سام برس
العمالة الأجنبية ومعظمها من مصر والأردن والسودان واليمن تغادر السعودية بمعدلات غير مسبوقة فعلا.. والسبب الرسوم العالية وغلاء المعيشة وسياسيات “السعودة”.. رؤية الأمير بن سلمان 2030 تخطط لتقليصها والخبراء يشككون.. والاضرار قد تكون أكبر من المنافع.. وأين ذهبت الوعود بالتجنيس والإقامة الدائمة؟

نقلاً عن " راي اليوم":

لم يفاجئنا التقرير الذي نشرته صحيفة “الفايننشال تايمز” البريطانية الشهيرة وحمل عنوانا مثيرا يقول ان “العمالة الأجنبية تغادر المملكة العربية السعودية بمعدلات غير مسبوقة بسبب سياسات “السعودة” التي تتبعها السلطات، والرسوم العالية والمبالغ فيها التي تفرضها على الاجانب واسرهم، والتباطؤ الاقتصادي، وغلاء المعيشة.

الإحصاءات الرسمية السعودية تقول ان 667 الف عامل اجنبي غادروا المملكة العام الماضي فقط، ويؤكد الخبراء ان هذا العدد قد يتضاعف مرتين بنهاية العام الحالي 2018، فالدولة تفرض رسوما عالية على الأجانب، فبات على كل معيل ان يدفع 27 دولارا على أي فرد من اسرته شهريا، سترتفع الى 106 دولارات في عام 2020، هذا بالإضافة الى رسوم الخروج والعودة التي تضاعفت ثلاث مرات، وكذلك رسوم تجديد الإقامة ورخصة القيادة، ورخصة السيارة، ورفع الدعم عن السلع الأساسية، وفرض ضرائب مستترة مثل ضريبة القيمة المضافة.

احد العاملين الأردنيين في المملكة قال لـ”راي اليوم” في اتصال هاتفي انه رحّل جميع افراد اسرته الى الأردن، وبقي وحده في الرياض، وربما يلحق بهم قريبا، لأنه لم يعد قادرا على دفع ايجار السكن ومواجهة غلاء المعيشة، ودفع حوالي 35 الف ريال (عشرة آلاف دولار) سنويا لتجديد اقامته واسرته، علاوة على الرسوم الأخرى، واقساط أبنائه في المدارس الخاصة، والضمان الصحي، حيث تمنع السلطات السعودية معظم الأجانب من الدراسة في المدارس الحكومية والعلاج في مستشفيات الدولة المجانية.

العمالة الأجنبية لعبت دورا كبيرا في الاقتصاد السعودي طوال العقود الماضية، خاصة في قطاعات التعليم والبناء والصحة والمقاولات، والتكنولوجيا، ويشكل العمال الاجانب ثلث السكان البالغ تعدادهم 33 مليون نسمة، ويشغلون 80 بالمئة من وظائف القطاع الخاص.

رؤية 2030 التي أطلقها الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي تركز في ابرز بنودها على تقليص العمالة الأجنبية، وفتح القطاع الخاص للسعوديين، وتوفير 1.2 مليون وظيفة لهم، على امل تخفيض معدلات البطالة في صفوفهم من 13 بالمئة حاليا الى حوالي 9 بالمئة في عام 2020، ولكن خبراء اقتصاديين غير متفائلين بقدرة السلطات على تحقيق هذه الاستراتيجية، فالدراسات المسحية تؤكد ان السعوديين لم يشغلوا الشواغر الناجمة عن مغادرة العمالة الأجنبية في القطاع الخاص، مضافا الى ذلك ان رفع القيود عن مشاركة المرأة السعودية في الوظائف، سواء في القطاع العام او الخاص، سترفع من معدلات البطالة في صفوف السعوديين على المدى القصير على الأقل.

53 بالمئة من الأجانب العاملين في السعودية يتقاضون رواتب شهرية في حدود 3000 ريال، أي ما يعادل حوالي 800 دولار، وهو دخل منخفض لا يمكن ان يوفر إقامة مريحة لهؤلاء واسرهم، خاصة ان السلطة السعودية ما زالت تطبق “نظام الكفيل”، ولا تمنح هؤلاء الإقامة الدائمة، او الحصول على الجنسية حتى لو اقام في البلاد الف عام، وعاش عمر سيدنا آدم عليه السلام.

الأمير بن سلمان تحدث في احد مقابلاته التلفزيونية قبل عامين عن إمكانية تطبيق النظام الأمريكي على العمالة الأجنبية، ومنح بعضهم الإقامة الدائمة، او البطاقة الخضراء، الامر الذي اثار موجة من التفاؤل في أوساط هؤلاء، خاصة الذين اقاموا في المملكة لأكثر من نصف قرن، ولكنه لم يعد يأتي على سيرة هذا الوعد مطلقا، ويبدو انه تراجع عن الفكرة كليا.

الاقتصاد السعودي عاد الى النمو مجددا، وبلغت نسبة النمو حوالي 2.4 في الربع الأول من هذا العام، بعد انكماش في العام الماضي بسبب انخفاض أسعار النفط، ولكن اعتقال حوالي 350 من كبار رجال الاعمار بتهم الفساد، واسترداد ما يقرب من مئة مليار دولار من أموالهم واصولهم، هز الثقة بالاقتصاد السعودي، وقلص من حجم الاستثمارات، مثلما قال لنا خبير اقتصادي سعودي بارز يعيش في لندن.

صحيح ان هناك مؤشرات “حدثية” بتخفيض إجراءات “السعودة” التي اتبعتها الحكومة طوال السنوات الخمس الماضية وشددتها مؤخرا، مثل تخفيض القيود عن تولي العمالة الأجنبية وظائف في قطاعات جرى اغلاقها في وجههم وقصرها على السعوديين فقط، وصحيح أيضا ان بعض الخبراء السعوديين يقللون من آثار الهجرة المعاكسة للعمالة الأجنبية، ويقولون انها مرحلة انتقالية، ومن الطبيعي ان تشهد بعض المصاعب، لكن الأمور ستتحسن على المدى الطويل، ولكن الوقائع على الأرض مغايرة لذلك تماما.

العمالة الأجنبية كانت “ورقة من حدين”، الأول تحسين الأوضاع الاقتصادية في بلدان الأصل من خلال تحويلاتها المالية، وامتصاص البطالة فيها، ولكنها كانت ورقة ضغط سياسي في يد السلطات السعودية على حكومات الدول القادمة منها مثل الأردن ومصر ولبنان وفلسطين والسودان واليمن، فهذه الدول كانت تتحاشى اغضاب السعودية خوفا على هذه العمالة واستمرارها باعتبارها دجاجة تبيض ذهبا اسمه التحويلات المالية.

الظاهرة الأبرز هذه الأيام لا تتمثل فقط في عودة هذه العمالة من السعودية ومعظم دول الخليج الى بلدانها مجددا، وانما الهجرة الى دول أوروبية وامريكية وكندية هي بحاجة اليها وخبراتها، ولهذا الطوابير تزداد طولا امام السفارات والقنصليات الكندية والامريكية والاسكندنافية في هذه الأيام.

المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى، بإتباعها سياسات “نزقة” تجاه العمالة الأجنبية، والعربية منها خصيصا، وهي سياسات قد تعطي نتائج عكسية بالنظر الى الظروف والتوترات التي تعيشها المنطقة حاليا، وأبرزها تصاعد احتمالات الحرب الامريكية ضد ايران.

هذه العمالة يجب ان تكافؤ على كل ما قدمته من خدمات، حتى لو كانت مدفوعة، وهذا امر لا يمكن انكاره، لا ان يتم اجبارها على الرحيل من دول لم يعرفون واطفالهم غيرها، ويرددون نشيدها الوطني كل صباح في المدارس، ويحييون علمها، ويطربون لأغاني محمد عبده، واحلام، وطلال مداح، وعبادي الجوهر، وعبد الله أبا الخير.

حول الموقع

سام برس