بقلم/ عبدالباري عطوان
خرائط أمريكا الاستفزازية الجديدة التي تجعل من الجولان جزءا من اسرائيل ستعطي نتائج عكسية وتشعل فتيل المقاومة مجددا.. اليس عارا على العرب الذين يسبحون على محيط من الغاز والنفط ان لا يجد المواطن السوري وقودا لسيارته وموقد غازه؟

في وقت يحتفل فيه أهالي هضبة الجولان المحتلة بعيد الجلاء، بالتأكيد على هويتهم العربية السورية، ينشر جيسون غرينبلات، المبعوث الأمريكي الصهيوني للسلام في الشرق الأوسط، خريطة جديدة لدولة الاحتلال الإسرائيلي تضم الهضبة، وتعتبرها جزءا أساسيا منها، وقال غرينبلات في تغريدة له على “التويتر” “ان نظام خرائط دولي خاص بالإدارة الامريكية نشر هذه الخريطة الجديدة لإسرائيل تضم هضبة الجولان السورية”.

وتأتي هذه الخطوة “الاستفزازية” في وقت تشدد فيه الإدارة الامريكية الحصار الاقتصادي على سورية، وتمنع وصول احتياجاتها من النفط والغاز عبر قناة السويس، او الحدود الأردنية لمضاعفة معاناة المواطنين السوريين، ودفعهم للاحتجاج ضد الحكومة السورية.

تأييد الرئيس دونالد ترامب لضم هضبة الجولان لإسرائيل يأتي لحرمان سورية كدولة من المخزون الاستراتيجي الهائل من النفط والغاز في جوفها، وتقديمه هدية للاسرائيليين وشركات النفط الامريكية التي ستحصل على امتيازات التنقيب والتصدير، تماما مثلما فعلت عندما منعت القوات السورية من استعادة المناطق الغنية بالاحتياطات الغازية النفطية شرق دير الزور، ونصبت قوات سورية الديمقراطية الكردية المدعومة منها حارسا عليها.

المؤلم ان دولا، من المفترض انها عربية، تشارك بهذا الحصار الأمريكي لسورية بفاعلية غير مسبوقة، فمصر منعت شحنات نفط إيرانية كانت في طريقها الى الموانيء السورية من العبور عبر قناة السويس، اما السلطات الأردنية فأغلقت الحدود في وجه أي شحنات مماثلة قادمة من العراق، او من مصافيها المحلية.

وبلغت الوقاحة بالملحق التجاري في السفارة الامريكية الامريكية في العاصمة الأردنية الى القيام باستدعاء رجال اعمال أردنيين وتحذيرهم بوضعهم تحت طائلة العقوبات الامريكية في حال انخرطوا في أي اعمال تجارية مع الدولة السورية، وكانت الإجابة بالسمع والطاعة.

لا غرابة، وبعد كل ما تقدم، ان تكون الإدارة الامريكية نفسها هي التي تقف خلف تراجع خطوات الانفتاح العربي الرسمي على سورية، ومنع استعادتها لمقعدها في الجامعة العربية، وإعادة فتح السفارات في دمشق، او حتى مناقشة هذه العودة في الاجتماع الأخير للقمة العربية في تونس.

انه الخنوع العربي في ابشع صوره، ومن المفارقة ان “الدولة الإسلامية” (داعش) كانت اكثر “براغماتية”، ولا نقول إنسانية، في تعاطيها مع الازمة السورية من دول تدعي انها عربية وإسلامية، عندما كانت تبيع ما قيمته 40 مليون دولار من النفط والغاز الى سورية شهريا عبر سماسرة سوريين بعضهم في الجيش السوري الحر، مثلما كشف رازق قدير ماكسيمو الاذربيجاني، احد قادة (داعش)، والمسجون حاليا لدى قوات سورية الديمقراطية في حديث لمحطة تلفزيون “كردستان 24” قبل بضعة اشهر، ولم تظهر ازمة الوقود السورية هذه الا بعد هزيمتها، وهذا يشي بالكثير.

قلناها في مقال سابق، ولا يضيرنا تكرارها اليوم، هضبة الجولان سورية عربية، وستظل كذلك، وتغيير الخرائط الامريكية او الإسرائيلية لن يغير من هذه الحقيقة مطلقا، ونجزم بأن هذه الخطوات “الاستفزازية” ستعجل بتحريرها، وكل الأراضي العربية المحتلة الأخرى، لانها ستؤدي الى عودة المقاومة المسلحة وعملياتها، ضد القوات المحتلة، إسرائيلية كانت او أمريكية.

الامة العربية، وفي طليعتها سورية، لن تستسلم وترفع الرايات البيضاء، فمن استعاد سيادته على معظم أراضيه، وحارب بشجاعة طوال السنوات الثماني الماضية ضد جيوش أمريكا وحلفائها، سيحرر هضبة الجولان المحتلة حتما، ولن يتوقف عند حدودها، فالدولة العنصرية الإسرائيلية لم تعد تملك اليد العليا في المنطقة، والتفوق العسكري مثلما كان عليه الحال في الماضي، وما هذه السياسات الاستفزازية في تغيير الخرائط على الورق الا دليل قلق ورعب وليس دليل قوة، فالعرب والمسلمون هم اهل المنطقة وسادتها، والآخرون غرباء مهما ادعو من امتلاك أسباب القوة، والمسألة مسألة وقت، ومن يضحك أخيرا يضحك كثيرا.

عار على العرب جميعا، الذين يسبحون على محيطات من النفط والغاز ان لا يجد المواطن العربي السوري ما يملأ خزان سيارته من الوقود، ويضطر لركنها جانبا، والسير على الاقدام، وهو من سادة القوم، والعزيز الذي تريد أمريكا اذلاله بتواطؤ عربي.

هذا الحال لن يدوم حتما، والمؤمن بقيم عقيدته وعروبته مبتلى.. ولكنه بلاء لن يدوم، وربما يكون مقدمة للصحوة القادمة.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس