بقلم/ احمد الشاوش
أرتبط غسيل الملابس في الثقافة الشعبية بالنظافة وازالة ماعلق بها من البقع الداكنة والاتربة ، وكان لصابون تايت الاصلي والناصع البياض الذي كان يأتي في كرتون جميل والاعلان عن أثره الفعال في تبييض الملابس واغراء المستهلك بهدية " كوب زجاج " ، ما يدفع الكثير من اليمنيين للاقبال عليه حُباً في اقتناء الكأس الزجاجي الجميل والنظافة الناصعة لتي تزيل البقع الداكنة للمواطنين ووساخة السياسيين.

اليوم تعددت مصانع ومنتجات الغسيل الصناعي ومرطبات البشرة وشامبوهات الجمال واسماء واكياس وألوان وماكينات النظافة ، في اليمن .. بعد ان تعدد مساحيق الغسيل الى ناصع البياض خاص بطبقة الاغنياء وناهبي الثروات ومغشوش المواصفات وغسيل مضروب يصيبنا بالحساسية وصابون مشي حالك بعد ان قطعت مرتبات الموظفين وذابت حقوقهم وأنصهرت في بوتقة المسبحين بالله ليل نهار كالملح .

والحقيقة ان كل مساحيق عالم النظافة والبشرة والجمال وأقنعتها بشهرتها ورداءتها ومواصفتها تهون ، الا صناعة ومنتجات سياسة غسيل المخ وتزييف العقل وتعبئة الوعي من قبل شياطين السياسة والاحزاب الفاشلة والجماعات القروية والمناطقية والسلالية والايدلوجية وأصحاب الشعارات والخطب الاستهلاكية والمنبرية والنظريات الذي ثبت انها لو غُسلت بماء المحيط الهندي لما ارتقت الى السمو الذي يحترم ارادة وحرية وكرامة وانسانية الانسان.

اليوم دخلنا عالم غسيل الادمغة والعقول وازالة الافكار المزهرة والخلاقة واستبدالها بالموروث الثقافي العقيم ، بعد ان صارت القوى العابثة والجماعات والانظمة الماكرة تمارس مهنة غسيل الفكر وتشكيل الوعي وبرمجة ثقافات وايدلوجيات المنتصر التي تفتقد الى لغة العقل والمنطق والقوانين الالهية وطبيعة وسليقة وفطرة الانسان التي ترفض التطرف في كل شيء

كان بعض اهل صنعاء يتوجهوا بملابسهم الى " المصبانة" خلف فندق سام وهو المكان الذي يتدفق اليه الماء الجاري من غيول سنع لى الغيل الاسود وغيره ماراً بشارع علي عبدالمغني ومسجد المتوكل وفي طريقه الى مايسمى محافظة صنعاء ومن ثم فندق هيلتاون قبل ان يتحول الى جامعة بيد الخمسة اهل الكساء ..

كان الناس يغسلوا ملابسهم بكل بساطة وتواضع ومعنويات مرتفعة وبالمجان قبل ان تدخل مؤسسة المياة على الخط وتتحكم في حنفية الماء ومخلفات الصرف الصحي وفرض اسعار جنونية في غياب الرواتب والحقوق ، وكذلك مؤسسة الكهرباء والصناعة والضرائب والجمارك التي رفعت كل شيء على حساب حياة ومعيشة المواطن الغلبان.

وفي تلك الايام الجميلة كان الناس اكثر بياضاً ونقاوة وشفافية ولطفاً وصدقاً وقناعة .. عاش الناس مستوري الحال وأكثر بساطة وتواضع وتقشف وسعادة ، فلاتدري الغني من الفقير ، لان الجميع كانوا يتمتعوا بمنظومة من الاخلاق والقيم والعادات والتقاليد والتسامح والتعايش ومخافة الله وأكثر تكافلاً وتراحماً وحباً وايثاراً ماجعلهم كالجسد الواحد والبنيان المرصوص.

وبفعل ثقافة الطمع والجشع وهيمنة مراكز القوى ، وفي ظل غياب الرقابة وانعدام الضمير تعدد الشياطين وتطورت الجريمة وتعددت فنون السرقة والنصب والاحتيال والتدليس والرشوة وصار للفساد رموز وجامعات ومدارس ومؤسسات وخبراء ومدربين لغسل ونشر ثقافة الفساد والافساد وغسيل الادمغة وتبييض الاموال بعد ان كان الناس يؤمنون بنظافة اليد والقلب واللسان ، وما عملية غسل أدمغة الاطفال والمراهقين والشباب والفتيات بشكل منظم في ظل وجود ثقافة الاستقواء والمال والسلاح والخطط والجهل والفقر والجوع الا عنوان للمرحلة الحالية التي تعكس غضب الشارع اليمني بطول اليمن وعرضها حتى بين ماتبقى من الشرفاء الذين يصطدمون بعواصف الفساد.

واذا كان المثل اليمني يقول "من قارب الكير يحرق ولا امتلا من غباره" ، فكم من جلساء السوء اليوم ورفقاء الباطل في الكثير من المؤسسات والمجالس والمقايل والحارات والشوارع والمقاهي والاسواق والفنادق واللوكندات ، يعيثون في الارض فساد.

وكم من الانتهازيين والمنافقين واللصوص والمرتشيين والمحببين والمحششين والمخدرين ومهربي الادوية والمبيدات السامة والمسرطنة واصحاب قوس قزح يعيشون بيننا دون أن ندري والبعض منهم يؤثرون في اطفالنا ويستقطبون المراهقين ويستغلون العاطلين ويدمرون الاخلاق ويهددون الوطن؟.

وكم من المشيشين والمشيشات والمطيرفين والمطيرفات ، والمتسولين والمتسولات والمشردين والمتشردات والهاربين والهاربات والمساجين والسجينات نتيجة للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية والبطالة ومدافع الفقر وسياسة التجويع والارث الثقافي الثقيل والصراعات والحروب العبثية التي حولت الشعب اليمني الى متسول ونازح ومشرد وهارب وقتيل وجريح ومعاق ومكتئب في غياب القدوة والعدالة والادارة الناجحة والرجل المناسب في المكان المناسب ؟.

كم نحن بحاجة ماسة الى تربية النشىء وتشديد الحرص والانتباه ومتابعة كل أب وام ابنائه وبناته وحمايتهم من شياطين الجن ومصايد الانس ومخاطر الغسيل السياسي والمساحيق الايدلوجية وتبييض صور المنحرفين قبل ان يصبحوا ضحايا للنُخب الفاسدة والاحزاب الفاشلة والجماعات المتطرفة والمدارس المفلسة والمنظمات والاوكار والشورع والمجالس والتجمعات والمؤسسات المشبوهة التي تهدم ولا تبني.

والحقيقة المؤلمة والخطر الحقيقي ان المشاهد للواقع السياسي والاجتماعي والايدلوجي والاقتصادي المضطرب اليوم يُدرك أن الاطفال والشباب والفتيات داخل بيت الاسرة بسلوك وفي المدرسة والجامعة سلوك آخر وفي المسجد سلوك وفي الشارع سلوك نتيجة للعولمة وماتنشره الفضائيات من مسلسلات وثقافات هابطة وماتصدره وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي من مخاطر تقود الى الفوضى والانحراف وضرب الاخلاق والقيم والتطرف والتشدد والتعصب ، لاسيما بعد ان دخلت القوى السياسية اليمنية في حرب ضروس وكل جماعة تحاول ان تستقطب وتجند وتعبي الشباب بإفكار خارجه عن قيمنا ومتجاوزة لديننا الاسلامي الحنيف واعرافنا واسلافنا وتقاليدنا الاصيلة.

هل سألنا انفسنا لماذا انتشرت موجة الالحاد في الفترة الاخيرة في المجتمع اليمني وما علي البخيتي الا مثال كبير على ذلك التوجة ؟.. هل لدينا مراكز للرصد والبحث عن اسباب يهودة وتنصر بعض اليمنيين وما دوافع تلك الردة هل كل ذلك مرتبط بالفقر والجوع والبطالة والركض وراء المال ، ام هو نتيجة طبيعية للخطاب الديني العدائي والصادم الغير متزن أم التأثر بثقافة الغرب والشرق ، ام بسبب انحراف السلطة أو غياب القدوه؟.

أخيراً .. كم نحن بحاجة ماسة الى خطاب ديني معتدل وخطاب سياسي صادق وبلد تُدار بالحكمة والكفاءة والخبرة والعقول بعيداً عن القروية والمناطقية والمذهبية والايدلوجية والسلالية والتبعية ..

ما احوجنا الى تفعيل لغة العقل والمنطق والواقع واحياء ثقافة العلم والمعرفة والحجة في مواجهة ثقافة الفساد والافساد وموجة التطرف والالحاد والانحطاط والانحلال والعمالة والارتزاق بعد ان أصبح كل من صعد الى السلطة بيده مصير الناس تحول الى تاجر وفاجر ومراوغ وحاقد في سبيل مصالحة الشخصية والنهاية يقول الله تعالى :

" أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ.." سورة النساء 119.

حول الموقع

سام برس