بقلم/محمود كامل الكومى
حين تفقد الأمة العربية بوصلتها نحو الوحدة, تبقى الذاتية والأنانية والقطرية , وتندثر الروح القومية – وحتى داخل القطر الواحد تفتقد الوطنية أهم شروطها فى إنكار الذات للصالح العام .

منذ زمن كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو , والعالم العربي فى صراع مع الذات لتتغلب الآن الروح القطرية على القومية من أجل اندثار الشعور الوحدوي والقضاء على فكرة القومية العربية , وتلك بداية الإستراتيجية الامبريالية الصهيونية لتفتيت عالمنا العربى.

وقد كان لغياب " جمال عبد الناصر" أكبر الأثر لتحقيق هدف الاستعمار والصهيونية , وحتى حينما بدت روحه مازالت تهيم فى العالم العربي والإنساني , واصلت الآلة الإعلامية الممولة ببتر ودولار الخليج والمُسيرة صهيونيا رفع وتيرة التصعيد في هجومها لاغتيال روحه , حتى يفقد الشعب العربي كل آماله فى وحدته وصعود قوميته العربية.

وعلى مدار نصف قرن مارس الإعلام العربي الممول ببتر ودولار الخليج -والموجه للسير على طريق الصهيونية العالمية- "الديماجوجية" الفكرية على جماهير شعبنا العربي ,آملا فى تكفيرها بكل القيم الإنسانية ومُحبِطاً تطلعها نحو تحقيق أهدافها فى الحرية والاشتراكية والوحدة , حتى صارت على ماهي عليه الآن من انعدام وزن , وفكر منغلق وكفر حتى بالذات وبفعل سياسات حكامها .

ما سلف هو تمهيد الأرض من أجل التطبيع وأمن إسرائيل , وحينما أينعت أشجار الأفيون والخشخاش , كانت قطوفها تغييب العقول والدوار , فهرولت الأمارات والبحرين والسودان الى التطبيع ,واستقبلت عُمان وقطر مافيا الموساد ,وفى الرياض وزعت الأدوار بعد الأقصى ليأتي الدور على الحرمين .

ملاحق كامب ديفيد جُلها صنعت من أجل أن تذوب مصر في أحضان اسرائيل , وكانت مقاومة التطبيع وتغلغل الموساد بكل ما أوتى من قوة وبالسلاح ( تنظيم ثورة مصر بقيادة المناضلين محمود نور الدين وخالد عبد الناصر),و قادت الدكتورة نعمات احمد فؤاد , والدكتور عصمت سيف الدولة والأستاذ نبيل الهلالي , وكل النقابات والقوي السياسية والمنظمات الحقوقية والشخصيات الوطنية والقومية النضال ضد التطبيع , الأمر الذي حدا بالسادات أن يضع كل هذه الرموز في السجون , حتي تخلو الساحة لفرض ألعاب السيرك التطبيعي , لتمارس الملهاة على عقول المصريين , فذهب مهندس التطبيع الي الجحيم .

سقط كتاب أمثال على سالم ,وأنيس منصور ,حين اتخذا كلاهما من فندق الملك داود بتل أبيب مرسي في أحضان المومس الشمطاء غانية إسرائيل .

وسقط توفيق الحكيم في بحر النسيان ,حين سال لعابة على الشيكل والدولار وهو البخيل مقابل تشويه عصر " جمال عبد الناصر " وهو عصر النضال ضد العدو الأسرائيلى ,ولحظة أن صَدَرَ المناضل محمد عوده رده على الحكيم بهذه المقولة " قال الفنان الشاب للموسيقار الكبير : بالنسبة " لتوسكانينى " الفنان فإنني أحنى رأسي وبالنسبة " لتوسكانينى " الإنسان وخلع حذائه وانهال عليه " لحظتها لم يرد الحكيم ومات كمداً .
حتى صاحب نوبل , فقد كان من مصوغات الحصول عليها , تشويه رمزية الزعيم المقاوم لإسرائيل , فكانت رواية الكرنك التي مثلت استدراجا ومشاركة , تمت فيها الاعتداء على الحقبة الناصرية ,وما تمثله من إيمان بأن الصراع مع اسرائيل صراع وجود , وهو ما تراجع عنه نجيب محفوظ لاحقا وأبدى الندم على هذه الرواية , وكذلك فعل الشيخ الشعرواي حين ذهب إلى قبر جمال عبد الناصر , معتذرا على تصريحات صدرت منه عقب نكسة يونيو .

تصاعدت قمة الغضب الشعبي ضد العدو الأسرائيلى ,أبان احدث يناير 2011 حين حاصر الشعب سفارة تل أبيب بالقاهرة ,وتسلق احد الأفراد الشرفات وقام بإشعال النار فيها .

أمام الضربات الشعبية التي أجهضت كل محاولات التطبيع ,تم الدوران عبر الخليج , وأفتتح طريق الحشيش , عن طريق مافيا رجال الأعمال , أذناب الصهيو نية العالمية والرأسمالية الأمريكية , فعقدوا صفقات الغاز مع الكيان الصهيوني , وكان علاء عرفة هو مهندس الصفقة , وصار عماد أديب بوق دعاية جدير بالترويج لكل ما هو صهيوني , فكان على رأس المدعوين في احتفالات السفارة الصهيونية بالقاهرة باغتصاب فلسطين , لكن الأهم أنهم وجهوا سهامهم وسمومهم الي الشعب من أجل أن يفقد رشده ويموه على فكره , فأقاموا الفضائيات الممولة بالبتر ودولار , لغسل عقول الشعب وتسطيحها بالهابط من الكلام والإسفاف , فأنتجوا أغاني المهرجانات التى أفرزت ما يسمى بمستمعي الغريزة، وأصبح مؤدي المهرجان هو الأب الشرعي للانحدار الفني والأخلاقي، وقد أغرت حالة التردي هذه بعض نجوم السينما في المساهمة الفعالة والقوية في هذا الإسفاف , بل أن مهرجان الجونة السينمائي ومموله نجيب ساويروس بدت فعاليته للترويج لكل ما هو رخيص و بدا كرنفال للعُري دون تقديم فن سينمائي يضيف أي جديد , بل كانت دورته الأخيرة لمنح جائزة المهرجان , لأحد الممثلين المروجين للتطبيع مع إسرائيل ,فقد تم تكريم جيرارد ديبارديو في مهرجان الجونة السينمائي في دورته الرابعة دون اعتبار للهجوم الذي تعرضت له إدارة المهرجان بسبب ذلك.

وصارت فضائيات مافيا رجال الأعمال والبتر ودولار الصهيوني , تدافع عن كل من تتعري وتخلع اللباس , بل وتمجدها وتعتبرها انها للتحرر عنوان , والاقتداء بها واجب توجبه الغريزة والانفتاح والأمن وتطور الاقتصاد

من هنا كانت صناعة الأشكال النتنة والموبقات من الهياكل وتشكليها لتشابه الإنسان , فصار القضاء على فن الخمسينات والستينات من القرن الماضي , وصنعت ,المعاول لهدمها , فشرع الشاكوش والأوكا وأورتيجا , ومز راب , وكلها أسماء للتنطيط وإثارة حركات جنسيه يعاقب عليها قانونا العقوبات , وكذلك صُنِعَ الشخص الذي تقابل مع المغنى الأسرائيلى عومير آدم بدبي , فيما بدت صناعته تحيطها الشبهات , فقد طفق يخفق في الفضائيات بلا أجنحة , وبلا مقدمات , وبلا أصل في التمثيل و الغناء , واختير كونه صعيدي, لتحطيم قيم الصعايده من الرجولة والشهامة , والصلابة في مقاومة الأعداء , والهبوط , بأرض الصعيد التي أنجبت عمالقة الفكر المصري ,وولدت جمال عبد الناصر , الزعيم المناضل ضد اسرائيل , إلى مستنقع التطبيع والترويج لسارقي ارض فلسطين ومغتصبي الأقصى الشريف .

أصبح هذا المُصنع ممثلا ومغنياً مالكا للطائرات , وأغدقت عليه الأموال ,وسلطت علية ميديا البتر ودولار وفضائيات مافيا رجال الأعمال أضوائها المشبوهة , وفرضته على عقول الناس , كمثال لتدنى الأخلاق ,والعرى والتافه من الكلام , وصار مروج لكل ما هو للنظام الرسمي , وضد صالح الشعب والفقراء.

كانت مصر الشعبية ساحة , عصية , ومن هنا نقل المافيا , مركز الفن والأعلام والسينما والغناء , إلى دبي , حين صار المجال للتطبيع مع الصهاينة , في الثقافة والغناء والرقص والمهرجانات على ما يرام , وأستقطب المُصنع المصري ممثلا ومغنيا ,إلى هناك , حيث اللقاءمع " عومير آدم" المغنى الإسرائيلي و أمثاله , مستباح , عسى أن يمر اللقاء بكل الود مع المومس الشمطاء , فيكون انطلاقة الي أرض الكنانة لتلويثها ولكي يُستباح عِرضها – لكن هيهات ,هيهات , فقد انهالت الضربات أشد ضراوة من الشعب المصري , على هذا المُصنع ممثلا , ومغنيا , تعريه وتفضح من صنعه , ومن وضعة على طريق التطبيع , فصار الآن وحيدا بلبوس – ليسقط التطبيع , ويعيش شعبنا الفلسطيني في قلب الشرفاء من المصريين.

*كاتب ومحامى - مصري

حول الموقع

سام برس