بقلم / نبيل نعمان
لقد ظلت مهمة بناء الدولة مطمح اليمنيين على مدى عقود قدم من أجلها الكثير من التضحيات والمحاولات أقترب بعضها من إنجاز ملامحها على المستوى النظري لكنها سرعان ما كانت تصطدم بجملة من العوامل المحبطة لهذا المشروع والحيلولة دون المضي به إلى الواقع الملموس .
إهدار فرص كثيرة في تحقيق هدف بناء الدولة اقتطعت جزءا كبيراً من المستقبل وتآكلت معه حماسات ورؤى وأفكار رصينة كان من الممكن أن تحدث فرقاً في حياة الناس والوطن إذا ما تم الأخذ بها ومراكمتها وتطويرها باستمرار .. وصولاً إلى اللوذ بالماضي ضداً على صيرورة التاريخ ونزوعه تجاه المستقبل بناء على معطيات الحاضر ومدخلاته . . هذه الدولة لاتزال تعيش في وجدان وعقل الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في وجودها والحامل الحقيقي لبقائها وتطورها لولا خذلانه وإبعاده - المقصود وغير المقصود - عن هذا المشروع والتعامل معه بخفة وتعال في الغالب واختزال دوره في جوانب ضيقة وهامشية وتغييبه عن قضاياه الكبرى وهو ما أفرز محاولات نهوض مشوهة ومدمرة في كثير منها .

الاستبعاد السياسي والاجتماعي للشعب أفضى بالضرورة إلى بروز قوى فوق شعبية تقرر مصير الوطن وفق رؤاها ومصالحها وأجندتها كشفت الأيام زيف أطروحاتها فيما دفع هذا الاستبعاد المواطن إلى مناطق مظلمة وظالمة افقدته رويداً رويدا روح المبادرة والفعل الايجابي وصولاً إلى تتويهه والعمل ضداً على مصلحته العليا في السياسة والاقتصاد والتنمية والاجتماع وكافة جوانب حياته حاضراً ومستقبلاً .
لم تكن الدولة حاضرة يوماً ما في أذهان الناس كما هي حاضرة اليوم بعد أن دخلت دائرة الخطر بفعل ممارسات هادمة لأركانها وأسسها والتفكيك الفعلي لأدواتها التي ظلت قائمة على أمل أن يتم تجديدها والبناء عليها مع الأيام وشكلت حصيلة تراكم سنوات من العمل صحيح انه لم يصل إلى حد الاكتمال والقدرة على فعل النهوض إلا انه يشكل مدماكاً يمكن التعويل عليه .

الكثير من المشاكل التي يعاني منها المجتمع اليوم ليست وليدة الصدفة بل هي نتاج لتراكمات من الاخطاء والخطايا وسوء الإدارة والاستبعاد الاجتماعي والسياسي شكلت في مجملها مدخلات خاطئة لتكون مخرجاتها مشوهة وعوجاء وبيئة مناسبة لبروز ظواهر مدمرة على المجتمع وأبرزها ظاهرة الإرهاب والعنف المنظم وكلها نتاج مجموعة عوامل فكرية وتربوية وتنموية مشوهة وفاقدة لأبجديات الحكم الرشيد والتحديث السليم وهو ما أفرز مجتمعاً تائهاً ومسلوب الإرادة غير قادر على تحديد بوصلته وموقعه بين الأمم ولهذا أصبح فريسة سهلة للتلاعب به فكراً ومصيراً .
استبعاد المجتمع وتجريده من حقه في التعليم والصحة والمشاركة الفاعلة لم تكن وحدها من أعاقت دوره في صناعة مستقبله بل ان السياسات الاقتصادية المنتجة للفقر والأمية والتهميش قيدت إرادة المجتمع وظلت الحكومات المتعاقبة تلقي على كاهل المواطن تبعات برامجها الاقتصادية وتخليها عن القطاع العام ظهر في زيادة البطالة والفقر بشكل مخيف عمقته الأزمات السياسية المتعاقبة ووضعته على حافة الانهيار وأرقام المنظمات الدولية تبرز صورة مرعبة لذلك ومآلاته ما لم يتم تدارك الوضع اليوم قبل فوات الأوان .
نقلا عن الثورة

حول الموقع

سام برس