بقلم / احمد الشاوش
تُثبت الايام ان المواطن اليمني الواعي توصل اخيراً الى حقيقة مفادها انه انسان فاقد للكرامة في ظل غياب " الدولة" ومؤسساتها ، وان دمه وماله وعرضه وداره مرهون بنزوة زيد وهوى عمر، وان الحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة الاجتماعية والحقوق السياسية والمدنية التي كفلتها القوانين والدساتير الوطنية والدولية والانسانية والالهية ماهي إلا ديكور ومجرد خطابات استهلاكية ترددها أبواق ووسائل اعلام سياسة الامر الواقع أومجرد وثائق تاريخية معطلة بعد ان تم تجاوز تلك القيم النبيلة والتعاليم الإنسانية الراقية بالرعب الممنهج واستغلالها بصورة بشعة من قبل تجار الحروب وصناع الازمات وأصحاب المشاريع الرخيصة.

والحديث عن كرامة المواطن اليمني التي حفظها الله من سابع سماء وإنسانية الانسان التي بلغ بها الرسل والانبياء والصالحين ووثقتها الأديان السماوية في التوراة والانجيل والقرآن الكريم ، تم مصادرتها في صنعاء وعدن وتعز ومأرب وحضرموت والحديدة وغيرها من المدن اليمنية ، رغم ان الله تعالى كرم الانسان منذ ولادته على وجه الارض وجعله خليفة لأعمار الارض والتعايش مع الاخرين في سلام.

وخير دليل على مصادرة كرامة الانسان أوعلى الأقل الانتقاص منها ، اللجؤ الى صناعة الازمات واستغلال ظروف الحرب والهاء المواطن اليمني بمعارك هامشية وصراعات سلطوية لاناقه له فيها ولاجمل ، وكم هي المأساة الإنسانية عندما نشاهد ان رب الاسرة اليمنية الذي يبكر بعد صلاة الفجر مباشرة وطفله أو ابنته وزوجته لظرف طارئ للبحث عن دبة " غاز " والوقوف في طوابير كبيرة بين البرد والرياح والازدحام ، وفوضى عقال الحارات والمشرفين والوسطاء والانتهازيين وارتفاع حمى الملاسنات الكلامية بين بعض المواطنين للفوز بدبة الغاز يعتبر قمة الاذلال والتحقير والإساءة والضغط النفسي والتنكيل لكرامة المواطن اليمني الذي تحول بقدرة قادر الى انسان خارج اطار حسابات المجلس السياسي وحكومة الإنقاذ بصنعاء ، والحكومة الشرعية في عدن واخواتها ، وما المشهد الفظيع الذي أودى بحياة شخصين وإصابة 18 آخرين في معركة كلامية أدت الى القاء قنبلة يدوية على طابور للغاز جوار مصنع الغزل والنسيج بصنعاء وغيرها من المعارك إلا شاهداً على تلك الفوضى والسياسة الفاشلة في آلية التوزيع ناهيك عن التلاعب بمادة الديزل والبترول ، وارتفاع الاسعار.

كما انه لاتغيب عن اليمنيين المشاهد المأساوية والسجون السرية والعلنية والاغتيالات البشعة التي يتعرض لها عدد من السياسيين ورجال الامن والعلماء وغيرهم في شوارع محافظة عدن وابين وحضرموت وشبوه والمهرة وغيرها ، بالإضافة الى التلاعب بالمشتقات النفطية والعملات الصعبة وغياب الخدمات ومصادرة الحريات ما أدى الى الانتقاص من كرامته الإنسانية.

لقد اصيب الموظف اليمني الشريف الذي فقد مرتبه والعامل البسيط الذي فقد رزقه والجندي الذي أصبح ضحية والمعلم والقاضي والطبيب والمهندس والمثقف ،،، بالكثير من حالات الاكتئاب والاحتقان والحالات النفسية والعصبية والشلل التام منذ أحداث الربيع " العبري" الذي مولته ونفذته دولة قطر، بعد ان تحول اليمني الى حقل تجارب لبقايا نفايات الأنظمة الجمهورية والثورية والانقلابية والحكومات الفاشلة والجماعات الدينية والمليشيات المتطرفة التي لا تؤمن بمفهوم الدولة والعدالة الاجتماعية وكرامة الناس ، بينما يتحدث كل هؤلاء العابثين عن " الدولة" والسلطات كمكسب وليس حقوق وواجبات وبرامج ، مايجعل هذه الجماعات المتطرفة والدول الكرتونية الفاشلة أضحوكة واكذوبة على كل لسان!!؟ وقاب قوسين او أدنى من السقوط ان لم تستفد من أخطاء الاخرين وتجاوزاتها.

ورغم تشدق تلك القوى في طول اليمن وعرضها إلا ان المواطن ما أن يذهب الى تاجر الجملة والتجزئة والسوبر ماركت والبقالة والمطعم والقهوة وشركات الادوية والصيدليات وبائع اللحمة والدجاج والاواني المنزلية والخضرة والفواكه والالكترونيات والملابس لايجد أي بصمات للدولة ومؤسساتها المختصة ولايجد أي سعر ثابت وكلما صعد الدولار صعدت الأسعار وكلما هبط الدولار تمسكوا بالأسعار ، ومن المعيب ان المستهلك لايجد أي اشراف أو تسعيرة لوزارة الصناعة وجمعية حماية المستهلك والغرفة التجارية والجودة والمقاييس وأجهزة الامن إلا بعد قرب انفجار الشارع ، ليكتشف المواطن البسيط ان كل مسؤول أصبح تاجر وكل تاجر أصبح مسؤول وكل تاجر يحميه مشرف أو مسؤول متنفذ من وراء الستار وكأنك في غابة من الوحوش.

تطالب بمرتبك يقلك المختصين في صنعاء على الشرعية ، يسافر الموظف الغلبان الى الشرعية في عدن وقبل ان يصل يتم إيقافه بالنقاط والتحقيق والتفتيش وسحب التلفون والاطلاع على خصوصياته وحبسه أو يتم اطلاقه بتعهد، وان وصل الى عدن قالوا له انتظر ، ومأن يعود تبدأ نقاط الشرعية في نفس السيناريو وكأن نقاط حكومة صنعاء والشرعية على تواصل حسب مانسمع وان عاد الى صنعاء بالمرتب وذهب الى مؤسسات الدولة او غيرها للتبضع قالوا له العملة ممنوعة ، ويأتي أحد المزايدين من هنا أوهناك يقلك احمد الله على الحرية والكرامة والصمود!!رغم ان المواطن الشريف يمقت العدوان الخارجي والفساد الداخلي؟

وأخيراً .. أكدت تقارير غربية ومنها سويدية ان قطع رواتب الموظفين اليمنيين أدى الى ان 22 مليون يمني بحاجة الى مساعدات طارئة ، وان أكثر من 8 مليون يمني في حالة مجاعة ، وان تلاعب اطراف الصراع بالمعونات الإنسانية وبيعها للتجار يهدد اليمنيين بالخطر ، وان الفقر يدفع الكثير من الشباب والاطفال للانخراط في الصراع اليمني للارتزاق والبقاء على قيد الحياة ..

ومن المعلوم ان كرامة الإنسان حق مقدس للمواطن وواجب على الدولة عدم المساس به ، ولاننسى ان الإيرلنديون أوّل من أدخل مصطلح الكرامة الإنسانية إلى الدستور عام 1937م، حيث كُتب في الفقرة الأولى من المادة الأولى من الدستور الألماني عبارة "كرامة الإنسان هي أمر لا يمس به، يجب احترامها وحمايتها وهي واجب كل سلطات الدولة والسؤال الذي يجب طرحه متى سيحترم حكام اليمن كرامة الانسان بدلاً من الافراط في القوة ، أما أن الأوان لوقف العبث وتصحيح الخلل وايقاظ الضمائر واحترام إنسانية الانسان ، مالم فإن لكل فعل رد فعل .. املنا كبير في ايقاظ الضمير.

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس