سام برس / متابعات
تساءلت الروائية ليلى الأطرش «هل تعيد الرواية كتابة التاريخ ، وما الحد الفاصل بين الروائي وإغواء الوثائق غير المنشورة..؟ هذه الاسئلة التي طرحتها الأطرش في شهادتها التي قدمتها في حفل إشهار وتوقيع روايتها الجديدة «ترانيم الغواية».

جاء ذلك ضمن احتفالية نظمها منتدى شومان أول من أمس، بمشاركة الناقد د.ابراهيم خليل، د.فايز رشيد، ووليد أبو بكر، وأدارها الناقد والشاعرعبدالله رضوان الذي استعرض سيرة الأطرش، لافتاً إلى أن الرواية المعاصرة تذهب باتجاه البحث وتأريخ ما يجري خصوصا مما لا يوثق في كتب التاريخ، وهو ما تميزت به «ترانيم الغواية» الصادرة حديثا عن «منشورات ضفاف»».



تأصيل لثقافة التسامح

وقدم خليل في ورقته بعنوان (ليلى الأطرش في روايتها الجديدة ترانيم الغواية: تأصيل لثقافة التسامح) قراءة في مضمون العنوان، رابطا بينه وبين روايات الروائية السابقة، مبينا أن «العنوان يسلط الضوء على الخفي والمضمر من دلالات النص».

وقال إن «حكاية العشق المحرّم، والزواج الممنوع، هذه ليست الحكاية الوحيدة في رواية وجدت في المؤلفة من يحبك حوادثها حبكاً جيدًا. فقد اختارت عددًا من الشخصيات لكلِّ شخصية منها حكاية.

وأشار إلى أن الحكايات تلتقي وتتقاطع في فضاء يخيم عليه التوتر، والصراع السياسي، والحروب، والانتفاضات المتوالية سواءٌ ضد العثمانيين، أو الأتراك الاتحاديين، أو الإنجليز المحتلين، أو اليهود المتصهينين، بدءا من حمص شمالاً، مرورا بحيفا ويافا والخليل وعين كارم والقدس». مشيدا بما «اتصفت به هذه الشخوص على الرغم من اختلاف العقائد، وتباعد المواقع، في الزمان والمكان».

وبين خليل أنه «من الأساسيّات التي تقوم عليها هذه الرواية: الحبكة الجيدة، التي تجمعُ بين البساطة والتماسك والعمق»، فضلا عن «حجم الدور الذي ينهض به المكان في هذه الرواية.

وخلص خليل أن (ترانيم الغواية) تمزج فيها المؤلفة التاريخ بالأسطورة وبالواقع، في خطاب سردي تهيمن عليه (ثيمة) التسامح، فمن معالم هذا الخطاب التنويري تمرد الخوري متري الحداد على الكهنوت، وعلى الإكليروس، والتحامه بالشيخ الزهراوي ورفيق سلوم، وكلاهما من قادة الحركة القومية.



الرواية إضافة للمكتبة الفلسطينية

بدورة عد رشيد (ترانيم الغواية) لوحة بانورامية متعددة التفاصيل لجوانب عديدة في القدس، زمانية، مكانية، شعبية نضالية، شخصياتها تتراوح بين الرئيسية والثانوية. فيها سرد وحوار ومناجاة ،بناؤها الدرامي جاذب بشكل كبير.

وأضاف أن الروائية في عملها الجديد تضيف وبشكل ملموس إلى المكتبة الفلسطينية والعربية وإلى تاريخ القدس، وأن (ترانيم الغواية) منحازة ما بين سطورها إلى القدس الفلسطينية العربية بكل إسلامييها ومسيحييها وأهلها.

ولفت رشيد إلى ما تتضمنه الرواية من صور عن الصراع، مستدركا ان الرواية «تتطرق إلى المؤامرات التي حيكت لتفتيت النسيج الأجتماعي للشعب الفلسطيني من خلال إثارة الصراعات المذهبية والطائفية».

كتابة تحكي عن القدس المهددة

من جهته أكد أبو بكر انه «يسجل لليلى الأطرش أنها لم تلتحق بالنمط السائد في كتابتها للرواية، إذ خرجت مبكرا من عباءة السيرة الذاتية التي تلجأ إليها غالبية الكاتبات العربيات، ولجأت إلى المجتمع الذي تعيش فيه.

وبين أن (ترانيم الغواية) تأتي في إطار قراءة الموضوع الديني «الحساس»، فالكاتبة لا تطرح فكرتها حول التحديث الدينيّ بشكل مباشر، وإنما تؤلف من أجلها حكاية تدور أحداثها فوق أرض القدس، في زمن سابق، كانت فيه القدس تحت احتلال أيضاً، وكانت تحاول أن تحرر نفسها من الواقع والمستقبل، في زمن تتشكل فيه خرائط جديدة، من خلال الحرب العالمية الأولى، كما تشكلت بعد الحرب الثانية، وتقسم معها الوطن العربي، وهي تتشكل الآن، من أجل مزيد من التفرقة والتحكم.

ونوه أبو بكر بأسلوب الكتابة عن طريق الاستعانة بمراجع عاصرت الفترة الزمنية لأحداث الرواية، وهو أسلوب بحسب أبو بكر يعد مهما في الكتابة الروائية خلال هذا العصر، فحتى تضع شخصيتي الرواية الأساسيتين، ميلادة أبو نجم، والخوري متري الحداد، في بيئتهما الصحيحة، لجأت ليلى الأطرش إلى ما يتجاوز التجربة المعيشة، وبمراجعة سريعة للهوامش، ومن هنا تكمن أهمية الرواية التي لا تكتفي بسرد قصة الحبّ السرية،ولكنها تتحدث عن واقع القدس، كما صورها من عاصروا الأحداث.



يحملك الحنين إلى المكان

في شهادتها كشفت الروائية الأطرش الفائزة بجائزة الدولة التقديرية 2014، عن قراءتها لأكثر من 65 مرجعا، فضلا عن زياراتها الميدانية لمدينة القدس وأماكن الرواية الحقيقية، مؤكدة أنها «مدينة القدس.. البشر قبل الحجر»، وهي رواية «أبرزت عمق الصداقة العميقة بين الاسلام والطوائف المسيحية»، الرواية التي استغرقت في كتابتها ثلاث سنوات «لأنني كنت أراهن على نجاحها».

ووصفت المدينة المقدسة بأنها تحلق بالشوق فوق هالة نور، وتطل على الضياء ومدينة السماء.. تبحث في ثنايا التاريخ عن بشر تجللهم قدسية مدينة ولدوا فيها.. وبين المقدس والإنسي صراع ورغبات وإغواء.. تجاذب وتصادم وحب وكره هو الحياة.

وقالت في معرض شهادتها: أنا والحنين والأسئلة، ورغبة اكتشاف البشر في زمن التحولات الكبرى مدينة الله.. مدينة لم يتوقف الصراع عليها منذ كانت.. وجه القدس الحقيقي، وهي لا تتوقف عن تبديل حكّامها وبشرها، ثم يضيق عنها سورها مع مدنية تزحف، وأقوام لا تتوقف عن القدوم إليها، صراع ملل وأجناس وطوائف، مبينة أردت الإجابة في رواية تغطي مساحة التحولات الكبرى في حياة القدس. هي فترة التحولات الكبرى، سقوط خلافة استمر حكمها أربعة قرون، ودخول انتداب وهب ما لا يملك لمن لا يستحق.

وفي قراءاتي العديدة لتلك المرحلة، عن تغير البشر والحجر في مدينة الأديان سد الأفق سؤال أكبر، كانت حياة النساء محور الحكاية المتخيلة عندي وبدأت تضيق في هجوم مشاهد الحياة الأخرى، وكلما أوغلت في البحث والتنقيب صارت حكايات النساء بؤرة الحدث.

وختمت الكاتبة، ليس سهلا أن تقاوم إغواء التاريخ وأنت تكتب رواية عاش ابطالها في زمن مضى، كانت أمامي اسرار كثيرة، وخفايا سياسية واجتماعية ودينية مثيرة. وأنا أكتب عن مدينة ولدت متعددة، فالقدس، ومنذ وجدت، سكنها الأقوام وقصدوها لمكانتها وقدسيتها وتحاربوا من أجلها.

حول الموقع

سام برس