بقلم/ محمد ابو الغار

أعلن ويلسون، رئيس الولايات المتحدة، دخول الحرب العالمية الأولى متحالفاً مع إنجلترا وفرنسا ضد ألمانيا وحلفائها فى عام 1917.

وأعلن ويلسون فى مجلس الشيوخ أن جميع شعوب العالم يجب أن تحصل على حريتها، ولا يجب أن تتحكم أى دولة فى دولة أخرى. وطالب بإنشاء منظمة دولية ليسود العدل والنظام فى أرجائه، وأن عهد الفتوحات والغزوات والاحتلال قد ولى، وأن الشعوب لا يجب أن تحكم بسلطات مستبدة. وأعلن مبادئه الأربعة عشر.

وأرسل ويلسون 2 مليون جندى أمريكى عبر الأطلنطى فقد منهم 120 ألفاً بين قتيل وجريح، قائلاً إن هذه الحرب ستكون آخر الحروب، وسيصبح العالم أكثر ديمقراطية، وسوف يسود العالم مبادئ العدل، ونحن دخلنا الحرب لتغيير العالم إلى الأفضل. اعتبر المصريون أن مبادئ ويلسون حملت وعداً بنظام عالمى جديد يحقق تقرير المصير، وأن الاستقلال أصبح وشيكاً. فى هذه الظروف قامت ثورة 1919 بقيادة سعد زغلول، واضطرت بريطانيا للإفراج عن سعد زغلول المنفى فى مالطا وسافر منها إلى باريس فى محاولة لإقناع الرئيس ويلسون بإلغاء الحماية على مصر. وكانت الآمال كبيرة باعتبار أن ويلسون هو رمز للحرية والإنسانية. حتى نعرف مدى إيمان ويلسون بالحرية والديمقراطية والإنسانية؟ يقول الكاتب الأمريكى الشهير جون بارى إن المحللين الثقاة يعتقدون أن ويلسون كان يعتقد لدرجة الجنون أنه دائماً على صواب وأن أفكاره تأتى من قوى خارقة، وأن الإلهام يأتيه من السماء لاتخاذ قرارات صائبة.

ويقول بارى إن ويلسون عنده إيمان كامل بأنه لا يخطئ، فهو يماثل من يشعلون الحروب الدينية، ويعتبرون أن ما يفعلونه هو أمر إلهى وأنهم على صواب. الحرب بالنسبة لويلسون لا مجال فيها للتعقل ولابد أن يكون عنيفاً وسفاحاً. ونقل هذه الأفكار إلى الكونجرس والمحاكم والشرطة، وحتى رجل الشارع. وحول ويلسون الشعب الأمريكى إلى قنبلة متفجرة بطريقة لم تحدث من قبله ولا من بعده. وقال ويلسون علينا تدريب الأمة وليس الجيش على الحرب. هاجم ويلسون الأمريكيين من أصول ألمانية، وقال إن هناك مواطنين أمريكيين أخجل أن أقول إنه ليس عندهم ولاء للوطن، وهؤلاء الحشرات عديمى الوطنية لابد من سحقهم.

وقام ويلسون بالحد من جميع الحريات، وأصدر قانوناً سماه عدم الولاء للوطن، وبناء عليه صودرت الصحف والمراسلات حتى وصل الأمر إلى أن طلب المدعى العام من أمناء المكتبات أسماء الأشخاص وعناوين الكتب التى يستعيرونها قائلاً إنه يريد معرفة الخونة. وأصدر ويلسون قانوناً يقضى بعقاب من ينشر شيئاً يهاجم الحكومة بالسجن لمدة 20 عاماً.

وأنشأ تنظيماً شعبياً فاشياً من المتطوعين اسمه «المجموعة الأمريكية لحماية الدولة» وتم إعطاؤها بطاقات تعريف تعلق على ستراتهم ووصل عددهم 200 ألف فى غضون عام واحد. وهاجمت هذه المنظمة المواطنين واعتدوا عليهم، وتم اتهام أصحاب الرأى بالخيانة والجاسوسية. وجرمت اللغة الألمانية. وعلقت اللافتات بأن كل أمريكى من أصل ألمانى أو نمساوى يعتبر جاسوساً وغير وطنى. وشجعوا الناس على تقديم بلاغات بالآلاف فى مواطنيهم باعتبارهم غير مخلصين وتمت ملاحقتهم.

وألقيت الكلمات لتأييد الرئيس بالآلاف فى المسارح والسينمات قبل العروض بطريقة هستيرية وتم منع بعض الأغنيات ومحاربة بعض النكات. وطلب ويلسون من جماعة الكشافة المساعدة فى بيع سندات المجهود الحربى فانتشر 150 ألف شاب لبيع السندات والضغط على الناس فى فترة اعتبرت أسوأ من أيام مكارثى أو الحرب الأهلية وقاد ادجار هوفر الجهاز الأمنى للتجسس على كل أفراد الشعب ولاقى الأمريكيون أهوالاً بسبب آرائهم.

فى هذا الوقت ظهر وباء الأنفلونزا الذى قتل عشرات الآلاف من الجنود والمدنيين وتوفى بسببه حوالى 700 ألف أمريكى ولم يهتم بذلك ويلسون الذى فعل بالأمريكان ما يفعله الكثيرون من حكام العالم الثالث.

فى باريس عام 1919 رفض ويلسون مقابلة سعد زغلول، ثم أصيب ويلسون بالأنفلونزا وساءت حالته لمدة أربعة أيام تحسن بعدها ولكنه لم يعد لحالته الطبيعية وكان يقوم بتصرفات غير طبيعية وشهد معاونوه جميعاً بأن قدرته على التفكير لم تصبح سوية وكان يصرح بأفكار غريبة، وبدأ ينسى ما تمت مناقشته فى الجلسة السابقة. وفى النهاية وافق على معاهدة سلام كان قد رفضها من قبل. وعاد إلى أمريكا ليصاب بالشلل وتجرى الانتخابات التالية ليخسر حزبه الانتخابات، ويرفض الكونجرس المعاهدة التى وقعها.

لقد انفضح التزييف فى تصوير شخصية ويلسون عبر مائة عام، فصاحب مبادئ الحرية والمساواة والإخاء والاستقلال أيد ببساطة استمرار الحماية على مصر، واستمرار الاحتلال ورفض مقابلة سعد زغلول، وأتضح أنه كان ديكتاتوراً فاشياً، ويعتقد أن هناك توجها إلهيا باختياره، وأن آراءه كلها صائبة، وصادر الحريات وسجن أعداداً كبيرة منهم أعضاء الكونجرس، وتم فى عهده سحل بعض المعارضين حتى الموت.

وبينما الوفد المصرى فى باريس ينتظر الموافقة على إلغاء الحماية البريطانية لم يكن أحد يعلم أن ويلسون كان فى حالة مرضية أدت إلى عدم التركيز وأن موضوع مصر لم يكن على البال.

التاريخ يتم تزييفه لفترة تطول أو تقصر، ولكن فى النهاية تعاد كتابته بالحقائق، فها هو ويلسون بطل السلام والديمقراطية وحق تقرير المصير نعرف أن عنده جنون العظمة وأنه يظن أن وحياً إلهياً لا يخطئ يوجهه، وأنه قام بسجن الشعب الأمريكى بقوانين ومنظمات فاشية وأدى إلى قتل عشرات الآلاف من الشعب بإهمال سياسة التباعد وعلاج وباء الأنفلونزا التى قتلت من الأمريكيين أضعاف ما قتلته الحرب.

وعلى الجانب الآخر اكتشف سعد زغلول والشعب المصرى أن عليه الكفاح حتى ينال حريته، فاعتمد على نفسه وواجه الاحتلال حتى ألغيت الحماية وتحقق الدستور والبرلمان والاستقلال الجزئى.

قوم يا مصرى.. مصر دايماً بتناديك.

نقلاً عن المصري اليوم

حول الموقع

سام برس