بقلم/ عبد الكريم المدي
مغفلون من يعتقدون إن إيران ستبذل جهودا استثنائية وأسطورية لوقف ما يجري من عدوان على اليمن وحرب داخلية أخذت كل شيء في طريقها.
مغفل من يعتقد أن دور إيران رباني وسيتطور ليتجاوز خُطب الجمعة العصماء والمناسبات الثورية في ساحات طهران وستتعدّى مواقفها تلك
الأوراق الجاهزة والمطبوع فيها عبارات وتصريحات مكررة يقرأها على وسائل الإعلام السيد عبداللهيان وكيل وزارة الخارجية. .

إيران أذكى من كل اللاعبين العرب والإقليميين وأذكى ممن يعتقدون أنفسهم حلفاءها الحميمين سياسيا وأيديولوجيا في المنطقة العربية.

وستظل ــ والأيام بيننا ــ تحتفل بتوقيع الاتفاقية النووية مع الغرب وتضيف لها بعض البهارات المتعلقة باحتفالات التقويم وعيد النيروز الإيراني .وسيستمر هذا الصخب وموشحاته يدندن لسنوات وسنوات قادمة وليس هناك من سبب مقنع من شأنه تغير ذلك وافساد فرحتها وشراكتها الجديدة مع الغرب المصحوبة بسعادة ومتعة عدّ ( 150) مليار دولار ستُحوّل قريبا لخزينتها كدفعة أولى والتي هي عبارة عن أرصدة مجمدة في بنوك أصدقائها أبناء العم سام في أوروبا وأميركا.
انظروا لمعطيات الواقع بدون تقيّد بالعواطف التي محقت فكرنا طوال قرون. وستجدون إن إيران ليس معها وقت فائض تهدره من أجلنا..فهي منشغلة
تماما بمشاريعها واستقبال مارثونات وفود الشرق والغرب التي ستنطلق بأقصى سرعة نحو التبرك بعمامة المرشد الأعلى وكسب وده ورضاه الذي
سيعبّر عنه بإشارات بسيطة من بنانته الصغرى المطوقة بخاتم الطُّهر( المتوارث لدى أجيال بيت النبوة المباركين ) .

أما فحوى تلك الإشارة فهي عبارة عن تصريح بالموافقة على عقد صفقات تجارية واستثمارية بعشرات المليارات من الدولارات .

وما مراثون وصورة نائب أنجيلا ميركل والوفد الاقتصادي الكبير المرافق له وهم باسمون سعداء يتبادلون مشاعر الود مع نظرائهم في طهران مؤخرا إلا خير دليل على ذلك وقد سبقهم الأنجليز وسيلحق بهم الفرنسيون خلال هذا الأسبوع .

إيران عكس أصحابنا في دول الخليج فهذه الدولة العميقة حقّا لا تدفع شيئا لأحبابها الأوفياء هنا وهناك ولا تضحي لخاطر عيونهم الكحيلة بشئ مهما
كان حجم مصالحها التي يمكن تحقيقها عبرهم ..

لقد علمتنا التجارب والأحداث أن الجمهورية الإسلامية لا تقدم أكثر من خطبة ثورية شديدة اللهجة يسبقها عادة أويعقبها تصريح مقتضب لمصدر
مسؤل في مكتب دائرةشؤن العربان بخارجيتها أو من طرف عمدة طهران أو قم..

بينما ملوك ومشائخ البحيرات العظمى للنفط العربي يدفعون أمولا كثيرة للشرق والغرب .الشمال والجنوب .للأصدقا والأعداء. للحكومات والأشخاص .للفاسدين من دون الشرفاء طبعا.. ولرجالات الدين والجمعيات والمشائخ، و من غير أي خطة..

المهم أنهم يدفعون وفي الأخير تجي تحسب نتيجة ومكاسب كل هذا الضخ فتجد نفسك أمام خسائر ومآسي من العيار الثقيل لو كانت
تحدث في دول ديمقراطية لذهبت بحكوماتها للجحيم وغياهب السجون ومقاصل الإعدام.

للأسف الشديد يجب أن يقرّ الجميع بأن سياسات أشقائنا في الخليج تجعلنا في حالة خسران دائم لكل شيىء حتى الهوية العربية أخذت تتسرب
من بين أصابعنا ..

حكومات الخليج لم تحصد مقابل ذلك الانفاق والسياسات العقيمة إلا ظهور جماعات متطرفة أكثر عدوانية وقتلا..من دون تسجيل أي علامة يكسبون من خلالها حلفاء عقلاء , أقوياء. أصحاب مشاريع ورؤى عصرية على الأقل تخدم المشروع الخليجي في المنطقة ، وإن كان مشروعا بدون مشروع..

وعكس هذا الواقع تماما نجده عند خصمنا المتربّص المفترض في الضفة الشرقية من الخليج الذي يخدمه حلفاؤه بوعي وبدون وعي وإن كان على حساب شعوبهم وأمنها وعروبتها ومستقبلها ولا يحصلون مقابلا لذلك أكثر من هدية عظيمة تكون عبارة عن ( سي .دي) ومسبحة للمرشد الأعلى ويتضمن هذا الــ ( سي . دي) المبارك هبة عظيمة ليست أقل من تسجيل لآخر خطبة من خُطب يوم الجمعة التي القاها سماحته ( قدس الله سره ).

إيران تستطيع أن تشغل العالم العربي لعقود بثورات وصراعات وهمية من خلال توظيف بعض القنوات الفضائية مع صرف مليون دولار أو اثنين لمندوبيها وتُخصّص طبعا لتجهيزات لوجستية معينة ونثريات بسيطة وشراء أقمشة ولوحات ورايات متعددة الألوان ومعها سلاسل حديدية تليق بعذابات المؤمنين اللذيذة وغير ذلك من لوازم وأدوات التثوير والتهييج والبكاء ..

بينما الدول الخليجية قد تصرف (100) مليار دولار في ظرف سنوات معدودة ومع هذا لا تستطيع أن تجني من ورائها أكثر من ايجاد جمعيات خيرية أو أسواق جديدة للرق المعاصر متخصصة ببيع الأسرى والسبايا من النساء والأطفال .

اضف إلى ذلك زوابع لجماعات تجمعها كالغجر أهداف عامة وثابتة تدور كلها حول القتل ونهب البنوك وتفرقها كالضواري التنافس على مناطق النفوذ وبعض الاهتمامات الأخرى كطرق القتل وزواج الجهاد .

حلفاء إيران في المنطقة مخلصون للإمامين ( الغائب ) و( المرشد) وشعارات الثورة الإسلامية.
وحلفاء الخليج في الجزيرة والمنطقة العربية مخلصون للدولارات ولأيمن الظواهري وأبي بكر البغدادي ولاستثماراتهم شرقا وغربا.

إيران وظّفت القضية الفلسطينية وحركة حماس وجماعة حزب الله و(الأنصار) وجبهة الوفاق وخلافها الظاهري مع الغرب.لخدمة مشروعها .والحق يُقال فقد نجحت في ذلك نجاحا مذهلا وهي (طارحة رجل على رجل).

وفي المقابل وظّفت السعودية والخليج التحالف الوثيق المعلن والمخفي مع الغرب والقضية الفلسطينية وحزب الله وجبهة الوفاق والحوثيين وشيعة المنطقة وسنتها والإخوان والسلفيين والحركات اليسارية واليمينية والقوميين والغزو السوفيتي لأفغانستان وحروب الشيشان والبلقان وغيرها.ضد نفسها وضد دول وأنظمة المنطقة العربية وضد الهوية والمستقبل.

إيران استفادت من ثروتها النفطية لتنشىء صناعات ثقيلة وتكنلوجيا لدرجة أن نسبة دخلها القومي وصادراتها منها بلغت( 70%) مقابل (30%)
من الصادرات النفطية ..

وإخواننا في الدول الخليجية لا يوجد لديهم شيء اسمه صادرات خارجية. خصوصا إذا ما علمنا إن صادراتهم النفطية تُمثّل أكثر من( 90%) من
عموم الصادرات والدخل القومي لدولهم.

إيران لديها مصانع بمواصفات عالمية تُصنّع المركبات والناقلات الضخمة والمعدات الزراعية وآلات ومعدات الشق والسفن ووسائل النقل وتمتلك مراكز بحث عصرية ومفاعلات النووية وعشرات الآلاف من أجهزة الطرد النووي المركزي وآلاف العلماء في مختلف المجالات .

وفي خليجنا العربي لا يمتلك بنو عمومتنا أكثر من مصنع بيتروكيماويات في السعودية صار مؤخرا بعهدة الأمير محمد بن سلمان ومصنع للحديد ومجموعة أبراج سكنية أهمها برج الرياض وبرج الملكة وبرج خليفة وبضع مصانع بسيطة لتعبئة العطور وأدوات التجميل المقلدة في دبي ومعامل للملابس النسائية الداخلية المثيرة لغريزة الرجل العربي الفحل.
رغم إن إيران لم تدعم الخزينة اليمنية يوما حتى بمليون دولار دفعة واحدة أو تبني مدرسة أو قاعة للمحاضرة في إحدى الكليات الجامعية أوتنفذ (20) كيلو متر كطريق اسفلتي أو تبني مستشفى ــ إذاما أستثنينا من باب الانصاف حتى ولو كان مستشفى ضرار ــ المركز الطبي الإيراني بصنعاء الذي كان على ما أذكر . يقدم خدمات طبية كغسيل الفم ومشاكل اللثة وتآكل الأسنان لدى شريحة الموالعه من المخزنين غالبا ومعهم المدمنون على أكل الشيوكلاتة وتعاطي مادة الشمة البيضاء، وربما الحال نفسه ينطق على البلدان التي لطهران فيها ثقل كبير..

رغم كل هذا البخل والجفاف ، لا أنه وبمجرد ما يقول السفير الإيراني في إحدى عواصم هذه الشعوب ( أحم أحم ) إلا وتجد محبيّ( المرشد ) يتحركون على كافة المستويات ماثلون بين يديه مرددين (شُبيك لبيك كل المجاهدين والثوار بين يديك) .

الخلاصة ما نتمناه صادقين من اليمنيين الذين يعولون على إيران في القيام ببطولات وإنتصارات عابرة للحدود لخاطر عيونهم ، أن يفيقوا من هذا الغيبوبة ويدركوا يقينا حقيقة أن الأشقاء في فارس لن يكلفوا أنفسهم العناء ويستبدلوا لعبة الشطرنج في اليمن تحديدا بلعبة السلة أو الرماية حتى بالفشنك.

وفي الطرف الآخر على حلفاء وأنصار المملكة والدوحة وأخواتهما التقليل من الاعتماد عليها في لعبة رد الاعتبار وكسر الإرادات.

وليعمل الجميع لعودة كافة الأطراف والقوى السياسية لطاولة الحوار الجدّي والندّي.
أخيرا:
اسمحوا لي أستعير كلاما مهما من منشور قيم للأستاذ القدير المهندس هشام شرف عبدالله..
(اليمن بحاجة لعقلاء وحكماء ينأون بأنفسهم عن الارتباط بهذا الطرف أو ذاك, ويضعون مصلحة الشعب في المقام الاول.

ثم يأتي من يدير شؤون الناس بتجرد كامل عن أي مصلحة شخصية أولجماعة)
نقلا عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس