سام برس
يحاولُ شعراء وموسيقيون عراقيون استثمار أجواء «عاصمةِ الثقافة العربية 2013» لإحياء جلسات تجمع بين الشعر والموسيقى. وليس تقليداً راسخاً في بغداد أن يقرأ شاعر نصوصه، بينما يصاحبه عازفٌ بمقطوعات موسيقية. إلاّ أنّ الشاعر العراقي أحمد عبد الحسين قرأ نصوصه في أمسيتهِ الأخيرة في بغداد، أخيراً، يُرافقه عزفاً على آلة العود الموسيقي مصطفى محمد زاير الذي قدم للمرة الأولى عود «الأس» وهو من صناعة فائق محمد فاضل، أشهر محترفي الآلة في العراق. تناوب الشاعر والعازف، في الأمسية التي قدمتها مؤسسة «برج بابل»، على استدعاء بغداد وحال الإنسان فيها. كانت الموسيقى تهجو الأمكنة التي طمسها الإهمال، بينما الشعرُ يضع ساكنيها أمام تناقضات زمنهم، وحاضرهم الذي لا يختلف كثيراً عن ماضيهم الملغوم. وظلَّت فكرةُ «الموتِ» وذاكرة «العائلة» المريرة منصّتين لغويتين للشاعر أحمد عبد الحسين الذي يشككُّ في كلِّ شيء، الأسماء والهويات والوجود و»العراق المقلوب».
أمسية الشاعر استعادت السؤال عن الماضي وما يجعله راهناً ومؤهلاً للمستقبل. وعلى رغم أنّ الاهتمام صبّ في السنوات الأخيرة في مصلحة الرواية على حساب الشعر، بعدما وجد كثيرون في السرد النثري مفتاحاً لباب واسع أمام الجمهور ولتلبية حاجته، فإنّ الشاعر أحمد عبد الحسين ما زال يعتقد أنّ الشعر هو «المكان الوحيد الذي يكون فيه الشاعر مقنعاً من دون الحاجة إلى برهان».
نصوص أحمد عبد الحسين، في الأقل تلك التي قرأها في أمسية بابل، لا تقول الواقع، بل تفكر فيه. ففيما ينشغل شعراء عراقيون بـ «اليومي المعاش»، يأتي شعره ليكرّس هذه الفكرة من غير أن ينتشل منها نزعته الفلسفية وأسئلته الوجودية. فهو، كما يقول، «لديه عقائد تؤلمه ولا يستطيع صرفها أو استثمارها في الحياة، لا يستطيع قولها في مداولات المعاش واليوميّ». ومن نصّه «الاسم» قرأ: «كان لي اسمٌ، وحدث أني نزلت السلمَ مسرعاً وكلي عيونٌ تبكي. بعد فوات الأوان (...) وسمعتُ من يهمس ورائي: إنا أنزلناه لنريه الألمَ وصريرَ الأسنان (...) إنا أنزلناه لنحرقَ أكليلَ الشــوك على رأسه». (من نصه الاسم).
اختار الشاعر قصائد يُعرّي فيها الوقت ويفضح حقيقة الإنسان الذي يعيش معظم الأحيان في «فوات الأوان». كان نصه «كربلاء الوقت» يحتجّ على استمرار الفجيعة التي تظلّ راهنةً وتكاد أن تكون هي نفسها مستقبلاً له. «مهجور الحاضر أنا / أرمل اللحظة / يتيم الأزمنة كلها. كربلائي - الوقت، ماضية في حضورها وتتشبه بالمستحيل، إنها كمثل ياقوتة اليأس تجدد نفسها في كل آن / في كلّ آنٍ فواتُ أوان». (من نص كربلاء الوقت).
نصوصه التي اختارها كانت يائسة إلاّ أنها تأمل الحياة في مكان آخر، حتى لو كان ذلك في «جنة عدم»، وهو العدم الذي تقوم عليه مجموعته المسماة بها (2007)، والتي قرأ منها أغلب نصوصه في الأمسية. «تحيّةٌ للعدم. إن تكن الحرب / تكن بغداد تنقّر جثّة بابل، أو العكس / زقورةٌ تتهدم في كتاب «أبي مخنف»، فردوسٌ كالطعنات المرحة في أحشاء النائم / عادلاً يضحك العراق، عادلاً يضحك على صبيان ممتحنين بشرطي سكران: أختامه المزوّرةُ في معطفه / ويداه مغلولتان على دراهم مسكوكةٍ من لهاثٍ وزمهريرٍ».
قرأ احمد عبد الحسين نصوصه التي زادت أنغام العود «أس» من إحساسها وشاعريتها. وكان فائق محمد فاضل، صانع هذا العود، قال إن هذه الآلة الجديدة ستكون هي العود العراقي الأهم من دون منازع للسنوات العشر المقبلة. وقد جاء هذا العود الجديد كنتاج عمليات تطوير وتحسين أجراها فائق على العود التقليدي في العراق. والهدف من التـــغيير، كما يقول صانعه، أن يكون منسجماً مع متطلبات العازفين في هذا الوقت. ومن المقطوعات التي عزفها مصطفى محمد زاير في «أمسية برج بابل»: «عشق بغدادي»، و»أم الربيعين»، و»الحيدرخانه»، و»عجم وليل»، و»معاً نحلم فوق غيمة»، و»بوابة الألم».

بغداد - علي السراي

حول الموقع

سام برس