يحي الساده
كي أكون منصفاً في الطرح لابد من الإقرار بأنه لولا ثورة فبراير 2011م التي كسرت حاجز الخوف لدى المواطن إزاء رهبته من السلطة ومن بطشها وردة فعلها فيما مهدت الطريق أمامه لمواجهة أي مشهد سياسي جديد تبدو فيه القوى الفاسدة وقد أعادت إنتاج نفسها في إطار هذا المشهد الجديد، لولا ذلك لما أمكن لأنصار الله بقيادة السيد عبد الملك الحوثي التقدم ولو خطوة واحدة من معقل ومسقط رأسهم في صعدة في اتجاه أكثر من محطة جغرافية من تلك التي وضعوا أيديهم عليها في زمن قياسي لا يتجاوز العام الواحد.

السؤال الذي يفرض نفسه في ضوء هذه الحقيقة التي لا جدال فيها هو ما الذي حققته ثورة 2011م وما الذي حققته ثورة 2014م رغم الزخم والإجماع الشعبي غير المسبوق في تأريخ هذا البلد الذي شهدته وحظيت به الثورة الأولى كثورة كان هدفها اجتثاث النظام الفاسد برمته على طريق التغيير الشامل مقارنة بمحدودية الالتفاف الشعبي حول الثورة الثانية كثورة كانت أهدافها محددة المطالب كلنا يعرفها ويحفظها عن ظهر قلب أكثر منها ثورة شاملة كما لاحت للكل في بداياتها.

في ثورة فبراير 2011م لم يتحقق أي انجاز يذكر غير إزاحة علي عبدالله صالح وإزاحة كرسيه الرئاسي من مقر إقامته في القصر الرئاسي الكائن في منطقة السبعين إلى قصره الجديد في منطقة حدة مصحوباً هذا الكرسي وهذا الموقع الجديد بكل عوامل القوة والثروة إذ يبلغ قوام حراسته الشخصية 6 آلاف مقاتل مدججين بأحدث الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة جميعهم منضوون في وزارة الدفاع ويتقاضون مرتباتهم ومخصصاتهم التموينية من هذه الوزارة، بينما ثروته النقدية فقط التي حوشها على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من حكمه والتي هي قيد تصرفه حتى اللحظة وبحسب التقديرات الأولية فإنها تقدر بعشرات المليارات من الدولارات الامريكية، إذا اضفنا إليها ثرواته الثابتة من الاصول غير المنقولة المشتتة في أكثر من مكان في العالم عندها سنكون أمام حقيقة دامغة حول ما حققته ثورة فبراير وما لم تحققه حتى يومنا هذا..!

دون هذا الإنجاز الشكلي لثورة فبراير في نقل الحاكم من قصر إلى قصر لم يتحقق أي انجاز آخر، لقد تفاقمت الأوضاع ووصلت في السوء حداً لا يطاق إذ ارتفع منسوب الجريمة وازداد معدل الفقر والبطالة وتجسد مشهد الفساد والإفساد والإرهاب والفوضى والعبث وإقلاق السكينة العامة بطريقة غير معهودة وغير مسبوقة في تأريخ هذا البلد.

ما يتعلق بثورة 2014م " للغير أن يسميها ما يشاء" التي بدأت بمطالب شعبية ثلاثة ثم تطورت ليطلق عليها بثورة ضد الفساد وضد رموزه من عتاولة المال والإجرام وضد قوى الارهاب اينما وجدت وأينما حلت، ما يُلحظ على هذه الثورة أنها استطاعت وفي غضون أيام فقط من وضع يدها على أهم أوكار الفساد في البلد أن تلامس هموم الناس وأن تقترب من أحلامهم ومن تطلعاتهم حين جعلتهم يرون بأم أعينهم كبار رموز الفساد وآفة هذا البلد وهم يولون الأدبار بحثاً عن جحور مظلمة يأوون إليها هرباً من قبضة الشعب التي أفلتوا منها يوم أن تدثروا بعباءة ثورة فبراير ونصبوا أنفسهم قادة عليها في غفلة من الأحزاب التقدمية ومن الزمن ذاته الذي اعيته الحيلة وهو يدون تاريخ هذا البلد في ظل تمركز هؤلاء العتاولة في أهم وأخطر مفاصله ومفاصل حياة أبناءه .

لقد حققت ثورة 2014م التي يتقدمها أنصار الله رغم محدودية انتصاراتها حتى اللحظة ما لم يكن يخطر على بال مواطن، لقد وضعت يدها على أكبر وأخطر وكر إجرامي الحق بالبلد وأهله الكثير والكثير من الكوارث ومن المصائب والويلات على امتداد ثلاثة عقود زمنية، إنه وكر الفرقة الأولى مدرع الذي يقع في قلب العاصمة في مساحة لا تقل عن 52 آلف لبنة دوّن التاريخ فيه كثير من الجرائم ومن الأحداث التي لم يُفصح عنها هذا التاريخ حتى اليوم رغم ظاهرها التي تبدو واضحة للعيان من خلال حجم الفساد المستشري في هذا البلد وفي وجوه الناس وفي معيشتهم اليومية وفي أمراضهم المستعصية خاصة وأن من كان يدير هذا الوكر كان يدير دفة الدولة برمتها باعترافه الشخصي بعد إزاحة صالح من الحكم يوم أن اعترف بأنه كان الحاكم الفعلي لهذا البلد وأنه كان الرجل الأول في إدارة الدولة، هذه المصيبة التي لم تتوقف عند إزاحة صالح من كرسي الحكم وإنما امتدت فصولها إلى أن اُسقط هذا الوكر برمته.

من كان يصدق بأن جامعة الإيمان الملاصقة لوكرعلي محسن كانت ملحقة بهذا الوكر من حيث طبيعة وجودها أكثر منها جامعة إيمانية، هي الآخرى سقطت بسقوط علي محسن وبسقوط وكره الشهير..... من كان يصدق أن أكبر شيخ قبلي يضع أقدامه على ثلاثة مرتكزات هي: القبيلة والتجارة و حزب الإصلاح يتهاوى بهذه الكيفية وبهذه السهولة بعد أن كان لا يقيم للرئيس السابق أي وزن أو حساب سيما كلما هم بمهاجمته والقول فيه ما لم يقله مالك في الخمر مستنداً في موقفه هذا على قبيلته وشيخ القبيلة الذي لم يعد له اليوم صوتاً أو نفساً أو حضوراً بعد وقوع العاصمة في قبضة أنصار الله.

تغييب مراكز القوى الثلاثة: علي محسن، والزنداني، وحميد عن المشهد السياسي والعسكري والقبلي والديني هو انجاز في حد ذاته طالما أعجزت هذه المراكز الرئيس السابق عن التخلص منهم أو تحجيم نفوذهم رغم ما يتصف به صالح من دهاء ومن مكر شديدين، ناهيك عن فشل ثورة فبراير في التخلص منهم أو حتى تحجيمهم رغم الطوفان الشعبي الهادر الذي اجتاح شوارع وساحات كل المدن اليمنية في طول الوطن وعرضه طلباً في التغيير وباجتثاث آفة الفساد.

ما تطالعنا به الصحف الوطنية من أرقام للعقارات ومن مجسمات للقصور الفخمة التي يمتلكها كل من علي محسن وحميد الأحمر في العاصمة فقط والتي باتت في قبضة النائب العام وتحت مجهر اللجان الشعبية لهو أمر يدعو للتفاؤل بجدوى هذه الثورة وبإمكانية انتصارها بل وبوضع البلد على أول الطريق الصحيح.

أمر يدعو للاستبشار بغدٍ أفضل خاصة إذا ما كانت هذه الإجراءات مقدمة لإجراءات أخرى تطال كل لصوص هذا البلد الذين أثروا ثراءً فاحشاً على حساب معاناة وآلام وأوجاع شعب تقاذفه رياح الفقر والمجاعات والأمراض من رصيف إلى آخر بينما تحمله نعوش الموت وعلى مدار اليوم والساعة نحو مقابر باتت لا تتسع لمزيد من الموتى المرحلين قسراً إلى العالم الآخر.

إنها ثورة حقيقية طالما بدأت بخوفو وخفرع ومنقرع هذه البداية التي لن يكون لها وقع في نفس أي مواطن ولن يكون لها مكان في الذاكرة الشعبية ما لم يمتد فعلها الثوري إلى أكثر من فرعون ممن عاثوا في هذا البلد فساداً وظلماً ونهباً وقتلاً وأعني بهم بالذات من يمتلكون شفرات فتح الخزائن المكتظة بأموال هذا الشعب المنهوبة على امتداد أكثر من ثلاثة عقود من نهبهم وعبثهم بالمال العام ومن يحفظون عن ظهر قلب أرقام الأرصدة المودعة في أكثر من بنك من بنوك العالم التي تعود في الأساس لهذا الوطن وأبنائه ممن يصارعون يومهم قبل غدهم بحثاً عن لقمة العيش ولو كانت جافة جراء نهب هذه الأموال.

هي ثورة حقيقية إذا ما وضعت يدها على كل الفاسدين وعلى كل الطغاة وعلى كل العابثين بأمن واستقرار هذا البلد دون النظر إلى أي فاسد من حيث انتمائه السياسي ومن حيث جهويته ومنطقته وتجذره الاجتماعي وامتداده السلالي .

لقد علمنا التأريخ كما علمتنا ثوراته الحقيقية أنه لا فرق في قاموس الثورات والثوار بين لص وأخر أو بين طاغية وأخر أو جلاد وأخر كلهم لصوص في نظر التأريخ وكلهم طغاة وجلادون! إنهم وجوه لعملة واحدة ولعنوان واحد هو الفساد

أية ثورة تفرق بين هذه المسميات هي ثورة محدودة المهام لا ترقي إلى مصاف الثورات الحقيقية إذ تبقى مهمتها في حدود تصفية الحسابات وهذا ما لا نرتضيه لثورة أنصار الله التي يجب أن تندمل مع اكتمالها جراحات ثوار فبراير وتجف معها دموع الثكالى والأرامل على شهداء تلك الثورة ولتدون هذه الثورة في إطار قائمة الثورات الحقيقية التي دونها التأريخ خلال مشواره الطويل في طول المعمورة وفي عرضها.

y.alsadh@yahoo.com

حول الموقع

سام برس