بقلم/معاذ الخميسي
خمس سنوات من الحرب الطاحنة التي لم تبق أو تذر..قصف دمر كل شيء..قتال أطاح بالآلاف..وحصار أكمل ما تبقى..وأمراض فتاكة..وجوع قضى على حياة.
الكثيرين..وحتى الأطفال فتك بهم الجوع وقتلهم..على مرأى ومسمع من كل العالم..وليس هناك أي تدخل..ولا أي مبادرات إنسانية تخفف من أوجاع الحرب القاتلة..
وحتى المنظمات الدولية وجدت اليمن ساحة حرب لتستنفع لا لتنفع أحد..وقراءة بسيطة في أرقام الميزانية المالية والمصروفات لأي منظمة ستقود للتأكيد على أن وجود المنظمات لتنفع نفسها لا لتنفع وتنقذ المطحونين بنيران الحرب..!!
لا أخفيكم..في ظل إستمرار الحرب الماحقة الساحقة الطاحنة..بدأت أفكر جدياً في الهجرة بعيداً عن أي حسابات أو انتماءات وعن أي عروض أو فرص توجع لك عقلك وقلبك..ولولا أنني مسئول عن أسرة لكنت قد غادرت وهاجرت..
وأصعب من أن لا نجد طريقة للهجرة أنا ومن معي أن نظل في صمود تحت نيران الحرب والقصف والحصار..وفي ظل إدارة فاشلة تضع المواطن في آخر اهتماماتها..يموت أو يحيا..يبقى أو يرحل إلى أي مكان حتى لو إلى القبر..!!
مع ذلك..أجد نفسي مشجعاً ومحفزاً للهجرة..وليس غير أوروبا وبلدانها التي لم تفرط بانسانية التعامل مع اليمنيين في ظل ما يواجهونه في بلدانهم..وهذا التشجيع للأسف يتوقف عند صعاب كثيرة..بل ومستحيلات وصلت إلى أن تقفل كثير من البلدان استقبال (أبو يمن) حتى لو تمكن من استخراج تأشيرة حين تكون المفاجأة الاعتراض على السفر اثناء المرور عبر مطارات العرب..
وحتى الجواز الدبلوماسي منعوه واوقفوه..لأن أصحابنا حولوه إلى بضاعة بيع وشراء بآلاف الدولارات!
# وفي ظل تلك الأوضاع..والاستحالات..تبقى طريقة واحدة هي (التهريب) وفيها الموت أقرب من الوصول إلى الهدف والهجرة..!.
أحد زملاء الصحافة هو الزميل الشهيد محمد الأهدل الذي غرق اثناء محاولة الوصول إلى أوروبا بحراً..ولنا زميل آخر كانت له محطات ابداعية في مجال الصحافة بالقلم أو بالكاميرا..وصل إلى الاحباط واليأس وقرر السفر والبحث عن طريقة توصله إلى أوروبا مهما كلفه الثمن وحتى وإن كانت حياته..
فلا فرق عنده بين أن يعيش ميتاً بلا راتب في ظل حرب لا ترحم أحد وبين أن يواجه الموت وهو يحاول النجاة بنفسه وبحياته ومستقبله .
وجدي البعداني..زميلنا الصحافي الهادئ والمجتهد والحريص دوماً على أن ينجح في مهامه الصحافية..وصنع له إسماً في بلاط صاحبة الجلالة..ولم يجد بعد سنوات عمله كصحافي سوى أن يختار الهجرة ويبحث عن حياة..وعن مستقبل..وعن أمان من جور الجوع وفتك الأمراض..ومخاطرالحرب..فتوجه نحو أوروبا وهو يبحث عن طريقة توصله إلى هدفه..وواجه مخاطر كثيرة..وهو الذي يعاني من مرض السكر..وكان قريباً من الغرق أمام سواحل اليونان لولا عناية الله..ثم خفر السواحل باليونان الذين انقذوهم واخذوهم إلى جزيرة يونانية..
وهو منذ أكثر من عام يبحث عن النجاة وعن مكان يأوي إليه ويُمنح فيه حق الحياة والعيش الكريم..وقد اقترب من ذلك..وما يحتاجه فقط النظر لحالته ومن أين جاء..وما الذي أجبره على الهجرة..ومواجهة الموت مرات عديدة..وهو الأمر الذي لا أظنه مستحيلاً لأن هناك من يشعر بالإنسان ويعرف ما الذي يجري في اليمن منذ خمس سنوات..وأن المواطن اليمني الأكثر حاجة لمراعاة وضعه وانقاذ حياته..ومنحه حق الحياة الذي قطع من أجله آلاف الكيلومترات وواجه الموت كثيراً ومازال يعيش المخاطر والأحوال الصعبة إلى أن ينجح ويهدأ ويستقر ولو بعيداً عن وطنه وأهله وأحبابه