علي البخيتي
لا أعتبر الحرب في الجنوب موجهة ضد العدوان السعودي على اليمن، إنما هي استمرار لسياسة السلطة الحاكمة لليمن أياً كان الطرف الأكثر فاعلية فيها، نفس الحروب كان يشنها صالح، ثم شنها هادي والإخوان المسلمون، ويتذكر الجنوبيون كم قتل هادي ووحيد رشيد في الذكرى الأولى لوصول هادي إلى الكرسي عندما قرر الإخوان وناصر منصور الاحتفال بالمناسبة في ساحة العروض في نفس المكان، الذي كان من المفترض أن يتسع للمتظاهرين الرافضين لسلطة هادي.

نفس الحروب يخوضها اليوم أنصار الله في عدن وأبين والضالع وبقية المناطق في الجنوب، هدفها الأساسي الدفاع عن السلطة والجيش والمعسكرات الحكومية، مع بعض الاختلافات والحيثيات لهذه المعارك بعد دخول القاعدة ممثلة في أنصار الشريعة جنباً إلى جنب مع بعض المجاميع التابعة لتيارات سياسية جنوبية، إضافة إلى الإعدامات والتنكيل اللذين يتعرض لهما الجنود في المحافظات الجنوبية حتى وهم في مواقعهم ونقاطهم البعيدة عن أي تجمعات سكانية.

هناك لبس في المعارك التي يخوضها أنصار الله في الجنوب دعماً للوحدات العسكرية، فمن ناحية لا يمكن لأي منا تبرير ما يُرتكب بحق الجنود من عمليات ذبح وسحل على الهوية المناطقية على يد أنصار الشريعة، وتدخل أنصار الله دعماً للوحدات العسكرية يمكن اعتباره دفاعاً عن تلك الوحدات وعن هؤلاء الجنود الذين دفعهم ضيق العيش إلى أن يكونوا مجرد أرقام عسكرية يقذف بهم من خلالها إلى أتون المعارك والحروب داخل مناطق لا تتقبل حتى مجرد وجودهم، وأنصار الله لم يكونوا هم السبب في وجود تلك المعسكرات في وسط واقع جنوبي معادٍ لهم، لكن لا يمكنهم تحمل المسؤولية الأخلاقية عندما يذبح حتى الجنود الذين يغادرون وحداتهم كما حصل مع المجموعة التي كانت على باص النقل الجماعي الدولي وتم إيقافهم وذبحهم كالخراف بدم بارد قبل أشهر، وما تبعها من عمليات ذبح كان آخرها ما حصل في حوطة لحج.

ومن الناحية الأخرى لا يخلو تدخل أنصار الله في تلك الحروب من أغراض سياسية على اعتبارهم السلطة الجديدة في صنعاء ويواصلون نفس المسلسل –الدفاع عن السلطة ومؤسساتها العسكرية والأمنية في الجنوب- الذي بدأه الرئيس السابق صالح وواصله الرئيس الفار هادي وتحالفه مع الإخوان وقتها، ويجب أن يتذكر الإخوة في الجنوب أن هادي رفض مراراً إقالة ضبعان من قيادة المعسكر في الضالع مع كل ما جرى من معارك وضحايا بالمئات بينه وبين أبناء المحافظة وكأن ضبعان مُعين بآية قرآنية.
إضافة إلى أن هروب هادي إلى عدن وتمسكه بشرعيته والعمل منها على إسقاط سلطة أنصار الله في صنعاء كان مبرراً سياسياً – في مثل هكذا صراع على السلطة - لملاحقة أنصار الله له، لأن هادي لم يعلن نفسه رئيساً للجنوب بل استمر في القول إنه رئيس لليمن، وبالتالي فذهاب أنصار الله إلى عدن كان استكمالاً لسيطرتهم على السلطة عبر ملاحقة الرئيس الذي انقلبوا عليه إلى أي مكان يفر إليه، وفرار هادي إلى عدن هو ما نقل المعركة إليها وجعل الأنظار تتركز عليها.

من خلال متابعة سير المعارك في المحافظات الجنوبية خلال هذه الأيام يتضح للمتابع البسيط أن الطرف الأكثر فاعلية في المشهد هم فريقان لا علاقة لهما بالسلطة الرسمية المعترف بها ولا بالحراك الجنوبي السياسي، الطرف الأول أنصار الله الذي يتدثر برداء المعسكرات الحكومية ويعمل تحت غطاء شرعيتها وشرعية سلطة الأمر الواقع التي فرضها في صنعاء، والطرف الثاني أنصار الشريعة الذي يتدثر برداء الحراك الجنوبي واللجان الشعبية ويعمل تحت شرعيتها.

وعندما يتم السيطرة على منطقة يظهر الفاعل الحقيقي فيها من خلال تصرفاته، فالمناطق التي يسيطر عليها الجيش اليمني يكون الظاهر للعيان فيها سيطرة أنصار الله الحوثيين عندما ينصبون شعاراتهم الخاصة، والأماكن التي تسقط في يد الحراك أو اللجان الشعبية يظهر وبدون أدنى شك أنها سقطت فعلياً بيد أنصار الشريعة، وذبح الجنود – حتى المُسالمون منهم- بالسكاكين وسحلهم وإعدام من يؤسر منهم ونهب المؤسسات والبنوك الحكومية تدل على هوية وثقافة الجهة التي سيطرت على الأرض مهما ادعت أنها من الحراك أو من اللجان الشعبية، ولنا في ما حصل في حوطة لحج –ذبح الجنود- وبعض المناطق داخل عدن –سحل الجنود وإعدام الجندي الأعور المنتمي للأمن المركزي- خير مثال، ومن ينكر تلك الحقائق فإنه يتهم الحراك الجنوبي واللجان الشعبية الجنوبية بارتكاب جرائم إرهابية وإعدامات وذبح متوحش لا يمكن معه الاعتراف بأن تلك الأطراف تمثل الجنوبيين بأي حال من الأحوال.

ذلك المشهد في جنوب اليمن أعاد إلى ذاكرتي الأوضاع في سوريا، حيث أن المناطق التي كانت تسقط في يد ما سُمي بالمعارضة السورية وكان يقال إنه تم تحريرها من سلطة النظام السوري سرعان ما يتضح لاحقاً أنها سقطت في أيدي المجموعات الجهادية الإرهابية التي أصبح لها وجود علني وأسماء معروفة مثل جبهة النصرة أو داعش وأخواتها.

ذلك السيناريو هو الجاري في الجنوب، فأنصار الشريعة – قاعدة اليمن- والمجموعات الجهادية الأخرى تتحرك تحت غطاء الصراعات السياسية وباسم اللجان الشعبية والحراك الجنوبي، لكنها تظهر عبر توحشها وأعمالها الإرهابية التي توجه حالياً ضد الجنود الشماليين وأبناء المحافظات الشمالية لكنها ستوجه قريباً ضد الجنوبيين أنفسهم، وما حصل في سوريا من صراع بين تلك المجموعات نفسها وبين الجيش السوري الحر ومختلف الفصائل المعارضة للنظام السوري خير مثال، بل إن تلك المجموعات تناحرت فيما بينها.

لست مع الحرب التي يخوضها أنصار الله في الجنوب، ولو كنت مكانهم لسعيت لإيجاد حل وتفاهم سياسي يسمح بانتقال السيطرة على تلك المناطق للحراك الجنوبي السياسي وللجان الشعبية الجنوبية غير المرتبطة بالمجموعات الإرهابية، وبما يضمن مغادرة الجنود الذين يخشى على حياتهم بشكل آمن وتسليم تلك المعسكرات بأسلحتها للحراك الجنوبي ولجانه، ومن ثم يمكن إيجاد حل سياسي لهذه الأوضاع لاحقاً في إطار حل القضية الجنوبية ولو عبر فك الارتباط إن كان ذلك هو خيار غالبية الجنوبيين.
ذلك الحل ينسجم مع سياسة أنصار الله تجاه القضية الجنوبية، وينسجم أيضاً مع أخلاقهم في الدفاع عن أفراد الوحدات العسكرية تجاه الاعتداءات التي تطالهم وبالأخص أنهم أصبحوا على رأس هرم سلطة الأمر الواقع ومن واجبهم الدفاع عن تلك الوحدات.

كما أن تلك السياسة – تسليم المناطق للحراك بالتنسيق مع أنصار الله- قد تجنب الجنوب وضعاً مأساوياً إذا ما استمر سير المعارك على هذا النحو، حيث أن السيطرة على الأراضي التي يتم تحريرها – بحسب توصيف الجنوبيين - تصبح للمجموعات الإرهابية، وسيكتشف أبناء المحافظات الجنوبية أن مشاركتهم في تلك المعارك سواء ضد الوحدات العسكرية أو ضد أنصار الله كان مقلباً كبيراً وفخاً نصب لهم ولحراكهم السياسي ولتطلعاتهم إلى الحرية وتقرير المصير.

لست من دعاة الوحدة أو الموت، ولن أقاتل ضد فك الارتباط، وسأدعم أي خيار يقرره أبناء المحافظات الجنوبية مهما كان، تلك مواقفي التي أعلنتها منذ سنوات ولا أزال متمسكاً بها حتى اللحظة، فقط أخشى على الجنوب من سيناريو سوري آخر، أخشى أن يتفتت معه الجنوب إلى دويلات صغيرة متناحرة.

حول الموقع

سام برس