بقلم/ أحمد يحيى الديلمي
كما وعدت نستعرض فيما يلي جوانب الفساد وأبعاده وتأثيراته السلبية على الحياة العامة، وفي موضوع الفساد وتأثيراته الخطيرة على الواقع الحياتي لا يمكن فصل الاجتماع عن السياسية أو الاقتصاد وكل ما يترتب على ذلك من تداعيات سلبية طالت وتطال القيم والمبادئ والأخلاق، كما سنلاحظ في الاستعراض الموجز وأرجو من الله سبحانه وتعالى التوفيق للإحاطة بكافة الجوانب ومن سبحانه أستمد العون وهو جهد شخصي، القصد منه فتح أذهان المعنيين على مواطن الاختلالات للاستدلال على وسائل المعالجة.

المهمة شائكة وشاقة إلا أن القناعة باستقلالية الإرادة السياسية تعني توفر أهم عنصر النجاح، وبالتالي يقتضي شد أذهان المعنيين بالمهمة، بالذات المستجدين على الوظيفة العامة الذين قد تنطلي عليهم بعض أوكار ومداخل الفساد بحجة أنها تستند إلى القوانين واللوائح وأنها إجراءات هامة للتنظيم والتطوير وهي في الاصل كذلك، إلا أن حمران العيون لووا أعناق النصوص القانونية وحولوها إلى مظلة لشرعنة الفساد، سأكتفي بالحديث عن بعض المشاهد التي أباحت الابتزاز ثمناً للخدمة إلى أن تضاعفت عشرات المرات عن المبالغ المقدرة في القوانين واللوائح النافذة المنظمة لعمل المؤسسات المعنية بتقديم الخدمة للمواطن.

المعادلة بسيطة أن التغاضي والإهمال وعدم التعاطي بمسئولية وحزم مع الانحرافات والسلوكيات غير السوية أباح استغلال الوظيفة العامة وتحولت أعمال الرشوة والكسب غير المشروع أفعال تدل على الشطارة وتراكمت هذه الظواهر وصولاً إلى مرحلة الفساد المنظم المستند إلى فتاوى دينية استباحت الحق العام.

ما تقدم مؤشر هام على عملية تراكمية طويلة أخلت ببنية الدولة الأساسية وجعلت الموظف يعتقد أن وجوده في الوظيفة لا يعني العمل مقابل الراتب والحوافز الشهرية، بل من أجل البحث عن مصادر للدخل الذاتي بدعوى أن الراتب حق مكتسب عاجز عن الوفاء بأعباء المعيشة، بالمقابل تحولت الحوافز والحقوق الأخرى إلى بؤر للفساد لأنها خضعت وتخضع لتقدير قيادة المؤسسة أو الوزارة التي تتعامل بمعايير مزدوجة تربط المستحقات بالرضا عن الموظف من عدمه دون أي اهتمام بمعايير مستويات الأداء والانتاج، وهو ما فاقم الأزمة وجعل حتى الموظف النزيه ينساق إلى البحث عن أساليب ملتوية لتحسين وضعه المادي.

للأسف بعض المسئولين لا يعبأ بظروف البلاد الصعبة التي يمر بها الوطن نتيجة العدوان و الحصار وانقطاع الرواتب ولا يزال يتعاطى بنفس العقلية الانتهازية في انفاق الحوافز الشهرية ونفقات التشغيل ، وهو وضع غير طبيعي يحتاج إلى التحري و التدقيق قبل أن تستشري الظاهرة وتتحول إلى بؤرة جديدة من بؤر الفساد، أي أن خطوات الإصلاح وتجفيف منابع الفساد يجب أن تبدأ من هذه النقطة، وكل خطوة تتم في هذا الجانب لابد أن تتسم بالشفافية لإطلاع المواطن على أبعاد كل قضية وكل ما انتهى إليه البحث والتحري أما بالإدانة وتحديد موقع الخلل أو بإعلان البراءة وتكذيب الإشاعات التي تروج وتتحدث عن نهب عشرات الملايين، وقبل الدخول إلى صلب الموضوع وسرد الظواهر التي ساعدت على اتساع نطاق الفساد المنظم، أنا على أتم الاستعداد لتقبل أي نقد موضوعي وبناء هدفه الإصلاح وإنجاح المهمة تبعاً لذلك لابد من الإشارة إلى أمرين هامين :

الأول: اتخاذ الحيطة والحذر في مراحل تنفيذ المهمة لمنع أصحاب النفوس العليلة من الاستغلال وتحويل المسعى إلى مدخل لاستهداف الآخرين.

الثاني: أتمنى على المعنيين في كل مستويات المسئولية الإمعان في متابعة الملاحظات وأي ملاحظات مماثلة تنشرها الصحف أو مواقع التواصل الاجتماعي للاستفادة من أي معلومة تسهم في ترجمة الغاية مهما تدنى شأنها على قاعدة (الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيثما وجدها) المطلوب عدم المماطلة والتسويف أو تضييع الوقت أو السماح للتجاذبات السياسية بأن تثبط الهمم، لابد من التكامل وتكثيف الجهود والمطلوب من الطبقة السياسية أن تتعاطى بإيجابية وأن يبادر كل مسئول حيثما كان موقعه إلى تقديم خطة واضحة وعملية تسهم في تحقيق الغايات المنشودة.

في هذا الاتجاه من المفيد الإشارة إلى تجربة عملية جسدها الأستاذ عبد القادر باجمال رئيس الوزراء الأسبق شفاه الله، فلقد كان يقرأ ما تنشره الصحف باهتمام ويستفيد من كل جديد فيها، حدثت هذه التجربة معي شخصياً أثناء وجودي في إدارة الجوازات لفت انتباهي وجود فتاة شابه تبكي بحرقة وألم، حولها ثلاثة أطفال صغار، عرفت أنهم سبب المشكلة لأن والدهم غير يمني غادر البلاد، اكتشفت أنها مطالبة بثلاثمائة ألف ريال يمني كي تحصل لهم على إقامة، ما فاقم المشكلة أن أحد الذئاب الآدمية موظف في الجوازات ساومها على شرفها مقابل منحها تخفيض، وضع الفتاة المزري حفزني على عرض القصة في الصحيفة، في صباح اليوم التالي استدعاني الأستاذ باجمال وطلب مني اقتراح الحل، قلت أليس أبناء اليمن من امرأة أجنبية يمنحون جنسية الأب، وأبناء اليمنية من زوج أجنبي ألا يحق لهم أن يرثوا والدتهم، لماذا لا نعتبر الجنسية ميراث يحق للأبناء اكتسابه في موضوع الأب وتحرم الأم من ذلك؟! أعجبته الفكرة وتم إقرارها في أول اجتماع لمجلس الوزراء وكانت اليمن أول دولة تتصدى لحل المشكلة وإنقاذ آلاف الفتيات ممن جعلتهن الظروف يرتبطن بأزواج غير يمنيين.

أوردت القصة للتدليل على أهمية متابعة كل مسئول حيثما كان موقعه لأفكار ووجهات نظر الآخرين، بالذات ما تنشره الصحف لأن من يكتبون أكثر قرباً من الناس وقدرة على ملامسه الهموم.

بالطبع ليس كلما يكتب صالح للاسترشاد به ، والقارئ اللبيب هو الذي يعرف أين تكمن الفائدة ويفرق بين الغث والسمين ، في الختام أقول هناك حقائق مذهلة سأتطرق إليها في الحلقات القادمة إن شاء الله .. والله من وراء القصد..

حول الموقع

سام برس