بقلم/ عبدالباري عطوان
هل عضّت إيران أصابع الندم على توقيعها الاتفاق النووي؟ ولماذا لم تقتد بالنموذج الكوري الشمالي؟ وكيف عوضت هذا الخطأ بإجبار ترامب وحلفائه على التراجع؟ ولماذا يكثر الوسطاء هذه الأيام؟ وهل ستُسقط “اللعنة” الإيرانية ترامب مثلما اسقطت كارتر؟

السؤال المطروح بقوة هذه الأيام في ظل انخفاض حدة التوتر قليلا في الازمة الامريكية الإيرانية هو عما اذا كانت احتمالات المواجهة العسكرية قد تراجعت جزئيا او كليا في ظل تصريحات التهدئة من قبل المسؤولين في الجانبين، وزيادة جرعة الوساطات وتكاثر اعداد الوسطاء الذين يطرقون أبواب طهران؟

نعم، احتمالات المواجهة العسكرية تراجعت قليلا لان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خسر جميع رهاناته في ارهاب خصمه الإيراني وجره الى مائدة المفاوضات حسب شروطه الـ 12 التي طرحها وزير خارجيته مايك بومبيو، وتعني عمليا رفع الراية البيضاء استسلاما، ووقف جميع التجارب النووية والصاروخية الباليستية، والتخلي عن الفصائل الحليفة في لبنان واليمن والعراق وفلسطين المحتلة، وأفغانستان التي تشكل العمود الفقري لاستراتيجيتها الدفاعية السياسية والعسكرية، والأوراق الأهم في يدها في زمن الازمات.

لا بد ان القيادة الإيرانية وهي تشاهد هذه الحشودات العسكرية الضخمة، وعلى رأسها الرئيس “المعتدل” حسن روحاني، تعض اصابعها ندما لتوقيعها الاتفاق النووي وتجميد كل طموحاتها في هذا المضمار، وهي التي كانت على بعد بضعة اشهر من امتلاك رؤوس نووية.

***
هذا الندم قد ينعكس حتما في خطواتها المقبلة حربا او سلما، فاذا وجدت نفسها تخوض مواجهة مع “العدو” الأمريكي مثلما جاء هذا التوصيف على لسان روحاني، مهندس الاتفاق النووي، فانها ستخوضها وحلفاؤها كما لو انها الحرب الأخيرة، وتلقي بكل ثقلها العسكري فيها، وبما يؤدي الى الحاق اكبر كمية من الألم بخصومها، اما اذا نجحت الوساطات، وادت الى نصب طاولة المفاوضات، فإنها ستكون ايران هذه المرة اكثر حذرا، و”بخلا” في تقديم التنازلات حتى لو كانت بمقابل، والتأكيد على حصول ضمانات مؤكدة بعدم التراجع او الانسحاب مرة أخرى من الاتفاق.

الإيرانيون اثبتوا انهم كانوا اكثر استعدادا للحرب في الأيام الأولى لهذه الازمة، فبدلا من ان يكونوا هم الطرف المرتبك، وفق الحسابات الامريكية، قاموا بإرباك الخصم الأمريكي وحلفائه عندما اخذوا زمام المبادرة، وحركوا زوارق خشبية نصبوا عليها صواريخ باليسيتة قادرة على تدمير حاملات طائرات وسفن في الخليج، واوعزوا لحفائهم في العراق بفرش عضلاتهم، وتوجيه صواريخهم نحو القواعد الامريكية حيث يتواجد 6000 جندي امريكي، ومن المؤكد ان الطائرات الحوثية المسيرة التي ضربت منشآت النفط السعودية ليست بعيدة عن هذه الأجواء، فالصديق وقت الضيق.

الرئيس ترامب يعيش ازمة من صنع يديه في منطقة الخليج، ويبحث عن أي صيغة لإنقاذ ماء وجهه، بعد ان فشلت كل رهاناته على الاستسلام الإيراني، والدليل الأبرز في هذا الخصوص قوله، ووزير دفاعه بالإنابه، انهما لم يحشدا هذه القوة العسكرية في الخليج من اجل الحرب وانما “درء مخاطر” أي هجمات إيرانية ضد الأمريكيين.

انه الكذب وهذا ليس جديدا عليه، فاذا كانت أمريكا لا تريد الحرب فعلا، فلماذا كل هذه الحشود والتهديدات العلنية المكتوبة المرافقة لها بالعمل على تغيير النظام، او تغيير سلوكه كحد ادنى، أمريكا لن تستطيع تغيير النظام الإيراني، وايران لن تغير سلوكها وفق الشروط الامريكية.

ايران منعت سقوط الدولة السورية، ولا نستبعد انها ستسقط ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، مثلما اسقطت الرئيس جيمي كارتر، ومنعت فوزه بولاية ثانية، فهل تحل اللعنة الإيرانية على ترامب مثلما حلت على سفله كارتر؟

خوض الحروب مسألة تبدو سهلة بالنسبة الى الدول العظمى، إقليمية كانت او دولية، خاصة عندما يكون الطرف المستهدف هو الأضعف نظريا على الورق، ولكن ما هو اصعب هو “اليوم التالي”، وهناك العديد من النماذج المرعبة في هذا الاطار مثل الحرب السورية، والحرب الليبية، والحرب الأفغانية، والحرب العراقية، والحرب اليمنية، والقائمة تطول.

النموذج المشرف الذي يجب ان يحتذي به القادة الإيرانيون هو درس كوريا الشمالية، وكيفية تعاطي زعيمها كيم جونغ اون مع ترامب وادارته، ولو جرى الاقتداء بهذا النموذج مبكرا، وقبل توقيع الاتفاق النووي، ربما لما وجدت ايران نفسها في هذا الموقف الحالي، ولكن ان تأتي متأخرا أفضل كثيرا من ان لا تأتي ابدا.
***
ختاما نقول ان التصعيد في الازمة الحالية جاء على أرضية الجولة الثانية من العقوبات الاقتصادية على ايران عنوانها صفر صادرات نفطية، ومن المفارقة ان الصادرات النفطية تتدفق في مساراتها الطبيعية، وتتحرك الناقلات النفطية الإيرانية حاملة خيراتها وسط السفن الحربية الامريكية، وتحت سمع وبصر قاذفاتها العملاقة “بـ52” بينما ناقلات حلفائها رابضة ومعطوبة في ميناء الفجيرة، مما يعني ان كل تهديدات ترامب بالحرب الاقتصادية كبديل للحرب العسكرية هي مجرد أوهام، وفرصها في النجاح تبدو محدودة ومحفوفة بالمخاطر أيضا.

حتى الآن نستطيع ان نقول ان ترامب خرج خاسرا، ومعه كل حلفائه الذين قرعوا طبول الحرب، وعلقوا آمالا عريضة عليها.. ونحن الآن في انتظار فتح بيت العزاء للقيام بالواجب.. والأيام بيننا.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس