعِدة، الأمر الذي يستدعي استثمار هذه اللحظة إلى أبعد من الدفاع عن مصالح ذاتية ظرفية أو حماية اتفاق دبلوماسي مهم، وبالتالي تثبيت موقع أوروبا كقطبٍ يُحسَب له حساب بين واشنطن وبكين.
يحتاج هذا السيناريو إلى جُرأةٍ سياسيةٍ وتصميمٍ استراتيجي على خوْض غِمار مواجهة مفتوحة مع واشنطن ، أو على الأقل التلويح بها وإلى مبادرات صينية وروسية مُطمئنة للأوروبيين وإلى انبثاق رغبة مشتركة في استثمار لحظة الضعف والتهوّر الأميركية وتحويلها إلى لحظةٍ فارقةٍ في العلاقات الدولية. لا نرى مؤشّرات قوية على السير في هذا الاتجاه الذي يظلّ مفتوحاً ويمكن اللجوء إليه في سياق المواجهة المُشرّعة على مختلف الاحتمالات.

السيناريو الثالث وهو الأسوأ بالنسبة للجمهورية الإسلامية لأنه ينطوي على حسابات تكتيكية أوروبية كامِنة تنتظر أثر الهجوم الأميركي على الأوضاع الداخلية في إيران والتلويح بمساعدة التيار الذي يقبل تقديم تنازلات يمكن تسويقها لدى الإدارة الأميركية. ويبنى هذا السيناريو على قناعة راسخة باستحالة الانشقاق في المعسكر الغربي وبأن الولايات المتحدة الأميركية تبقى الدولة الأقوى في العالم والحامي الأهم للمصالح الغربية ، أضف إلى ذلك حرص أوروبا على حماية إسرائيل المُهدَّدة بنظر الغربيين من إيران وحلفائها.

يفيد ما سبق القول أن السيناريوهات السابقة تتوقّف كلها على قدرة الجمهورية الإسلامية على إقناع واشنطن باستحالة القضاء على النظام الإيراني بالقوّة العسكرية كما تبيّن من خلال الحرب العراقية الإيرانية خلال ثمانينات القرن الماضي أو بنظام العقوبات، وأن طهران يمكن أن تسير في الوقت المناسب على خُطى كوريا الشمالية.

المصدر : الميادين نت

حول الموقع

سام برس