بقلم/ حسن الوريث
قمت مع ابني وصديقي الصغير عبد الله بجولة استطلاعية على وسائل المواصلات العامة بدأت من جولة الساعة في الحصبة وانتهت في نفس المكان لكن بعد جولة مكوكية بين مختلف الفرز والتي استمرت من الصباح إلى وقت الظهر لنتعرف على مستوى تنفيذ قرارات تخفيض أسعار وسائل النقل والمواصلات الذي صدر من الجهات المعنية وقد قبل صديقي القيام بهذه المغامرة بل وكان متحمسا أكثر مني لخوضها.

ركبنا باص الحصبة التحرير من الفرزة التي تعج بالفوضى والانفلات وتحتاج لوحدها ليس إلى موضوع واحد بل مواضيع ومواضيع سجلتها مع صديقي الصغير وسنتناولها لاحقا عموما وقبل ان نتحرك إلى التحرير بدأت أولى الإشكالات فصاحب الباص يصر على مبلغ مائة ريال ايجار بينما الكثير من المواطنين رجال ونساء وشباب يصرون على سبعين ريال وظنا منهم ان قرار تخفيض الأجرة بدأ سريانه وان الأجهزة المعنية لم تعلن الخبر الا وهي قادرة على تنفيذه خاصة ان تلك الحملة الشهيرة دشنها وزير النقل وأمين العاصمة لكنهم لا يعلمون أن كل ذلك كان مجرد خبر في الاعلام من أجل التقاط صور وتصريحات ورفع تقرير إلى المجلس السياسي الأعلى بأنهم قاموا بمهامهم كما ينبغي فقط ليس الا وأثناء الصياح والأخذ والرد بين السائق والركاب الذين اضطر غالبيتهم إلى الركوب وبمائة ريال سألني صديقي العزيز لماذا لايلتزم السائق بالتسعيرة الرسمية رغم ان أسعار البترول والغاز نفصت إلى النصف تقريبا ؟ قلت له ياصديقي العزيز .. السائق يعرف تماما ان القرار لن يتم تنفيذه وأنه مجرد حبر على ورق ولن يجرؤ أحد على إلزام السائقين بالقرار

أعاد ابني وصديقي العزيز السؤال لكن بطريقة أخرى أكثر براءة .. لماذا تقرر الحكومة شيء وهي لا تستطيع تنفيذه ؟ اجبته هل تصدق ياصغيري العزيز .. انا وانت والكثير من الناس لا يعرفون السبب فعلا وقد يكون المعنى في بطن الشاعر وإلا فما تفسير إصدار هذا القرار وليس هناك آليات لمتابعة تنفيذه على الارض لإنقاذ الناس من المشاكل التي تسببوا فيها والتي تحصل كل يوم بين السائقين والركاب الذين يصر الكثير منهم على عدم التنازل عن فلس واحد تحت أي ظرف كان ..

حينها أردف صديقي العزيز سؤاله بسؤال جديد قائلا.. يعني ان الحكومة تقرر شيء ولاتتابع تنفيذه وليس لديها الإمكانيات اللازمة للمتابعة ام أن هناك سبب آخر ؟ كان ردي على سؤاله ربما ان الحكومة وكعادتها لاتقوم بدراسة أي موضوع بالشكل الصحيح فأي قرار لابد أن يكون هناك آليات لتنفيذه ومتابعته وإمكانيات مصاحبة يتم توفيرها وأجهزة معنية يتم تكليفها بذلك والتنسيق فيما بينها لضمان نجاح عملية التنفيذ مالم فإنه سيكون كما قلت مجرد حبر على ورق .. فقال لي صديقي الصغير لكن الا يؤثر ذلك على سمعة الحكومة وهيبتها ويجعل الناس لا يثقون في قراراتها اولا يخافون منها فقد سمعت السائق يقول لأحد الركاب .. قل لأمين العاصمة ووزير النقل يركبوكم فوق سياراتهم التي جاوا بها للاستعراض ؟.

بالتأكيد ياصديقي العزيز ان إصدار اي قرار من الحكومة وعدم متابعته وتنفيذه يجعل الحكومة وكافة أجهزتها محل سخرية الناس وتندرهم وكذا تبتعد الرهبة والخوف ويصبح الناس غير ابهين بكل ماتقوله والدليل أنها لم تتمكن من تنفيذ قرار بسيط مثل هذا ووضعت نفسها في موقف محرج اذا كان هناك احساس لديهم .. فقاطعني صغيري العزيز بقوله من الذي اصدر القرار هذا ليتحمل مسئولية تنفيذه فليس الحكومة كلها مسئولة؟ قلت له ياصديقي الصغير بالنسبة لهذا القرار فقد صدر من أمانة العاصمة وقيادات المحافظات وبالتالي فهم من يتحمل المسئولية فقاطعني من جديد وما دخل وزارة النقل في الموضوع وحضور الوزير مع أمين العاصمة في تدشين حملة ضبط المخالفين ؟.

يجب أن تعلم ياصديقي ان تواجد الوزير والأمين وكذا المحافظين في حملات الضبط هو لمجرد الظهور في وسائل الإعلام فقط لأغير لأنهم بمجرد انتهاء التصوير حتى قبل بث الأخبار كانوا نسوا الموضوع وكأنه لايعنيهم كما فعل وزير النقل الذي بمجرد مغادرته لموقع الحدث كانت وزارته تصدر بيانا طويلا عريضا بأن هذا الأمر والتسعير والضبط ليس من صلاحياتها بموجب قانون السلطة المحلية الذي يخول الصلاحيات كلها للسلطة المحلية وكأنه يريد أن يقول لأمين العاصمة إذا كنت قادرا على تنفيذ القرار فأنا اتحداك واراهنك على ذلك لأن الوزير يعرف أن مكاتبه في المحافظات لا تستطيع القيام بواجباتها وان الموضوع مختلف تماما عما يظهر في الصورة أمام الناس وبالتالي فقد أخرج نفسه من المسئولية بمجرد بيان وألقى بالمسئولية على غيره وهنا تكمن المشكلة التي ظللنا ومازلنا وسنظل نعاني منها ..

قال لي صديقي العزيز لماذا لا يلتفت هؤلاء إلى معاناة الناس ؟ فقلت له هؤلاء لا يستخدمون وسائل النقل العامة فكل مسئول لديه أسطول من السيارات تغنيه عن البحث عن وسيلة لينتقل بها ولو كانوا مثل بقية الناس يركبون وسائل المواصلات العامة لكانوا شعروا بمعاناة البشر وعملوا على تخفيف الأم الناس .
قال لي صديقي الصغير سمعت ان مسئولين في بعض الدول يستخدمون وسائل المواصلات العامة في تنقلاتهم فهل هذا صحيح ؟ ولماذا لا يعمل مسئولينا مثلهم ؟..

ظللت ابحث عن إجابة لسؤاله لكني فعلا احترت إذ كيف اخبره بأن المسؤل في بلدنا يعتبر المسئولية مغنما ومظهرا ومكاسب ولا يمكن ان يتنازل وينتقل مع الناس لأنه يعتبرهم وجدوا لخدمته بينما المسئولين الذين تتحدث عنهم في البلدان الأخرى يعتبرون أنهم وجدوا في مواقعهم لخدمة الناس وليس العكس وبالتالي فسنظل نعاني وربما يكون هذا الكلام فيه نوع من القسوة لكنها الحقيقة وإلا كيف نفسر ما يحدث من تناقضات وهروب من المسئولية وترك الناس يعانون وهم يتفرجون علينا هكذا فهذا هو موضوع بسيط يمكن معالجته لو كانت النية الحقيقية موجودة ..

أشفق عليا صديقي الصغير من المشاوير التي قمنا بها من أجل معرفة مدى قدرة الحكومة على تنفيذ قرار واحد بسيط فمشوارنا الذي بدأ من جولة الساعة في الحصبة وانتهى في نفس الجولة بعد عودتنا معا كان متعبا من كثرة الإشكاليات التي حدثت بين السائقين والمواطنين بسبب قرار غير مدروس بعناية واهمال في تنفيذه ربما بشكل متعمدا أو غير متعمدا من السلطات المحلية والجهات المعنية وعدم تنفيذ القوانين بل وهروب منها ما جعل الناس يهربون إلى حل مشاكلهم اما بأيديهم أو تقبل الوضع كما هو بالم وحسرة وسخط أحيانا واصبح الجميع يهرب لكن في الاتجاه المعاكس.

حول الموقع

سام برس