بقلم / يونس الحكيم
في مشهد لم يألفه الشارع العربي  ونخبه السياسية من قبل، أقدم زعيم أكبر حزب معارض في المغرب على تقديم إستقالته طواعية من منصبه كرئيس للحزب مطلع شهر إغسطس من العام الجاري، مرجعا أسباب ذلك إلى شعوره بخيبة أمل من حصيلة حزبه خلال محطات إنتخابية وسياسية ماضية.

وأعتبر زعيم حزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري الذي إحتل المرتبة الثانية في الإنتخابات البرلمانية التي شهدتها المغرب في العام 2015م، بأن إستقالته ليست وليدة شعور إنفعالي، بعكس ما يراها أمر محفز له للعمل من داخل الحزب، وتحت قيادة حزب جديد يختاره الحزب.

وحضيت هذه الخطوة بأشادات واسعة من قبل متابعين عرب وأجانب ، كون الشارع العربي لم يألف من ساسته حكام كانوا أو معارضين الإقدام على مثل هكذا خطوة،والتي تعد في نظر البعض صفعة قوية لكل النخب السياسية العربية عموما.

فلم يعتاد الشارع العربي  من السياسيين تقديم أي منهم إستقالته مهما بلغت درجة أخطاءهم،كون التشبث بالزعامة هي السمة السائدة للنخب السياسية العربية سواء كانوا في مواقع السلطة أو المعارضة، فضلا عن إجادتهم في  إلقاء اللائمة كل منهم على الأخر،دون أن يكترث أيا منهم لأخطاءه.
فنحن في اليمن مثلا لا نعول كثيرا على نخبنا السياسية للإقتداء أوالتحلي بالاخرين، لإننا عهدنا فيهم تغليب مصالحهم أولا على ما سواها،فلم يجلبوا للوطن والشعب  سوى الكوارث  وإفتعال الأزمات وإصطناع الحروب،  حتي أوردوا  الوطن المهالك وأدخلوه أنفاق مظلمة.

وليتهم  إقتنعوا  بماحصل ويحصل،وبالذي كانوا سببا به، أوتسألوا : عن مالذي قدموه لهذا الوطن الجريح وشعبه المكلوم، الذي لطالما تغنوا بإسمه،وتحجج  كل منهم بالدفاع عنه .وليتهم تأملوا ولو للحظة، إلى أي الحفر  أوصلونا،وإلى أي السراديب أوقعونا.وليتهم يتعظوا من أنفسهم أين هم! وكيف وضعوا أنفسهم، وأنزلوها منازل سيئة!.وكيف هم مشردون والبعض منهم مختبئون واخرون خائفون.

فمتى يدرك  هؤلاء بأن الخلاص من هذا الواقع المزرئ يتطلب تقديم التنازلات وتغليب المصلحة العليا على ماسواها، والقبول بالأخر، فهذه هي مفاتيح  الحل للأزمة العالقة منذ سنين، وما عدا ذلك يكون كمن يحرث في الماء،غير إن مايجري على الواقع ومانشاهده يوحي  بعدم الرغبة أو الإلكتراث بالحلول السلمية التوافقية المبنية علىالمقدمات السابقة، فالكل بدون إستثناء، مصرعلى مواصلة جر البلد نحو المجهول،والكل منشغل بنفسه ويرى الأخرون بعين طبعه،فحزب الإصلاح هذه الأيام حائرا يتخبط،عقب الأزمة الخليجية التي تأثر بها سلبا،  ولايدري أين  يقف ؟! هل مع حليف اليوم الذي يراه عدو الغد؟! أم مع حليف الأمس الذي صار عدو لحليف اليوم؟!فهذا الحزب الذي إخذ عليه من وجهة نظر أخريين،تغليب مصالح الحزب على مصلحة الوطن ، فبقاؤه ووجوده أولى الأولويات حتى وإن قال رئيسه ذات مره "وليذهب الحزب إلى الجحيم،"في إشارة منه على تغليب مصلحة الوطن على الحزب غير ان الواقع يكشف غير ذلك فقد ذهب الوطن وبقى الحزب . أما المؤتمر الشعبي، الذي يحاول جاهدا إستثمار الأزمة الخليجية لصالحه، وبالتالي فهو بعد أن إنشغل خلال  الفترة الماضية  بلملمة أوراقه المبعثرة بين كل تل وجبل،من أجل إستعراض عضلاته المترهله، متوهما بذلك الحصول على تزكيه تؤهله للصدارة وتضمن له المنافسه  في أي تسوية سياسية  أو إستحقاقات  قادمة،ولا يدري إن البعض لا يوليه أي إهتمام مهما بلغت حشوده، لماذا؟! لأن هناك من ينظر اليه كهرم معكوس مرتكز على القمة،فإذا ما سقطت القمة أو تم إستهدافها، فسرعان ما ينهار ويتلاشى الهرم بأكمله،فهو رغم الإيديلوجية المعتدلة التي ينتهجها والقاعدة الشعبية العريضة التي يكتسبها إلا انه أكثر عرضة للإنهيار من بقية الأحزاب التنظيمية والمؤدلجة للأسباب التي ذكرنا،وبصرف النظر عن مستوى الحشود التي في الواقع لن تسمن او تغني من جوع،كون مرحلة الحشود والحشود المضاده تم تجاوزها عندما إحكتمت الأطراف إلى صناديق الذخيرة بدلا عن صناديق الإقتراع .فقد بات الشارع يتسائل: عن مالذي سيقدمه هذا الحزب وجماهيره العريضة في سبيل الخروج من الأزمة الراهنة، وما الذي يمكنه فعل مايلزم تجاه العديد من القضايا الوطنية، والتي من أهمها الوضع الإقتصادي والمعيشي للمواطن
صفوة القول :إن جميع المكونات، والنخب السياسية شريك أساسي وفعلي فيما تمر به البلاد، وبالتحديد المؤتمر والمشترك واللذان بفعل تصادمهما منذ وقت مبكر تمخض عنه تياران أخران، لايؤملان كثيرا على النضال بالعمل السياسي، ولايؤمنان بمقتضياته، فهما الممسكان بعضدي الأمور، أحدهم في شمال الوطن، والأخر في جنوبه، وهذه ثمرة من ثمار! نخبنا السياسية ونضالاتهم المستمرة.

والسؤال :هل يجرؤا أحدا من نخبنا السياسية، وقيادات الأحزاب "الصف الأول أو الثاني"على تقديم أيا منهم إستقالته،مشفوعة بإعتذار رسمي  لشعبه أو حتي لحزبه، عن ما آلت إليه الأمور،كأقل ما يمكن فعله، ويحذوا بذلك حذو زعيم حزب الأصالة والمعاصرة المغربي الذي قدم إستقالته كما أشرنا مع ان الحزب المذكور وزعيمه، لم يرتكبا أية أخطاء، مقارنة بملايين الهفوات والأخطاء التي وقعت به نخبنا السياسية وأحزابها .

حول الموقع

سام برس