بقلم/ جميل مفرِّح
* إذا وددنا حقيقة التوقف على آخر المستجدات في الملف اليمني والانطلاق منها بواقعية تقريبية، فإن بريطانيا بكل تحركاتها وتدخلاتها الجارية حاليا في هذا الملف لا ترغب في توقف المواجهات والقتال في اليمن عموماً، وإنما في الحديدة فقط.. بينما لا تلتفت ولا تشير إطلاقاً إلى ما يحدث من مواجهات وأوضاع إنسانية في المناطق الأخرى..!! وما تعمل وستعمل عليه حالياً هو نقل تلك المواجهات إلى مناطق أخرى لا أكثر.. لأن حقيقة ما يبعث القلق لدى بريطانيا وشريكاتها في الوقت الراهن ليس اليمن الإنسان وإنما اليمن الموقع، اليمن الاستراتيجيا.

* استمرار القتال والتباين والأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في شمال اليمن، كل ذلك رهان تلعب عليه بريطانيا، في سياق عملية فصل متعمدة بين أجزاء الوطن خصوصاً بين شماله وجنوبه.. وللعلم أياً كان ما أبدته وتبديه بريطانيا من اهتمام بقضية اليمن، فإن الشمال لا يعنيها في شيء من أمره.. بقدر ما تسعى بدهاء منقطع النظير إلى استعادة سيطرتها على جنوب الوطن والتصرف في مياهه التي تحتل موقعاً استراتيجيا،ً لن يسمح الانجليز للقوى الأخرى بالاقتراب منه، في خضم السباق الدولي الحاصل حالياً على المياه والمنافذ البحرية في المنطقة، والتي تنبع أهميتها اقتصادياً واستراتيجياً وعسكرياً من كونها رابطاً بين شرق العالم الأقصى وغربه..

* بريطانيا العجوز تجري لواجهتها عمليات تجميل وتشبيب وتنفذ من جديد مخططاً استعمارياً يبدو في بدايته ليناً كما لن يكون لاحقاً.. وذلك لاستعادة مجدً امبراطوري هالك في العالم القديم للتذكير به والاستفادة منه في العالم الجديد.. وقد شرعت في ذلك منذ تواصلاتها المشبوهة وغير البريئة في بداية الأزمة اليمنية والعدوان على اليمن مع قوى جنوبية على رأسها الحراك الجنوبي، ثم التدخل والمشاركة في العدوان على اليمن وهو التدخل الذي لم يكن مباشراً، وإنما عبر الدعم اللوجستي من جهة وعبر دولة الإمارات التي تدين لها بتأسيس الوجود كدولة من جهة أخري..

ثم بنفورها او نشوزها وخروجها من الاتحاد الأوروبي الذي كان يضعها في معزل عن أحلام المجد الجديدة والمتجددة.. وتأتي بعد ذلك خطوات جريئة بدئت بجريفيت - ذي العلاقة الوثيقة والقديمة بالجنوب - الذي ضغطت به وفرضته على المجتمع الدولي كمبعوث أممي إلى اليمن.. ثم يأتي الانكشاف صراحة قبل أسبوع على الأكثر حينما أعلنت البدء في تأسيس قاعدتين عسكريتين في سلطنة عمان، الأولى في المياه العمانية وتعد من أكبر القواعد البحرية التي يمكنها استقبال وإدارة أكبر البوارج البحرية وحاملات الطائرات العملاقة.. والثانية برية في الأراضي العمانية و(تماماً بموازاة الحدود البرية مع اليمن) أو بالتحديد جنوب وجنوب شرق اليمن..

والآن وهي تلهث في منظومة الزيارات الكوكبية المستعجلة التي قامت وتقوم بها إلى كل من السعودية والإمارات وعمان وإيران.. ثم إلى صنعاء فالحديدة عبر غريفيت، الذي هو في حقيقته مبعوث مزدوج المهام والغايات وليس مبعوثاً للأمم المتحدة وحسب.. ثم أخيراً يأتي بعد كل ذلك ما مارسته من ضغوط قوية لإيقاف المواجهات في الحديدة ودعوة لمفاوضات عاجلة في السويد.. الهدف منها نقل المواجهات إلى مناطق أخرى غير الساحل الغربي.. وللعلم تسعى بريطانيا كل ذلك السعي واضعة في حسابها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعمل بتنسيق مطلق وكامل معها، والتي لا ولن تكتفي بالساحل الغربي اليمني كنصيب من الكعكة، وإنما يكمن في مرمى نظرها مضيق باب المندب بدرجة أساسية.

أطماع ما يدعي بأنه العالم المتحضر وسباقه الاستحواذي الجشع والبشع في منطقتنا بدأت تتكشف وتتعرى تماماً، وأصبح الانجليز في مقدمة أولئك لا يستطيعون السيطرة على حبس لعابهم ومنعه من الجريان..

لذلك كان لابد من التوقف عن التخفي واللعب عبر الطرق الملتوية غير المباشرة.. وبدء الظهور الفعلي في التواجد في المنطقة والمشاركة المباشرة في التحكم وإدارة لعبة الأطماع الاستراتيجية في المنطقة قبل أن تمتد أية سكين إلى الكعكة التي ما تزال الآن تستوي على النار.. بعيداً وبعيداً جداً عن الدعاوى التبريرية كالوضع الإنساني والحلول السياسية والاهتمام بإيقاف الحرب الدائرة في اليمن، ذلك الاهتمام الذي طرأ فجأة بعد استمرار للحرب لما يقرب من أربعة أعوام جرى خلالها وما يزال جارياً نزيف مسرف للدماء والأرواح والأمن وتجريف للسياسة والسيادة والاقتصاد وتدمير متعمد للبنى التحتية والفوقية والجانبية لليمن واليمنيين..!!

حول الموقع

سام برس