سام برس / متابعات
غالبا عندما يجتمع طاقم مميز في فيلم واحد، فإن النتيجة تكون إما فيلما عظيما للغاية، أو فيلما سيئا للغاية، وفيلم Southpaw يجتمع فيه المخرج أنطوان فوكوا (صاحب فيلم Training Day)، والمؤلف كورت سوتر (مؤلف مسلسل Sons of Anarchy)، بالإضافة إلى طاقم تمثيل يتقدمهم جيك جيلينهال، الذي يعيش أفضل فتراته الفنية كممثل في الوقت الحالي، والممثل المميز فوريست ويتيكر.. فماذا ستكون نتيجة هذا التعاون؟

القصة والسيناريو
تدور قصة الفيلم حول الملاكم "بيلي هوب"، أحد أبرز الملاكمين في العالم، والذي لم يخسر أبدا في أي نزال، ومحاولات من زوجته بأن يعتزل الملاكمة حتى لا يصاب بإصابة قوية، خصوصا مع انخفاض مستواه تدريجيا في السنوات الأخيرة، وبالفعل يقترب من اتخاذ قرار الاعتزال، ولكن حدثا ما يدفعه لتغيير خطته وحياته بالكامل.

الفيلم به العديد من "إكليشيهات" أفلام الملاكمة المعتادة، والتي لم يستطع أي فيلم في القرن الـ 21 بأن يفلت منها سوى فيلم Million Dollar Baby من بطولة هيلاري سوانك، ولكن بالرغم من تلك "الإكليشيهات" إلا أن الفيلم استطاع أن يتخطاها ويحولها لنقطة ليست بالسلبية، بل إيجابية في بعض الأحيان، بفضل الأداء المميز لطاقم التمثيل، والمخرج أنطوان فوكوا، والسيناريو المتوسط المستوى من كورت سوتر، الذي يقدم أول أفلامه بعد مسيرة تلفزيونية مميزة.

والتزم كورت سوتر بقواعد السيناريو العامة بشكل مثالي، فاستعرض حياة البطل الوردية في البداية، ثم الحدث الذي يغيّر الفيلم في الدقيقة الـ 30، ومن بعدها رفض البطل للرحلة المقررة له، ثم الدافع الذي يجبره على الخضوع إلى الرحلة والاستمرار فيها، ولم يجازف كورت سوتر في السرد وقدمه بالشكل الطبيعي المعتاد، وهو شيء لا يعيبه على الإطلاق، بل بالعكس فقرار سوتر كان حكيما للغاية، وجعل أحداث الفيلم تبدو واضحة ومنظمة وإيقاعها سريع، ولكن كان عليه أن يعوّض السرد العادي بحوار مميز في بعض المشاهد، خصوصا أن الأحداث والمعاناة التي عاناها بطل الفيلم سنحت العديد من الفرص لسوتر بأن يقدم حوارا استثنائيا، خصوصا الذي بينه وبين مدربه، ولكن بشكل عام كان السيناريو جيدا، ولكن سوتر كان محظوظا بأن فيلمه وقع في أيدي مخرج وممثلين مميزين.

الأداء التمثيلي
لا يحتاج جيك جيلينهال أن يثبت بأنه من أفضل الممثلين في وقتنا الحالي، فهو بالفعل قدم كل الإثباتات على مهارته، وما يفعله حاليا هو الاستمرار في أدائه المميز والاستثنائي في السنوات الأخيرة، وتعرّض جيك لظلم فادح العام الماضي 2014 بعدم ترشحه للأوسكار عن فيلم Nightcrawler، على الرغم من تقديمه لأداء رائع فيه، فضلا عن أدائه الأسطوري في فيلم Enemy، والذي يعتبر أفضل أدواره على الإطلاق، وبعيدا عن الأداء التمثيلي – مؤقتا – فجيك جيلينهال يستحق التحية على المجهود الجبار الذي قدمه في تحويل هيئته ووزنه من فيلم Prisoners مرورا بـ Nightcrawler ونهاية بـ Southpaw.. أداء تمثيلي مميز من جيك في مشاهد الحلبة، ورائع للغاية في مشاهده مع ابنته أونا لورانس.

أعتقد أن فوريست ويتيكر تعرّض لظلم غير مباشر في هذا الفيلم، فشخصية المدرب ظلمها السيناريست كورت سوتر بشدة، فالشخصية مميزة وغنية، ولكن لم يتم استغلالها بشكل مناسب في السيناريو، فتم تقديمها كسنيد مع لمحات بسيطة من خلال الحوار عن تاريخها، وفوريست ويتيكر ممثل عبقري، وأعتقد أنه لو كانت تلك الشخصية مكتوبة بشكل أفضل ولها مساحة أكبر في الفيلم لحجز ويتيكر بها مكانا في ترشيحات الجوائز لهذا العام.

فوريست ويتيكر وجيك جيلينهال في Southpaw
فوريست ويتيكر وجيك جيلينهال في Southpaw

قدمت الطفلة الصغيرة صاحبة الـ 13 عاما أونا لورانس أداء عبقريا في الفيلم، بل أعتبره الأفضل بالنسبة لممثلة صغيرة في السن منذ أداء كوفانجينيه والاس في Beasts of the Southern Wild في سنة 2012، إذ جاءت مشاهدها مع جيك جيلينهال عبقرية، وقدمت في مشهد النزال الأخير تعبيرات بوجهها لا يجيدها إلا ممثل مخضرم يملك خبرات تمثيلية كبيرة، ولكي نعطي كل ذي حق حقه، فإن سوتر أبدع في كتابة تلك الشخصية، واعتبرها أفضل شخصيات الفيلم على الورق.

أونا لورانس في مشهد من فيلم Southpaw
أونا لورانس في فيلم Southpaw

الإخراج
يبدو أن أنطوان فوكوا قرر أن يستفيق من غيبوبته، ويعود مرة أخرى ويستحضر روحه في فيلم Training Day، فكانت البداية في العام الماضي بفيلمه The Equalizer، ثم Southpaw هذا العام استعدادا للعمل الأكبر الذي يراهن عليه في العام المقبل 2016، وهو تقديم إعادة لفيلم The Magnificent Seven أو "العظماء السبعة".

وقدم فوكوا أفضل ما يمكن تقديمه من سيناريو الفيلم، فمشاهد النزال كانت عبقرية، خصوصا النزال الأخير الذي تبلغ مدة عرضه 17 دقيقة، ولم ولن تشعر خلاله بأي ملل، بل ستشعر بأنك تريد أن تستمر المباراة لوقت أطول، بل وإضافة المزيد من الجولات.

ويُعاب على أنطوان فوكوا فقط في فيلم Southpaw هو عدم اهتمامه بمشاهد الاستعداد للنزال، أو ما يُطلق عليه في أفلام الملاكمة "المونتاج"، وعدم استخدام أغنية الفيلم I’m Phenomenal بالشكل المناسب في الفيلم، فقدم إيمينم أغنية مميزة بإيقاع ممتاز، وأنا كمشاهد كنت طوال الفيلم أنتظر مشهد تدريبات جيك جالينهال، واستعدت ذكريات Going The Distance، وI’m Gonna Fly Now مع "روكي"، مع الفارق بالطبع الذي يصب في صالح روكي – ولكن Southpaw أحبطني بمشهد استعداد مدته أقل من 3 دقائق.
ملحوظة أخيرة
أرى أن أحد الأسباب التي قللت من نجاح فيلم Southpaw هو إعلانه الترويجي، الذي اعتبره شخصيا أسوأ إعلان ترويجي لـ 2015 لسبب واحد فقط، وهو إفساده للأحداث بصورة كبيرة، فشاهدت في الشهور الثلاثة الماضية 3 إصدارات من الإعلانات الترويجية للفيلم، وبدون مبالغة فإن تلك الإعلانات أفسدت ما يقرب من 60 دقيقة من أحداث الفيلم.. نصيحة: إذا أردت الاستمتاع بالفيلم فلا تشاهد أي من إعلاناته الترويجية.


التقييم النهائي
فيلم جيد جدا، أداء تمثيلي عظيم، وإخراج مميز، وسيناريو جيد، وأغنية رائعة من إيمينم، ولكن يعيب الفيلم كما ذكرت في السابق بعض الإكليشيهات، والحوار في أغلب المشاهد لم يقدم جملا حوارية مميزة تعلق في الأذهان، بالإضافة إلى عدم الاهتمام ببعض الشخصيات التي كانت تستحق اهتماما أكبر (7/10).

حول الموقع

سام برس