سام برس
تتزايد مخاوف دول الخليج جراء ارتفاع معدلات حدوث "حرائق الأبراج الشاهقة" في أعقاب اندلاع حرائق خلفت وراءها خسائر فادحة في أبنية سكنية في مدينتي الشارقة ودبي في دولة الإمارات العربية المتحدة.
تضم دول الخليج بعض أعلى بنايات الابراج في العالم، لكن بعض خبراء البناء يقولون إن الكثير من هذه الابراج مكسوة بمادة شديدة الاشتعال، الأمر الذي يشكل تهديدا خطيرا على ساكنيها.
ويقدر أحد الخبراء في الإمارات أن نحو 70 في المئة من البنايات شاهقة الارتفاع تحتوي على كسوات تضم ألواحا مستخدمة في الواجهات الخارجية المصنوعة بدورها من بلاستيك حراري قابل للاشتعال يتوسط لوحين من الألومنيوم.
فعندما تشتعل النيران في أحد الألواح، سرعان ما تنتشر وتصل الى قمة البناية وتخلف وراءها حطاما محترقا يتساقط في الشوارع مثل الألعاب النارية على حد وصف أحد الخبراء.
وقد يكون السبب الرئيسي وراء اشتعال النار بسيطا كعقب سيجارة مشتعل أو تطاير فحمة من إحدى الشوايات في شرفة منزل من المنازل.
في الثالث والعشرين من أبريل/نيسان اندلع حريق في برج (الحفيت) في الشارقة على نحو مماثل لحريق سبق واندلع في برج التمويل في دبي في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، فضلا عن اندلاع حريق آخر في برج (الطاير) المكون من 40 طابقا في الشارقة في أبريل/نيسان عام 2012.
وفي جميع الحالات الثلاث، أتت النيران على أجزاء من البنايات نتيجة اشتعال الألواح فرادى واحتراقها، لكن الحالات لم تسفر عن وقوع ضحايا.
وقال توم بوهلين، لدى مركز الشرق الاوسط للتنمية المستدامة، لبي بي سي "تبدو واجهات الأبنية حسنة الهيئة، وتعمر طويلا، لكنها تواجه مشكلة واحدة، ألا وهي سرعة الاحتراق."
إغفال التحقيقات
قال بوهلين، كبير الخبراء الفنيين بالمركز، إن الإمارات أجازت قانونا يحظر استخدام الواجهات القابلة للاشتعال، لكنه قانون يطبق فقط على البنايات الجديدة.
واضاف "ذلك لا يراعي مشكلة البنايات الحالية، في حين إن تكاليف الإصلاح ستكون باهظة للغاية."
ويقدر بوهلين ان "500 بناية على الاقل" في الإمارات تكسوها ألواح قابلة للاشتعال.
وقال بوهلين إن بريطانيا حظرت استخدام كسوات البناء منذ ثمانينيات القرن الماضي كما أن القانون الامريكي يمنع على وجه الخصوص استخدامها في الابنية التي يرتفع عدد طوابقها عن ثلاثة أو أربعة طوابق.
ولا تمثل وجهة نظر بوهلين الوحيدة من حيث إبداء القلق بشأن مخاطر اندلاع الحرائق في الابراج شاهقة الارتفاع التي تزخر بها كل مدن الخليج الرئيسية، ولا بشأن الاخفاق في تفسير ما الذي يفضي الى اندلاع الكثير من الحرائق.
فخلال أحد المؤتمرات الاخيرة المعنية بالصحة والسلامة في العاصمة القطرية الدوحة، قال خبير آخر إن عددا هائلا من حوادث الحرائق لم تخضع لتحقيقات مناسبة.
وقال ستيف وود، مدير السلامة والصحة لإدارة الشرق الاوسط لدى شركة (ايكوم) الامريكية للتعاون التكنولوجي، بحسب صحيفة قطرية محلية، أمام اجتماع مندوبي معهد السلامة المهنية والصحة إن أسباب الحرائق التي اندلعت في عام 2012 وحده تجاوز ألف حريق في قطر وهي حرائق مازالت غير معلومة.
ونقلت الصحيفة عن وود قوله "ان عدم معرفة أسباب اندلاع الحريق ربما لكون الحرائق شديدة الاشتعال لم تخضع لما يكفي من التحقيقات."
تعد قطر على مستوى دخل الفرد والاحتياطيات الهائلة من الغاز أغنى دولة في العالم، فهي أنفقت مليارات الدولارات في السنوات الأخيرة على مشروعات بناء هائلة بددت شكل الأفق للعاصمة الدوحة.
تحقيق الأهداف
يقول توم بوهلين إن النمو غير المسبوق لمدن الخليج يعني أنه بقدر ارتفاع الابنية الشاهقة بسرعة مذهلة، يتراجع توافر اللوائح وأنظمة الضبط القانونية.
ويعزى سبب ذلك الى أن القوانين ببساطة تبنتها دول اخرى، لكن سياق وآليات التنفيذ عادة ما تفتقر للتطبيق الشامل.
وقال بوهلين "ليس هناك كثير من القوانين الراسخة في الخليج، فالقوانين يجري استعارتها من الخارج وتستغرق وقتا كي يعاد تطويرها. تأتي هذه القوانين لكنها لا تخضع لتحسينات."
ويعتقد بوهلين أن هناك سلطات في دول الخليج مازالت بحاجة الى تبني قوانين موحدة لمكافحة الحرائق تفي بالمعايير الدولية الصارمة المتعلقة بالمواد الممكن استخدامها.
كما يعتقد أن المخاطر المحتملة التي تشكلها هذه البنايات يجب طرحها علنا.
وتحدث سكان الأبراج السكنية التي تعرضت لحرائق عن عدم توجيه إنذار ضد الحرائق أثناء اندلاع الحريق، كما أن الكثير منهم لم يكن على دراية بأنهم وعائلاتهم يعيشون داخل مصيدة محتملة للحرائق.
وعلى الرغم من أن بعض حكومات دول الخليج أعربت عن قلقلها بل وراجعت ممارساتها السابقة، فإن السلامة مازالت تحتل مرتبة متأخرة في عمليات البناء السريعة.
ففي بلد يزخر بعدد هائل من المغتربين وقضايا الاسكان، باتت السلطات تغض الطرف وتسمح للمقاولين والملاك باتخاذ قرارات قد تفضي إلى عواقب كارثية.
وقال بوهلين إن الشيء الذي يستحق التركيز عليه ويساعد في تفادي وقوع حرائق هذه الابراج الشاهقة هو الاهتمام بشركات التأمين.
وأضاف "(هذه الشركات) ستعمد بلا شك الى إيجاد حل نظرا لكون تورطها في تعويضات مالية حال حدوث حرائق ليس شيئا ترغب في التعامل معه."
وبغض النظر عن وجود ضوابط صارمة وقواعد مناسبة أو تكاليف إصلاح باهظة تقررها شركات التأمين، يؤكد بوهلين على شيء واحد "إن هناك مشكلة وهي بلا شك تحتاج الى حل."

bbc

حول الموقع

سام برس