بقلم / حمدي دوبلة
تقلبان الحق باطلاً وتجعلان من الباطل حقاً مبيناً وتعبثان بمشاعر الناس وتستخفان بعقول البشر وتعرضان البشاعة في أحسن الصور مصحوبة بأرق البسمات المرتسمة على وجوه الحسناوات.

نعم ما تطلقه قناتا الجزيرة والعربية ومشتقاتهما وما يدور في فلكهما من أكاذيب وأراجيف لا تقل خطراً وفظاعة عن ما تُرسله طائرات العدوان من صواريخ وقذائف على رؤوس الآمنين في صنعاء وعموم مناطق الوطن اليمني الجريح.
وإذا كانت طائرات العدوان تزهق بصواريخها الأرواح وتنسف كل ما ينبض بالحياة فإن ما تنفثه هاتان القناتان من سموم يرهق المشاعر ويستخف بالعقل البشري ويدمر الغيم والمبادئ التي تقوم عليها مهنة الإعلام كرسالة سامية
وذات أهداف إنسانية عظيمة .

حين تتفقان إزاء موضوع أو حدث ما ويتماشى ذلك مع أهواء ونزوات النظامين الممولين لنشاطهما كما هو الشأن في اليمن وسوريا وليبيا فإنهما تفجران في كذبهما وعندما تختلفان على غرار الأحداث والتطورات في مصر الحبيبة فإنهما تنكشفان ويبدو زيفهما ودجلهما في أوضح الصور والمشاهد.

قبل أكثر من عقد من الزمان هلل الناس في بلدان الوطن العربي الكبير لظهور قناة الجزيرة في قطر ورأوا فيها مشروعاً عربياً كبيراً من شأنه أن يعيد الاعتبار للإنسان العربي ولصورته التي تعرضت لتشويهات عميقة في المجتمعات
الغربية بفعل هيمنة الغرب على وسائل الإعلام العالمية وما صاحب ذلك من ظاهرة التدفق الأخباري الهائل من شمال الكرة الأرضية الغني إلى جنوبهاالفقير وما تترتب عنها من اختلال فاضح في موازين الرسالة الإعلامية ومستوى
صناعتها ما بين الأغنياء والفقراء على هذا الكوكب والذي انعكس سلباً على القضايا العربية والحقوق المشروعة للعرب والمسلمين ولشعوب العالم الثالث عموماً.

لقد رأى الناس في الجزيرة حينها بصيص أمل لتحسين صورة الإنسان العربي وإظهار الوجه الحقيقي للدين الإسلامي الحنيف الذي بات يوصف بالإرهاب والعنف والتطرف وهاموا فيها عشقاً بعد أن استطاعت استقطاب خيرة الكفاءات من العاملين في هذا الحقل الإنساني الهام ولم يمض وقت طويل حتى شعرت مملكة سعود بالامتعاض مما حققته دولة قطر الصغيرة من مكانة مرموقة بفضل قناتها التي ملأت الدنيا وشغلت الناس لتسارع إلى أنشاء قناة العربيةً والتي رأى فيها المواطن العربي مشروعاً مكملا
لشقيقتها في الدوحة.


هذا العشق لم يتوقف عند المواطن العربي البسيط والباحث عن العدالة والانصاف الإعلامي بل شمل أنظمة وزعماء دول راحوا يبدون إعجابهم صراحة بما تقدمه القناتان من رسائل هادفة وعلى مستوى كبير من المهنيه والاحترافية وبعيداً عن تأثير الدول الممولة لهما .. لكن هذا الاعتقاد سرعان ما تبدد ولم يطل الزمن كثيراً ليكتشف الجميع بأنه لم يكن سوى (سراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء) وبمجرد أن اندلعت ثورات ما عرف بالربيع العربي حتى زال القناع وبان المستور وتتضح الصورة على حقيقتها البشعة والتي أمعنت في جلد الإنسان العربي والإساءة لقضاياه وطموحاته وصار الإسلام بفضل ما تبثه القناتان أكثر تشوهاً وانتماء للتطرف والإرهاب والانحراف.

ومضت القناتان (العربية) (والجزيرة) تتبعان بجنون أهواء ونزوات النظامين القطري والسعودي وتجسدان شذوذهما وأمراضهما على الواقع وإذا بجيش الدولة الليبية كتائب تابعة للقذافي وعصابات الإرهاب والإجرام
التي عاثت فساداً وخراباً في البلاد جيش حر يسعى للتحرير وكذلك الحال بالنسبة لسوريا، فالجيش العربي السوري في وجهة نظر القناتين مليشيات تابعة للنظام وجماعات الضلالة وفرق الاقتتال والإجرام جيوش حرة تبحث عن
الخلاص.

أما في اليمن فحدث ولا حرج عن اسفاف وتخرصات القناتين فجيش اليمن صار مليشيات صالح والحوثي وعناصر الإرهاب مقاومة شرعية للاحتلال ودائماً ما يرددون بأن مليشيات الحوثي وصالح تهاجم المدن السكنية وتستهدف المدنيين وعند حديثهما عن سير المعارك ونتائجها فإن القتلى دائماً من مليشيات الحوثي وصالح وبالعشرات والمئات فيما رجال المقاومة حسب زعمهما لا يقتلون أبداً.

هذا التناقض الفظيع الذي تتحفنا به قناتا الجزيرة والعربية في الليل والنهار لا يكشف زيفهما وسقوطهما المهني والأخلاقي فقط وإنما يج يجعل منهما تحظيان وبامتياز كبير بلقب (الأكذبين) في هذا الزمان الغريب.
نقلا عن صحيفة الثورة

حول الموقع

سام برس