عبد الكريم المدي
هناك من يصرُّ على التغابي أو محاولات استغفال الآخرين والدفاع عن المجرم بصورة أو أخرى حينما يقول لك بكل برودة أعصاب وموت ضمير: «لا تهوّلوا المسألة كثيراً، بصراحة لا نستطيع أن نفهم الهدف الذي تأوّلونه وتقولون بأنه يقف وراء قيام السعودية وحلفائها بمنع أية سفينة أو طائرة أو ناقلة من الاقتراب من منافذ اليمن البرّية وموانئها الجوية والبحرية».طبعاً بعض «المباركين» من أصحابنا هكذا يحرقون أعصابك ويفطرون قلبك، وهم يكرّرون كلاماً كهذا يدافعون به عن جريمة بحق الإنسانية مكتملة الأركان والبراهين.

طبعاً كل من أتاه الله ضميراً حيّاً وعقلاً صاحياً وجسماً سليماً، سيقول لك: صحيح لا نستطيع فهم هذا الإجراء الإجرامي في سياق غير سياقه الطبيعي الذي يؤكد أنه يهدف إلى منع وصول القمح والدقيق والدواء والمشتقات النفطية والمواد الغذائية وقطع غيار المعدّات والآلات المختلفة وعلى رأسها الزراعية وكل شيء يتعلّق بأساسيات الحياة وضرورياتها.

إلى هنا تقريباً والكلام في منظور البعض قد يبد غير مخيف لدرجة يمكن أن نصف فيها هذا التصرّف السعودي تجاه الجار العربي اليمني بـ «الحقد الدفين والجريمة البشعة والكراهية المطلقة» التي يضمرها تجاه حوالي (30) مليون إنسان وكأنها جاءت الفرصة اليوم لقتله بشكل جماعي دون وازع من رحمة أو بقية من إنسانية وضمير.

تعالوا معي للمفيد الذي يختفي خلف شعارات الشقيق اللدود الذي يقول: إن الذي يؤكد أن ما يقوم به ما هو إلا من واجبات الجوار، ومن ضمنها حماية الشعب اليمني من الحوثيين ومن الفوضى ومن اتفاقية النقل الجوي المفعّلة مع إيران التي من خلالها كانت طائراتها حتى قيام السعودية بحظر أجواء اليمن تنقل ما تيسّر من غذاء ودواء وربما مهندسين ومختصّين في بناء المحطّات الكهربائية وإنشاء وتطوير الموانئ، حتى ولو نقلت خبراء عسكريين، فهذا من حق اليمن، على اعتبار إنها دولة مستقلّة وذات سيادة.

المهم دعونا من ذلك، وتبّاً لإيران ولخبرائها وطائراتها المدنية والعسكرية ولمساعداتها وتدخلاتها في بلدي الطاهر المطهّر من أي تدخُّلات خارجية بما فيها السعودية «وقد هي السعودية بكبرها وزلطها التي دائماً ما تحترم نفسها وحدودها ولا تتدخّل بشأن البلدان الأخرى».

على أية حال، هل تعلمون ما معنى الحصار البحري وعدم وصول السفن المحملة بالقمح والدقيق والزيوت والمواد الغذائية إلى موانىء هذا البلد أو ذاك؛ خاصة إذا كان بلداً كاليمن معتمداً في عيشته بشكل أساسي على ما تأتيه به سُفن الحبّاري وهائل وإخوان ثابت وشاهر والعيسي وغيرهم..؟!.

معناه يا ابناء اليمن انعدام تام لمادة القمح والدقيق وكل شيء يتعلّق بغذاء وطعام الإنسان، ومعناه أيضاً عدم وصول الدواء إلى المرضى والمعدّات الطبية للمستشفيات، وتوقف حركة النقل والزراعة والبناء بسبب عدم وجود المشتقات النفطية.

ومعناه أن الحركة التجارية والصناعية والانتاجية ستموت سريرياً، ومعناه أن مدن البلاد ستتحوّل إلى أشباح ومقابر جماعية، وعصابات وقُطّاع طُرق وعمليات سلب ونهب وقتل نفوس بريئة على كيلو طحين..!!.

ومعناه فوضى عارمة وهلع وتفكُّك شعوب وسقوط قيم وأخلاقيات وصفات حميدة، ومعناه أن نصف العام الأول من حصار كهذا سيقلب تقويم آخر يوم من شهره السادس على قلب آخر «سطل» تراب على قبر الضحية رقم (700,000) سبع مئة ألف ممن فارقوا الحياة جوعاً وسوء تغذية وانعدام دواء، طبعاً وخلّوا في بالكم أن أكثر من (90 في المئة) من ضحايا مذبحة جماعية كهذه هم أطفال دون سن الخامسة وفوق سن الخامسة أيضاً.

نحن لا نقول هنا كلاماً من الخيال، فالمأساة والجريمة التي أشرنا إليها سلفاً قد بدأت تتكشّف وبشكل واضح من خلال أزمة المشتقات النفطية وتوقف الزراعة والنقل، ضف إلى ذلك انعدام القمح والدقيق والمواد الغذائية من الأسواق، وإن وجدت؛ بالوساطة فهي بسعر مضاعف ولكم أن تسألوا عن السعر الجديد لكيس القمح الأحمر المعفّن في مناطق كوصاب.

أما مأساة حظر الطيران المدني من وإلى اليمن، فقد ظهرت نتيجته الأولى للعالم كلّه من أول يوم، بعد أن وجد (4962) شخصاً أنفسهم عالقين مقطوعين في مطارات القاهرة ودبي وجيبوتي وأديس أبابا وعمّان ونيودلهي وكوالالمبور وغيرها.

وللتوضيح إن نسبة كبيرة منهم عوائل «نساء وأطفال» وكذلك مرضى، أدّوا أول مران لهم بعد إجراء العمليات في التسوّل بالمطارات المذكورة بفضل «عاصفة الحزم».
أخيراً: هل هذا بالضبط ما تريده سُلطات ونظام الشقيقة الكبرى..؟! الإجابة متروكة لكم.

حول الموقع

سام برس