سام برس
تعد مدينة مانشستر من أهم مدن الشمال الإنجليزي، ومنها بدأت الثورة الصناعية التي عمت كل أوروبا في عصر النهضة. احتلها الرومان وأطلقوا عليها هذا الاسم الذي يعني «مدينة التل». وهي تشتهر بالتسوق وبجامعاتها الأربع وبأكبر ناطحة سحاب خارج لندن. كما تصل إليها رحلات طيران مباشرة من منطقة الخليج. ولكن أغلبية من سمعوا عن المدينة يعرفونها بفضل أشهر ناد كروي في العالم، وهو «مانشستر يونايتد». وتتيح زيارة مانشستر سياحيا فرصا متعددة للتعرف على واحدة من أهم المدن البريطانية بعد لندن.
وهي ثالث أكبر مدينة بريطانية بتجمع سكاني في مانشستر الكبرى يصل إلى مليونين وربع المليون نسمة. ولكن مدينة مانشستر نفسها لا تضم أكثر من نصف مليون نسمة. وهي موقع حيوي للفنون والتعليم العالي والرياضة والتجارة. ويبدو أن نصيب مانشستر هو الموقع الثالث في كثير من المجالات، مثل إقبال الشركات عليها وزيارة السياح لها. ولكنها في السنوات الأخيرة احتلت مركز ثاني أكبر مدينة بريطانية بعد لندن، وأزاحت برمنغهام من هذا الموقع.
ويذكر الفلكلور الإنجليزي أن الثورة الصناعية بدأت في مانشستر حيث كانت مركزا لتصنيع القطن حينذاك. وتدرس منظمة اليونيسكو حاليا طلبا من المدينة بوضع مناطق تصنيع في مركزها ضمن التراث العالمي، لأنها تتميز بقنواتها المائية المتقاطعة ومصانع القطن القديمة. وتختلف الآراء في أصل الاسم، ولكن الأقرب إلى الصحة هو أنه اسم روماني يدل على موقعها، ويعني «مدينة التل».
ولكن أصول المدينة تعود إلى ما قبل العهد الروماني حيث تم الكشف قبل عدة سنوات أثناء مد مدرج مطار مانشستر، عن آثار لتجمعات سكانية بدائية تعود إلى العصر البرونزي على ضفاف نهر بولين. وبعد الغزو النورماندي لإنجلترا في عام 1066، استمرت المدينة في التوسع والتخصص في صناعة الغزل والنسيج، ووفد إليها العمال المهرة من داخل وخارج بريطانيا. واستمر هذا التوسع عبر العصور الوسطى. وتحولت المدينة من غزل الصوف إلى غزل القطن، كما توسعت تجارتها مع فتح ميناء بحري لها كان بمثابة نافذة استيراد للقطن الخام وتصدير المنسوجات. كما ساهمت القنوات المائية في فتح مجالات نقل الفحم، وهو وقود ذلك العصر، من مناطق بريطانية أخرى.
وأثناء الثورة الصناعية، نجحت مانشستر بفضل المنافسة في خفض تكلفة وقود الفحم وبالتالي تكلفة نقل القطن الخام إلى النصف. واستقبلت المدينة أول محطة قطار سريع إليها في القرن الـ19، وافتتحت فيها أول بورصة للسلع خارج لندن، كما تكونت فيها مدرسة الاقتصاد الحر التي كانت تعرف باسم مدرسة مانشستر. وكانت المدينة سباقة في الكثير من المجالات إلى درجة أن أحد الصناعيين فيها قال: «ما يحدث اليوم في مانشستر يحدث غدا في بقية أنحاء العالم».
ونشأت في المدينة أيضا أول حركة عمالية كونت نقابات طالبت بحقوق عادلة للعمال الذين ساهموا في صنع الثروات للطبقة الأرستقراطية. ومنها نشأ حزب العمال الذي تحول إلى حزب سياسي.
ويمكن القول إن العصر الذهبي لمانشستر كان خلال الربع الأخير من القرن الـ19. ففي هذه الفترة بنيت معظم معالم المدينة التي تدل على ثروتها، وتأسس فيها كثير من المعاهد والمؤسسات الفنية، مثل أوركسترا هالي الشهير. ولكن المدينة التي استفادت كثيرا من عصر الرخاء الصناعي كانت أيضا الأكثر معاناة أثناء فترة الكساد العظيم بين الحربين العالميتين.
وكان واضحا أن الثورة الصناعية تتغير إلى عصر مغاير فقدت المدينة معه موقعها المتميز، وتحملت فوق هذا هجمات الطيران الألماني الذي دمر كثيرا من معالمها ومبانيها التاريخية أثناء الحرب العالمية الثانية.
ولم تسلم المدينة من الإرهاب، حيث تكررت فيها هجمات الجيش الجمهوري الآيرلندي من العشرينات، وحتى عام 1996، الذي شهد تفجيرا مدويا لأكبر قنبلة تنفجر على أرض بريطانية. وأسفر التفجير عن جرح نحو مائتي شخص وتحطيم نوافذ زجاجية على بعد نصف ميل من الموقع، وبلغ حجم خسائر هذا الهجوم الإرهابي 400 مليون إسترليني. وأسفر الهجوم عن إفلاس كثير من الشركات والأعمال الصغيرة.
ولكن مانشستر نهضت منذ ذلك الوقت ونفذت خطة معمارية لإحياء وسط المدينة، وبها الآن أكبر مركز تسوق في بريطانيا اسمه «مانشستر ارنديل» كما تم بناء أكبر ناطحة سحاب في بريطانيا خارج لندن، وهي تحمل اسم «بيثام تاور».
وتتميز مانشستر بطقس أكثر اعتدالا من بقية أنحاء إنجلترا، كما أن موقعها هيأ لها نسبة رطوبة معتدلة ساهمت في نجاح صناعة النسيج في الماضي. ولا تزيد أيام المطر في مانشستر عن 140 يوما سنويا بالمقارنة مع 154 يوما في أنحاء إنجلترا الأخرى.
وتعيش في مانشستر أكبر جالية مسلمة في بريطانيا تكون فيما بينها نحو 10 في المائة من سكانها. وهناك كثير من المساجد والمطاعم الحلال والشرق أوسطية والهندية تنتشر في أرجائها. ويمكن للزائر أن يصل إليها مباشرة برحلات طيران دولية أو برحلات داخلية من لندن أو مدن بريطانية أخرى. كما تنطلق رحلات قطار منتظمة من لندن عدة مرات يوميا. وداخل المدينة نفسها تنتشر شبكات الباص والترام لتربط ضواحيها.
* الفنون والموسيقى فنيا تستضيف مانشستر فرقتي أوركسترا هما هالي وأوركسترا بي بي سي. وتعتبر مانشستر من مراكز بريطانيا الشهيرة في تعليم الموسيقى، وبها كلية الموسيقي الملكية الشمالية ومدرسة تشيثام للموسيقى، كما تقع في مانشستر قاعة «إيفننغ نيوز ارينا» لحفلات الموسيقي، وهي الأكبر حجما في أوروبا، وتتسع لنحو 21 ألف متفرج. وهناك قاعات أخرى أصغر حجما مثل أبوللو وأكاديمي، بالإضافة إلى عشرات القاعات الصغيرة. وبها دار للأوبرا وثلاثة مسارح كبيرة. كما ظهرت في مانشستر كثير من الفرق الموسيقية الناجحة، ولكن ليس على مستوى البيتلز الذين بدأوا حياتهم في مدينة ليفربول. وهناك كثير من الكتب التي تصف الحياة في مانشستر تاريخيا، كما أن الروائي تشارلز ديكينز اختار مانشستر مسرحا لرواية «هارد تايمز».
ويقصد كثير من الطلبة جامعات مانشستر التي تضم جامعة تحمل اسم المدينة وتعتبر الأكبر حجما من حيث عدد الطلبة في بريطانيا، وأخرى تحمل اسم «مانشستر متروبوليتان». وتجتمع مراكز هاتين الجامعتين بالإضافة إلى جامعة الموسيقى الملكية في الحي الجنوبي، وجامعة رابعة تكتمل بها منظومة التعليم العالي في المدينة، لتكون فيما بينها أكبر تجمع تعليمي في موقع واحد على المستوى الأوروبي.
ومن ناحية الإعلام، تتمتع مانشستر بموقع فريد حيث تقع فيها كثير من شركات الإعلام الناجحة مثل شركة «غرانادا»، وفيها أيضا يتم إنتاج حلقات تلفزيونية ناجحة تبث خمس مرات أسبوعيا في بريطانيا ويشاهدها الملايين، وهي حلقات «كورونيشن ستريت». وتعتبر المدينة مركزا رئيسا للتلفزيون البريطاني (بي بي سي)، ويتم إنتاج الأخبار وبرامج الأطفال منها. وللمدينة قناة تلفزيونية خاصة بها.
وكانت مانشستر موقعا لكثير من الأفلام السينمائية منذ عصر الأفلام غير الملونة. وهي تستضيف سنويا مهرجان سينمائي دولي. ومما يذكر أن صحيفة الـ«غارديان» البريطانية، بدأت في مدينة مانشستر عام 1821، ولم تنتقل إلى لندن إلا في عام 1964. كما تحتفظ كثير من الصحف البريطانية بمكاتب رئيسة في مانشستر. وتوجد كثير من القنصليات الأجنبية في المدينة.
وتتفوق المدينة في الرياضة أيضا، حيث تستضيف اثنين من أكبر أندية كرة القدم في الدوري الإنجليزي، هما مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي. واستضافت المدينة في عام 2002 دورة ألعاب الكومنولث، كما ساهمت في توفير مواقع تدريب رياضي لدورة الألعاب الأولمبية التي استضافتها لندن في عام 2012. وحاولت المدينة أكثر من مرة المنافسة على استضافة الدورات الأولمبية، ولكنها خسرت مرتين أمام أتلانتا في عام 1996 وسيدني في عام 2000.
* مانشستر يونايتد أشهر ناد لكرة القدم في العالم هناك نحو 50 مليون مشجع لنادي مانشستر يونايتد حول العالم، مما يجعله الأشهر والأكبر حجما من حيث عدد مشجعيه. ويعتبر استاد النادي المسمى «أولد ترافورد» أكبر ملاعب بريطانيا بعد استاد ويمبلي الجديد. وهو أيضا من أنجح النوادي في الإنجاز، وكان أول نادٍ إنجليزي يفوز ببطولة أندية أوروبا في عام 1968، عندما فاز النادي على بنفيكا البرتغالي 4/ 1. وكرر النادي فوزه ببطولة أندية أوروبا في عام 1999، كما فاز ببطولة كأس اتحاد الكرة الإنجليزي 11 مرة، وهو رقم قياسي.
وهو أيضا من أغنى الأندية وأكثرها ربحا. وكان النادي قد تأسس في عام 1878 باسم «لانكشير ويوركشير ريلواي»، وكان الفريق يرتدي قمصانا باللونين الأخضر والذهبي. وفي بدايات القرن الـ20 أشرف الفريق على الإفلاس، وتم الحجز على ملعبه. ولم ينقذ النادي إلا تدخل أحد أثرياء مانشستر الذي أصبح رئيس النادي بعد تسديد ديونه. وفي أحد اجتماعات مجلس الإدارة اقترح عضو إيطالي الجنسية إطلاق اسم مانشستر يونايتد على النادي، وتم ذلك رسميا في 26 أبريل (نيسان) عام 1902. تم أيضا في العام نفسه تغيير ألوان النادي لكي تكون الأحمر والأبيض.
* مانشستر: نقطة انطلاق لزيارة معالم شمال إنجلترا من مزايا الزيارة الطويلة أو السياحة العابرة لمدينة مانشستر أنها تقع في منطقة ثرية بالمعالم التي يمكن زيارتها عبر رحلات قصيرة من المدينة لا تستغرق إلا بضع ساعات.
وتشمل هذه المعالم منطقة البحيرات القريبة وحديقة «جودريل بنك بارك» العلمية ومدينة ملاهي ألتون تاورز، ومحمية طيور «مارتن مير» في لانكشير، بالإضافة إلى كثير من حدائق الأسماك ومعارض الفنون والكهوف الطبيعية والقصور التاريخية، وحدائق الحيوانات.
ومن المدن القريبة التي يمكن زيارتها أيضا تشستر ولانكاستر وليفربول ويورك، ولكل منها مزايا سياحية خاصة بها. ولا تبعد هذه المدن سوى ساعة واحدة بالسيارة عن مانشستر. كما ترتبط المدينة بشبكة مواصلات جيدة تربطها بما حولها من معالم ومدن.

حول الموقع

سام برس