سام برس
بقلم/ محمود كامل الكومي

كان الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، الشقيق الأكبر للشيخ زايد، حاكم لأبو ظبي من عام 1928 حتى أغسطس 1966 وفي عهده تمكنت الشركات البريطانية من استخراج كميات كبيرة من النفط في دولة الإمارات العربية فتدفقت أموال عظيمة على يد الشيخ شخبوط من مبيعات النفط في السوق العالمي.

فلم يهتد الشيخ إلى سبيل معرفة كيف يتصرف في هذه الثروة العظيمة التي تنزلت عليه وعلى الإمارة فقام شخبوط بتوزيع بعض من تلك الأموال على سكان الإمارة، ثم يلقي ما تبقى منها في بحر العرب، وأشاع الإنجليز أنه كان يفعل ذلك حتى لا يطمع سكان الإمارة والذين يغلب عليهم طابع البادية في الحكم والسلطة.

إلى أن أمر الشيخ شخبوط الشركات البريطانية بالتوقف عن ضخ النفط وغلق الآبار. فخشي الإنجليز على تجارتهم فقرروا إقصاءه وتم تنصيب أخيه الشيخ زايد حاكماً للإمارة بدلاً عنه.

وقد كان شخبوط يضع هذه الأموال تحت سرير نومه فتغذت الفئران على بعضها , فأشاروا عليه أن يضعها في بنك أنجليزى فُتِحَ في أبوظبي بعد أن وضعها في البنك ,سأل مرافقيه , هل سيغلق البنك أبوابه أم سيظل مفتوح ليل نهار, فأجابوه انه لابد سيغلق مساء,فصاح سيغلق على أموالى وتضيع , ورجع مع مرافقيه إلى البنك طالبا ما أودعه من مال .

قس على ذلك في كل إمارات وممالك النفط والغاز .

تلك التقدمة كان لابد منها لنمحص الرؤية ونقدح الفكر ونغوص في أعماق النفس التي تريد أن تقود أمتنا العربية , وما سقته من مثال سالف فيه رد موجز وبليغ على مقال الدكتور عبدالخالق عبدالله الإماراتي منشور بجريدة الشروق المصرية الثلاثاء 2 يونيو 2020 تحت عنوان :(من يقود الأمة نحو عمل عربي مشترك.. قيادة الأمة خليجية حتى إشعار آخر )– وما سلف يكفيني أن لا أرد على ما ساقه الدكتور عبد الخالق عبدالله من تبريرات مغلوطة كى يستبيح لنفسه قيادة الأمة , ومعه باقي الخليجيين , متباهياً بالنفط والغاز ,مسفها لقيادات عربية ,المقصود منها زعامة عبد الناصر التاريخية , ولم يجد في المشرق ولا في المغرب من مدينة تنويرية , سوى عواصم الخليج الستة – حتى الدوحة المحاصرة منهم فقد جعلها جديرة بأن تقود معهم , كدليل على الإيحاءات الصهيونية والأمريكية .

وتبدو أولى البديهيات في من يريد القيادة ,أَلا يكون مَقُود ,ويجب إن يكون متحرر من كل قيود – والعواصم الخليجية تعج بالقواعد الأجنبية والأمريكية – وعوائد النفط والغاز جُلها في بنوك أمريكا وأوروبا ,والاقتصاد الخليجي تضغط عليه الإدارة الأميركية ,وأمن الخليج مرهون بالعسكرية الأمريكية مقابل الحماية تدفعها العواصم الخليجية .

ويبقى السؤال هل تريدون قيادة الأمة العربية لصالح أمريكا والصهيونية العالمية التي تتحكم في أموالكم ؟!
الإجابة بنعم
ودليلنا..... ما قامت به حكومات الإمارات والسعودية وقطر , من استدعاء الناتو لتدمير ليبيا ومشاركة طيرانها لقوات الناتو هذا التدمير ,وكذلك تمويل الإرهاب من 80 دولة لتدمير سوريا
ثم تأتى الزيارات المتكررة للصهاينة للعواصم الخليجية – واستباحت الموساد لهذه العواصم تحت ستار مكاتب تجارية .

ويبقى السؤال لماذا طرح الآن قيادة الأمة العربية بعد انهيار مجلس التعاون الخليجي الذي أقيم بإيعاز أمريكي صهيوني أساسا للقضاء على الجامعة العربية , وبعد أن تم له ما أراد, أنتهي دور مجلس التعاون الخليجي حين وصلت الأمور بين ثلاث دول خليجية وقطر إلى الحرب – فبدا الهدف وهو قيادة الأمة العربية من أجل القضاء عليها نهائيا , بعد أن غرسوا فيها كل براثن الإرهاب وأشعلوا فيها النيران.

من نافلة القول أن يتحدث أمثال الدكتور عبد الخالق عبد الله عن زعامة عبد الناصر ومصر بقوله لقد تولت مصر قيادة الأمة فى لحظة من لحظات الزعامة الكارزماتية التى تبنت خطابا قوميا فضفاضا اتضح فشله،ذلك انه لم يدر حقيقة تنصيب حكام الخليج من جانب الاستعمار ,ولا مؤامرات الأبناء على الآباء لاغتصاب السلطات , فلا ولاء للأب , فكيف يكون الولاء للأوطان .
لكننا نكرر ماصار واقعاً ,كيف وقفت قوى الرجعية العربية تقودها السعودية , ضد الوحدة العربية وكيف تآمرت لاغتيال عبد الناصر إبان الوحدة مع سوريا , لكن يبقى الأهم وهو خطاب الملك فيصل لجونسون يحثه على دفع إسرائيل للعدوان على مصر و سوريا –ليس لشيء سوى للقضاء على عبد الناصر ,واقتلاع فكرة القومية العربية من الوجود ,إذن خطاب عبد الناصر لم يفشل ,بل تآمر عليه زعماء الخليج السعوديين ,ورغم نصف قرن على رحيل ناصر فهو مازال في ضمير شعبنا العربي , انتظارا لمن يكمل طريقه نحو وحدة الأمة العربية وتحرير فلسطين .

إذا كان الدكتور عبد الخالق عبد الله , قد غاص دون أن يطهر ذاته من موروثات بالية , ومستجدات تنبئ عن قارون جديد , تخالف طبيعة شعب الأمارات المقدر نخوة الرجال ودور عبد الناصر في تحرير الجنوب العربي فإن هناك خليجيي من البحرين قد عبر في ذات المكان وفي ذات الجريدة بتاريخ 27 مايو هو الأستاذ الكبير (علي محمد فخرو) حين أفاض من عطر فاهه " لقد جرت محاولة كبيرة رائعة مماثلة لما نقول فى خمسينيات وستينيات القرن الماضي، ولكنها تعثرت مع الأسف لأسباب مأساوية و اضطرابية كثيرة. لقد كانت محاولة لها وعليها.

من يريد أن يعاود الكرة عليه أن يدرس، بتمعُن وموضوعية والتزام قومي صادق، تلك التجربة. إنها مليئة بالدروس والعبرَ,فى المرُة القادمة يجب أن تقل الأخطاء وتعلو الإرادة إلى عنان السماء." فهذا عنوان رجل مفكر يريد الخير للأمة العربية .

أما عن العواصم الخليجية ,فيقول الدكتور عبد القادر الإماراتي في مقاله
"الرياض وليست القاهرة مركز الثقل السياسي العربي الجديد، وأبوظبى وليست دمشق مركز الثقل الدبلوماسي العربي الجديد، ودبي وليست بيروت مركز الثقل الإعلامي واللوجستي العربي الجديد، والدوحة وليست أي مدينة عربية أخرى تود أن تكون مركز الثقل التعليمي العربي الجديد."

ونكرر عليه أن تلك المدن التي ذكرتها هي صماء جرداء لا تنطق ,كالقصر المنيف الذي يسكنه البوم والغربان ولا يغرنكم المال فالمال لن يصنع فكرا حرا , لكنه يصنع من ينحنون ليقبلوا ايادى الأمراء .
في حين القاهرة ودمشق وبيروت وبغداد وكل عواصم الشرق والغرب , كانت تموج بالفكر والفن والثقافة والإبداع ومازالت رغم ضيق الحال , فالإبداع لا يصنعه المال , والحياة العربية تنطلق من جذور التاريخ وحتى من صنعاء التي تحاول قوى العدوان في السعودية والأمارات أن تدمر الحجر والشجر والثقافة والإبداع لتقتل بلقيس لأنها خرت ساجدة لله .

*كاتب ومحامى – مصرى

حول الموقع

سام برس