بقلم / محمد أحمد طاهر عباد
تدخل اليمن مع بقية شعوب العالم العام 2019 مثقلة بالهموم والمشكلات المعقدة التي تزيد من وطأة المعاناة الشديدة التي يرزح تحتها أبناء الشعب اليمني، إذ ما تزال اليمن حتى هذه اللحظة تشهد سقوطاً متتابعاً لضحايا الحرب المستمرة منذ 26 مارس 2015، وهي الحرب التي فاقمت الأزمة الإنسانية في اليمن التي وصفتها الأمم المتحدة بأسوأ كارثة إنسانية يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

إن كافة الوثائق والوقائع تؤكد أن اليمن تواجه "هيدرا" مُرعبِة ذات رؤوس ثلاثة تتمثل بالحرب والفقر والمرض. ولذلك فإن بحث الحالة الإنسانية في اليمن يُشعِر المرء بمدى البؤس الذي يعانيه السكان هناك، غير أننا سوف نقتصر على مناقشة الوضع الصحي في البلاد اليمنية.

من المعلوم أن اليمن كانت قبل اندلاع الحرب الأخيرة قد قطعت شوطاً في الجانب الصحي، غير أن الهالة الإعلامية حجبت الرؤية الصحيحة لواقع اليمن الصحي وبسقوطها في العام 2011 انكشفت حقيقة المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب اليمني الذي يُعد الأكثر تعداداً في منطقة الجزيرة العربية والخليج، إذ لم يجد الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح مناصاً من التوجه إلى مستشفيات السعودية لتلقي العلاج إثر تعرضه لهجوم صاروخي في دار الرئاسة، ويعود السبب إلى صالح نفسه الذي لم يبنِ مستشفىً متخصصاً في علاج الحروق من الدرجة الأولى.

لذلك لم يكن من الغريب أن يشهد اليمن انتشاراً مروعاً للأمراض والأوبئة في السنوات الأخيرة، ولعل ذلك الانتشار يعود إلى العديد من الأسباب التي يمكن إيجازها على النحو الآتي:

ـ هشاشة النظام الصحي اليمني؛ إذ من الثابت أن هناك آلافاً من الأطباء الذين تمتلئ بهم المستشفيات والعيادات الحكومية والخاصة في أرجاء اليمن، غير أن الطب اليمني بشكل عام، يعاني آفات عدة تتعلق بجودة التشخيص، وبغياب نظم صحية متطورة، وندرة التقنيات العلاجية الحديثة.

ـ غياب الوعي الصحي في الوسط الشعبي نتيجة قصور الرسالة الإعلامية الصحية التي تقتصر على الحملات التثقيفية الموسمية، بالإضافة إلى انشغال الوسائل الإعلامية اليمنية بالجوانب السياسية بالدرجة الأولى، لذلك تسود حالة عدم الثقة لدى الشعب بالأطباء، والغالبية العظمى ينظرون إليهم كأغبياء أو تجار أدوية لا هم لهم سوى ابتزاز المرضى عبر عياداتهم وصيدلياتهم الخاصة.

ـ ارتفاع معدلات الفقر إلى درجة أفقدت المواطن القدرة على شراء الأدوية اللازمة أو الحصول على الخدمة الطبية لذلك غالباً ما يظل المريض في منزله حتى يأتيه الموت.

ـ ارتفاع أسعار الأدوية في السوق المحلي نتيجة ضعف الصناعة الدوائية المحلية واعتمادها على المادة الخام الأجنبية، وتعقيد مهمة وصول الأدوية من خارج البلاد .

ـ قصور استجابة المنظمات العالمية العاملة في الجانب الإنساني إذ لا توفر الأدوية قبل انتشار الوباء، وتقديمها أدوية ذات فترة صلاحية قليلة جداً.

ـ توسع دائرة البيئة الحاضنة للفيروسات والأوبئة نتيجة للحرب وانقطاع الرواتب الشهرية للموظفين والعمال في القطاع الحكومي بما فيهم العاملين في قطاع النظافة مما تترتب عليه تكدس مئات الأطنان من المخلفات البشرية والحيوانية في مختلف المدن داخل الأحياء السكانية، ورغم التدخل المحدود لمنظمة اليونيسيف في هذا الجانب إلا أن الوضع أكبر من قدرة منظمة واحدة على معالجته.

ـ انعدام الغذاء النظيف والدواء اللازم والمياه الصالحة للشرب، هيأ البيئة المناسبة لانتشار سوء التغذية التي تعد مصنعاً للأمراض، بالإضافة إلى انتشار الأسمدة والمبيدات المسرطنة وري المزروعات بمياه الصرف الصحي أفضت إلى توفير بيئة مناسبة لانتشار الأمراض.

إن الوضع الصحي اليوم في اليمن لا مثيل له في حياة الشعب، إذ أن الحرب قد ضاعفت بشكل غير مسبوق من حدة المأساة نتيجة خروج أكثر من نصف عناصر المنظومة الصحية ـ التي تشمل المستشفيات والمراكز الصحية والمستوصفات والوحدات الصحية ومخازن ومصانع الأدوية ومكاتب الصحة ـ عن العمل.

وبالإضافة إلى ذلك فقد توقفت مئات المراكز الصحية عن العمل بسبب شحة وانعدام الوقود والكهرباء وغياب الأدوية والمستلزمات الطبية، كما توقفت العديد من المستشفيات عن إجراء العمليات الجراحية، وتوقفت عمليات غسيل الكلى وتراجعت خدمات مراكز علاج الأورام وفقد المئات من المرضى حياتهم بسبب انعدام أدوية أمراض القلب والسرطان والفشل الكلوي والسكر والمحاليل ومستلزمات التشخيص وأغذية الأطفال والأدوية بشكل عام.

وبسبب الحرب ارتفعت معدلات انتشار الأمراض المعدية والوبائية عن المعدلات السائدة، خصوصاً حالات حمى الضنك والملاريا والحصبة والسل الرئوي والإسهالات وبلغ عدد الأطفال المصابين بالالتهابات التنفسية الحادة مليون ونصف مليون طفل، وارتفع عدد الأشخاص المحتاجين إلى التدخل الإنساني لتلبية احتياجاتهم الصحية إلى حوالي 20 مليون شخص.

?ولعل الأمر الأكثر خطورة أن عدداً من الأمراض التي كانت اليمن قد تخلصت منها قبل الحرب قد عادت للظهور والانتشار بدرجة مخيفة كالجدري والكوليرا وأنفلونزا الخنازير التي تفتك بالبشر بلا رحمة.

وتشهد اليمن عدداً من الظواهر الغربية وفي مقدمتها؛ ظاهرة الولادات القيصرية بمعدلات مساوية لمعدلات الولادات الطبيعية، كما فقد عشرات الالاف من المرضى حياتهم بسبب إغلاق المنافذ البحرية والجوية والبرية بشكل كامل منذ أغسطس 2016 خصوصاً أن ما لا يقل عن ثلثي المسافرين اليمنيين كانوا يسافرون بغرض العلاج خارج اليمن بسبب عدم توفر علاجهم ونقص الأدوية في الداخل، ومن المعلوم أن اليمنيون منذ زمن بعيد يعتمدون على طلب العلاج خارج اليمن نتيجة لتخلف البنية التحتية للقطاع الصحي في اليمن لكن إغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية فاقم من مأساة المرضى، كما أن إعادة فتح المنافذ جزئياً لم يفضي إلى حل المشكلة لأن المرضى عاجزون عن تحمل التكاليف المالية الباهظة والانتظار لوقت طويل.

وبالمجمل؛ فإن الحرب ومخلفاتها وخصوصاً الفقر تمثل المنبع الرئيس لسوء التغذية وانعدامها ومن ثم انتشار الأمراض والأوبئة في اليمن بشكل غير معهود، وهو ما يتطلب تدخلاً عالمياً جاداً وعاجلاً من أجل وقف الكارثة وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة لمواجهة أسوأ كوارث العالم.. فهل يتذكر العالم إنسانيته وينقذ الشعب اليمني من الحرب والمرض ؟!.

*باحث

حول الموقع

سام برس