سام برس/ تونس / شمس الدين العوني
حالات و مشاهد تتنوع تيماتها وعناوينها..جربة بجمالها و خفة حالاتها و طقوسها..
من القيروان نهلت و استلهمت حكاياتها الباذخة لتسافر الى الأكوان...
نظرتها الملونة تجاه ما تراه القيمة والمجال الملائم لتثمين الهوية والأصالة والجذور

ماذا يقول الكائن لدواخله و هو يمضي في الدروب حاملا هواجس من خطاه الأولى و ذكريات و بقايا حنين لا يرتجي غير القول بالابداع كنهج عبارة و حياة أخرى لتحقيق الكيان و الذات في تجليات أهازيجها و بوحها الخافت.

ان الفن بما هو ترجمان بهاء نادر يأخذ صاحبه الى مناطق من النظر و التفاعل لابراز القيمة ..تلك التي تمضي في الدهشة و الأسئلة بأوجهها الجمالية و الوجدانية و الانسانيةحيث المجال فسحة من الابتكار و العبارات الدالة على الآخر الكامن في الذات ..هذه الذات التائهة في حلها و ترحالها..

ثمة دروب من الحنين و الفكرة المفعمة بالطفولة التي لا يضاهيها غير الامساك بالبياض لتأثيثه ..و القماشة هنا كون من البراءة في حوارها المفتوح بين الفنان و شجنه الدفين حيث اللون و الأمكنة و المشاهد و الأحوال في ضروب من هاء الدهشة و باء المحبة و هكذا...

هذا و غيره يحيلنا الى مناخات الرسامة سلوى الكعبي التي تخيرت السفر مع اللون و بياض القماشة ديدنها الرغبة في التعبير و حب الرسم و استعادة حيز من مشاهداتها و هي الطفلة من تلك السنوات الأولى تترنم بأنشودة في أزقة متداخلة من مدينة القلب..عاصمة الأغالبة..القيروان..

ذابت الأحلام
أي ضوء للتواريخ
من يفقه دفء دم القيروان
او يوضحها للياسمين
هي نافذة للروح اذ تتأبط حجر الرحيل الغابر
هي لغة الأوابين
العائدين الى شجر من رخام...
.......
اليك أيتها القيروان تيجان
على عتباتك الساقية
اذ تنحنين و تبوحين كالريح
لحيفا و بابل
اليك أيتها المدينة البكر
تيجان على عتباتك الساقية...

نعم ..من القيروان نهلت الفنانة سلوى الكعبي الدغري و استلهمت حكاياتها الباذخة لتسافر الى الأكوان في شواسعها و تطلق أصواتها في الأمكنة بكثير من لوعة الفن و حسرة الجمال..

الرسم شيئ من كيانها و رغبة من شديد رغباتها في تحقيق ذاتها و التعبير عن كيانها و الامتلاء بوجد الناس و الأشياء و العناصر ..و الأمكنة..ترسم لتحتفي بالوقت تتمدد فيه بعيدا عن قلق الروح و أثقال القلب ..
من مناخاتها تلك المشاهد التي تتنوع تيماتها و عناوينها..جربة بجمالها و خفة حالاتها و طقوسها..العاشقان تحت ضوء القمر في الموعد المحلى باللباس الجربي..العازفون و هم يهيمون بالغناء الجربي ..الناظور بشموخه في ربوع الجزيرة ..الفتاة و الزورق و الزهرة في ضرب من شاعرية اللحظة..الفارس في عنفوان انطلاقه على الجواد ..المرأة الجربية تعد الكسكسي في لحظة من التجلي و بهجة الدواخل ..العاشقان في الشارع الكبير تحت المظلة حيث المطر الناعم و الفوانيس المتدفق نورها كأغنيات قديمة بشجنها الطافح الحلم و الأمل ..العازفة تحاور الكمان و في عينيها شييء من البراءة الكبرى..الموسيقى لغة الأكوان و عنوان من عناوين الوجد و البراءة و النواح الخافت..الموسيقى تلوين فادح في حياة الكائن و هو يلهو بأحزانه و أحلامه في كون به تداعيات و سقوط رهيب و انهيار للقيم و الفنون..ثلاث نساء بجربة و المظلة حاضنة الجمال و البهاء النادر..المؤدب بوقاره و عصاه و الفتية و الدرس الأول في حياة العلم و التعلم و المعرفة..البحر و غربة المراكب و اللون الطافح بالأسرار..البحر للسفر و التلوين و الحياة و الموت..البحر يحكي شيئا من حزنه للمراكب و لا شيئ غير الموسيقى الشجية..البحر و مع كل ذلك يبقى صديق طفولاتنا..نقذفه بالتحايا..و المراكب للفرح كما للوعة التي تذهب بالكثيرين لقاء حلم كاذب..بس يا بحر..من عناوين ذاكرتنا الدرامية حيث البحر كون مفتوح و موجوع مثل الكائنات ..لوحات أخرى هي على سبيل التكريم لفنانين عالميين فيها تحاكي الفنانة بعض أعمالهم على غرار سلفادور دالي...الى جانب عدد من البورتريهات الشخصية...الزوج رفيق الدرب و الرحلة..و الأم الينابيع الأولى و حاضنة الحنان و الدفء..

في هذه اللوحات و غيرها تبرز تلك المسحة من طفولة الكائن لدى الرسامة سلوى الكعبي و هي تعالج بالرسم و التلوين ما تعيشه من رغبة جامحة تجاه الذات و الآخرين لتظل اللوحة عالمها الذي تيتكر حكاياته و شخصياته بكثير من عناء الرسم و الابتكار و المحاكاة أحيانا..

الرسم تجوالها الخاص في حياتها بعيدا عن ضجيج الناس و الأكوان..لا تلوي مع الرسم على غير القول بنظرتها و نظرها تجاه ما تراه القيمة و المجال الملائم لتثمين الهوية و الأصالة و الجذور في كون متحرك و معولم يسعى لتحويل الكائن الى متحف مهجور ..انه الاعتناء بالذات زمن السقوط ..

الرسامة الكعبي تعددت معارضها الفردية و الجماعية و في معرضها هذا بفضاء المعارض بسوفونيبه بضاحية قرطاج جمع حوالي خمسين عملا فنيا من أعمالها و هي تواصل مسيرتها مع الفن و الرسم للاعداد لمعارضها القادمة..

لوحات الرسامة سلوى الكعبي الدغري بمثابة السفر الملون في درب فني تخيرته و هي مع كل لوحة ترسمها تشعر بالتجدد و الرغبة في الاكتشاف فهي الرسامة التي تستمتع بالمشاهد تلتقطها بعين الوجد و الحنين لتنقلها بلمساتها الملونة الى فضاء اللوحة..و هي في النهاية تلتقط أنفاسها في هذا السفر الذي تعيشه و من محطة الى أخرى ..اليس الفن ذاك السفر الآخر..

حول الموقع

سام برس