بقلم/ طه العامري
كل مخلوقات الله سبحانه لا تغادر الدنيا إلا بناء على نهاية حتمية سبق وأن كتبها الخالق في صفحة صاحبها قبل أن يولد ، فالله هو من يجعلك شقيا أو سعيدا غنيا أو فقيرا ، فهوا يقدر لك رزقك كما يقدر لك اعمالك وما ستقوم به وما تتمناه وتعجز عن تحقيقه ، ويقدر لك نهايتك موتا طبيعيا أو قتلا أو غريقا أو محروقا ، شهيدا مغدورا أو قصاصا عادلا ، والنهاية لكل مخلوق من مخلوقات الله قد قدرها باللوح المحفوظ منذ وجد ادم عليه السلام ،وبالتالي فأن نهاية أي شخص لم تأتي بإرادة شخص آخر او نزولا عند رغبته فحتى القاتل إذا قرر قتل شخص ماء فإنه قد ينجح بقتله نعم ولكن هذا لا يعني أن القتل جاء تعبيرا عن إرادة القاتل ، بقدر ما يكون القاتل مجرد سبب وحسب لأن الله سبحانه وتعالى قد كتب في صفحته أن ( س) من عباده سيموت قتلا على يد ( ص) من عباده وعليه فإن الحياة والموت بيد الله ولا يجب أن نقول إن لولاء فلان القاتل لما رحل عناء فلان المقتول ..

لكن هناك من عباد الله من يحبون إشاعة الفواحش والفواحش هي كل ما يقلق السكينة ويسرق الأمن والأمان من المجتمع ، فالفاسد يمارس الفاحشة والحرامي يمارس الفاحشة ، واللص عن مهنة يمارس الفاحشة ، وقاطع الطريق يمارس الفاحشة ، والمسئول الغير امين والغير شريف والغير نزيه والغير عادل يمارس أسواء أنواع الفواحش ، والحاكم الذي يتولى شئون الناس بغير عدل فيظلم وينهب وينافق ويجامل ويستبيح اعراض المحكومين ويصادر حقوقهم المكفولة بقوانين الأرض والسماء ، الحاكم الذي لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، الذي يشيع الفساد والفساد في منظومة الحاكمية هو أشد أنواع الفساد واخطره .؟!

في ديننا الاسلامي وفي تشريعاتنا وقيمنا واخلاقياتنا واعرافنا وتقاليدنا القاتل يقتل تجسيدا لقوله تعالى ( ولكم في القصاص حياة ) والسارق يعاقب وقاطع الطريق يعاقب ، ولكن أي عقاب يستحق هولاء ؟!

يقول تراثنا الاسلامي وتوكد اعرافنا أن حكامنا في الزمن الغابر وكبرائنا ومرجعياتنا الدينية والاجتماعية كانوا يتجولون في الأسواق ويتفقدون احوال الناس منفردين وعزل ولم يكونوا يخشون أحد من المحكومين ، وفي مقدمة هولاء كان سيد البشرية ونبيناء الخاتم رسول الله صل الله عليه وسلم ، الذي كان علية الصلاة والسلام يتجول في شوارع وأزقة مكة منفردا وكان كذلك في المدينة بعد أن صدح بدعوته ، وبعده فعلها الخلفاء الراشدين ، وقيل أن وفدا من ملك فارس أرسله للخليفة عمر بن الخطاب الذي كان جيشه يحاصر فارس ، وحين وصل الوفد سأل عن ( قصر الخليفة ) فضحك المسئول وأشار للوفد إلى شجرة وقال لقائد الوفد اذهب ستجد الخليفة نائما تحت تلك الشجرة ، فاستغرب الفارسي من الأمر ولكنه ذهب حسب النصيحة وفعلا وصل ووجد الخليفة نائما فالتفت لرفاقه قائلا لهم ( حكم فعدل فأمن فنام ) ..

في بغداد وفي زمن الخليفة هارون الرشيد كان هناك مجنون ولكنه كان فيلسوفا وكان يدعى بهلول وكان الخليفة يلجى إليه كلما احتاج منه لنصيحة وذات يوم سال الرشيد بهلول عن عقوبة السارق فقال بهلول للخليفة ( أن سرق عن مهنة تقطع يده ، وان سرق عن حاجة تقطع رقبة الخليفة ) ؟!

ثمة قاعدة أساسية في الاسلام والشريعة والثقافة والحكم وهي قاعدة ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وهذه القاعدة _ الغاية هي حق كل مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ، وهي مفتاح العدل الاجتماعي وريموت العقيدة ومن لا يعمل بها لا علاقة له بالدين ومن لا يتقبلها لا علاقة له بالدين أيضا ، ويؤكد لنا ديننا ورسولنا بسنته وتراثه وقيمه وقيم وتراث أصحابه من بعده ، بأن الدين النصيحة ، وان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي سنامة الدين وجوهرة التدين ، فقائلها مبرور ومتقبلها مشكور من الله والملائكة والرسل والناس أجمعين ، هذه القاعدة واجه بها الصحابي ابى ذر الغفاري الخليفة عثمان بن عفان حين اشتدت الأزمة _ الفتنة قائلا له ( اللهم العن الأمرين بالمعروف التاركين له ، الناهيين عن المنكر المرتكبين له ) ..فثار الخليفة عثمان وقرر نفي الصحابي ابى ذر إلى خارج المدينة ؟!

السئوال اليوم هو لماذا يمشي مسئولينا ومرجعياتنا الدينية والاجتماعية ووجهائنا ووزرائنا وقضاتنا وقادتنا ، برفقة كتائب من الحراس والمرافقين الغلاظ الشداد الذين يقتلون متى أمروا ويسحلون متى أمروا ويخطفون متى أمروا ولا يخشون فيما يفعلون دينا ولا ربا ولا رسولا ..؟!

طبعا كل مسئولينا وقادتنا وقضاتنا ووجهائنا ومشائخنا ومرجعياتنا لا يعادلون مجتمعين ( حذاء) رسول الله عليه الصلاة والسلام وعلى اله ،وكلهم مجتمعين لا يعادلون ثوب ممزق من أثواب خليفة من الخلفاء الراشدين حتى آخر خليفة عباسي سقط أمام جحافل جيش المغول ؟!

فالخليفة العباسي المستعصم بالله كان برغم كل فساده وجبنه اشرف واطهر من حكامنا ومرجعياتنا الذين يتحرك الواحد منهم بكتيبة من الحراس والمرافقين لسبب وجيه وهو أن كل مرجعياتنا اليوم وحكامنا ووجهائنا هم مجرد لصوص وقتلة وظالمين شعوبهم وأنفسهم فليس هناك ظلم ابشع من أن يظلم الرجل نفسه حين يقبل أو يسعى ويجري بعد منصب يسخره لنفسه فيظلم ويسرق وينهب وينافق ويحكم على البسيط وهو صاحب الحق لصالح المتنفذ الذي يسخر إمكانياته لنهب حقوق الناس البسطاء ، لهذا نرى اليوم مسئولينا يتجولون بكتائب من الحراس لأنهم جبناء وخائفين وظلمة يخافون أن يبطش بهم الرعية ، وحين ترى وجهاء اي شعب يتحركون بمواكب من الحراس فاعلم أن هولاء طغاة وظالمين ، وحين ترى جحافل المتسولين بالشوارع يرابطون على أبواب الأسواق والمجمعات التجارية وعلى أبواب الجوامع والمطاعم وفي الجوالات فاعلم انك في بلاد يحكمها لصوص وفاسدين ، بلاد كل مسئوليئها حرامية سخروا إمكانيات البلاد لصالحهم ، واحذر أن تصدق إيمانهم وأن كثرت جوامعهم ، وصدحت مآذنهم بدعاء الله اكبر خمس مرات في اليوم ، فلا تصدق إيمانهم ، لأن الصلاة التي لا تنهى عن الفحشاء والمنكر ، لا جدوى منها ..؟!

ان الاسلام دين تكافل ومحبة ورحمة وعطف ، والاسلام دين حق وعدل وإقامة حدود الله التي تبدأ بتطبيق ثقافة الاسلام قبل تشريعاته ؟!
يتبع

حول الموقع

سام برس