بقلم/د. شيرين العدوى
عزيزي القارئ، مازلت معك أبحر مع شاعرات مصريات عجن بماء الشعر وانصهرن بتجاربه وشاعرتنا اليوم هى هاجر عمر وديوانها المرائي، لقد قدم لنا هذا الديوان دلالات جزئية عميقة، أسهمت في تشكيل رؤية كلية بوسائل تركيبية كشفت عن بنية كبرى بحركة جدلية مستمرة بين المفردات لتشكل لنا الرؤية الكبرى المكونة للنص. واختارت هاجر لقصيدتها التزاما بالوزن والقافية، وركبت بحور الشعر في سلاسة وانسيابية تؤكد موهبتها وشاعريتها، وقد ركبت الشاعرة بحورا صعبة كالطويل والبسيط، فقد كتبت عليهما وغيرهما عددا من قصائدها، مع تمكنها من البحور الصافية كالمتدارك والرجز والكامل.

يدور الديوان حول محاور صوفية منغمسة بالذات الشاعرة ومتفردة فيها، متطلعة لإصلاح العالم من حولها؛ فهى تشهد على أزمة الذات ونظام القيم . سيطرت على الرؤية فكرة الموت في أغلب القصائد، وتمثلت في تأزم الذات الشاعرة لفقدان الأب الذي يمثل لها رمز الحياة. كتبت قصائد الديوان على الشكل العمودي المرتدي ثوب التفعيلة.
والديوان مستقيم عروضيا ولغويا إلا من بعض الهنات البسيطة النادرة، كأن تقول في إحدى الشطرات، «وكنتُ العروةُ الوثقي»، وقد تحرت الشاعرة التشكيل فالصحيح «وكنتُ العروةَ الوثقى» لأنها خبر لكان ومثل « حتى يُرسمُ الحوَرُ؟!. ومثل فِفَي؟! كيف نقطع تلك المسافةِ؟!. فعليها تحري المراجعة اللغوية حتى لا يفسد النص، وتسلك الرؤية في المألوف والمعتاد من النتاج الشعري الآن، و تظهر لدى الشاعرة في بعض الأحيان المفارقة ولكنها نادرة.

يحتاج المتلقى في كثير من الأحيان إلى الانسياب مع الشعر الهادئ كالموج دون إعمال للفكر يتهادى فيه مع صور جميلة هادئة كما قدمته له هاجر فى ديوانها دون توتر مع ذات شاعرة متشظية. فقد اعتكفت شاعرتنا في كهفها الصوفي غير عابئة بتفاصيل الحياة، مما منحها هذا الهدوء.
وقد لاحظت في الديوان نفسين شعريين للشاعرة تكتب عليهما بقاموسين مختلفين وهذا تفرد، وكأننا أمام شاعرين لكل شاعر قاموسه وموسيقاه ومفرداته ورؤاه.
والمستقبل لهاجر أجمل، فقد مثلت مصر في العديد من المحافل العربية كمشاركتها في مسابقة أمير الشعراء في الشارقة، وحصولها على المركز الأول في مسابقة الإيسسكو للإبداع الشعرىغيرها، مما يجعلنا نشد على يديها ونطلب منها المزيد.

تقول في قصيدتها ساحل الفوضى من ديوانها المرائي:

الحمد لله.. لا بحر ولا غرقى .. يا نوح دعني.. هنيئا كل ما ألقى .. تلك السفينة .. لا حي يسيرها.. على الصحاري.. ولن أستمطر الأفقا.. كذبت بالريح.. تقسو من بدايتها .. ما أعبث الريح لما أحدثت خرقا.. حياتنا ساحل الفوضى سيجرفني.. ولست تملك جوديا .. لكي تبقى.. ما أهون العمر لو عشنا مصادفة .. ما أهون البيت.. لو نبنيه كي نشقى.. الحمد لله من ظلت بأبيضها.. اليوم زادت بياضا رائقا أنقى.. الآن بحر وموسيقى وقافية.. الآن وجهي ..كما يأتي الضحى طلقا..ما بال روحي قد فاضت زمازمها شعرا.. كأن الصفا قد هيأ النطقا.. غدا ستعرج بي للصبح قافيتي.. وقد كتبت على إسرائها عشقا.

نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس