بقلم / أ. عبزالعزيز أحمد البكير

بمناسبة احتفاء بلادنا وشعبنا بأعياد الثورة الوطنية الكبرى سبتمبر وأكتوبر نكتب نبذة مختصرة عن الثورة الوطنية التي تُعتبر ثورة متميزة عن غيرها من الثورات التي شهدتها الدول العربية والاسلامية ..

واليمن الدولة العربية الأولى التي ناهضت الاحتلال والغزو والاستعمار ، فالثورة اليمنية ثورة أصيلة لها قواعدها ومنطلقاتها الأساسية المنطقية والواقعية والعقلانية المستمدة من واقع حضارة وتاريخ شعبنا اليمني الضارب أطناب حضارته وجذورها أعماق التاريخ الإنساني العريق الذي لا يمكن أن يُقارن بغيره من الحركات الوطنية العربية والإسلامية ، فمن يقرأ التاريخ اليمني الحضاري بحيادية وعمق وإمعان سيجد حقيقة تميُّز الثورة الوطنية اليمنية التي نشأت مبكراً قائمة جلية واضحة شامخة لأنها انطلقت من قاعدة حضارية أصيلة وعميقة ومن أهداف وطنية مجرَّدة من التقليد والتبعية ، مما ميزها عن غيرها من الحركات والثورات العربية والإسلامية الأخرى ، ومن ما يميزها أيضاً أنها تتمتع بموروث حضاري وتاريخي وسياسي عريق تعاقب عليه اليمنيون منذُ ما قبل التاريخ القديم والجديد والمعاصر ، نذكر من تلك الحضارات المدنية قبل تاريخ الدولة المعينية والدولة السبأية الأولى والثانية والدولة الحميرية .. إلخ.

فاليمن هو البلد العربي الحضاري المدني الشوروي الأول الرافض لشمولية وحكم الغزو ، ذكر ذلك القرآن الكريم الذي أرخ له في حوار ملكة اليمن بلقيس بقوله تعالى: {قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً ۖ وَكَذَٰلِكَ يَفْعَلُونَ}

فأهل اليمن من ذكرهم القرآن بأنهم أولو قوة وأولو بأسٍ شديد بقوله تعالى : {قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ}

فاختاروا بإرادتهم الشوروية امرأة أولوها أمرهم لقدرتها وكفاءتها وديمقراطيتها وعدلها ، وهي من قالت : إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها  وجعلوا أعزة أهلها أذلة ، وهي من شاورت شعبها بشأن مصالح شعبها في الحرب والسلام وهي من انتهجت سياسة الحوار لحل الخلافات وإحلال السلام وقد حاورت نبي الله سليمان الملك العظيم - في عصره وتاريخه – الذي ملك "بأمر الله" أمر الإنس والجن والطيور والرياح وكان رسوله إلى بلقيس ملكة اليمن طائر "الهدهد" فحاورته ولما تحقق لها أنه - أي النبي سليمان - يدعي إلى عبادة الله ولم يطمع في ملك أو في ثروة ، قالت ملكة عصرها وحكيمة قومها العربية الأصيلة والملكة الجليلة بلقيس ما سطره القرآن بشموخ وإباء وعقل وإيمان {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}

نعم فشعبنا اليمني في كل تاريخه القديم والحديث والمعاصر صاحب ثورة وطنية حُرة أصيلة ترفض الاستعمار والاستبداد وتناهضه وتقاومه وتثور عليه وتقارعه وتنازله بكل أشكاله وألوانه وقدراته وتنتصر عليه.. هذا هو الشعب اليمني الذي لم يأبه بالملك سليمان مع جنه وإنسه من آتاه الله علم الكتاب الذي مكنه من نقل عرش الملكة بلقيس من اليمن إلى الشام وهو الملك الذي آتاه الله مُلكاً لا ينبغي لأحد من بعده ..

فكيف يخشى شعبنا سلمان نجد ومن معه من المأجورين أو ينحني له ، كيف لا وشعبنا الذي اختار طريق العزة والكرامة ورفع راية الجهاد ضد المستعمرين والغزاة والطامعين والمرتزقة أياً كانوا أو يكونوا أو تكون قوتهم منذُ زمن بعيد ، لا ولم ولن ينحني فلقد كافح الإنجليز وثار ضد الأتراك الذين كانوا يبسطون بنفوذهم على نجد وغيرها من الأقطار العربية، فالنظام الإنجليزي البريطاني الذي كان محتل لـ عدن هو الذي احتل المخلاف السليماني وسلمه للنظام السعودي الذي خُلق  بالحماية والدعم البريطاني  ولم يعش اليوم إلا في ضل حماية إمريكيه ..

إننا شعب اليمن أهل الحضارة وعشاق الحرية والكرامة ولم ولن نعيش تحت ضل مستعمر أو نحتمي بحماه لأننا عرب أهل مروءة ونخوة عربية وإيمان راسخ بالله وأهل دين وأخلاق عالية ، هكذا نحن اليمنيون , لقد مُنينا بالغزو التركي فترتين متتابعتين فوقف شعبنا وناضل بجميع قواه أمام الغزاة ببسالة منقطعة النظير وانتصر ، مما دفع بالأتراك إلى أن يمدوا أيديهم إلى خارج الحدود اليمنية واستعانوا بالإنجليز الذين أنشأوا المحميات الإنجليزية ، والمحافظات الجنوبية من اليمن قبل الوحدة وأقاموا ملحقات سلطنة نجد والحجاز في شمال الوطن , وقد تذرع الإنجليز في استعمارهم لـ عدن وبسط نفوذهم على بقية السلطنات في الشطر الجنوبي من الوطن الذي عُرف بعد ثورة 14 أكتوبر 1963م التي دحرت  المحتل البريطاني بـ (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) كما تذرعت السعودية باحتلالها عسير والحجاز بطلب حماية الحسن بن علي الإدريسي الذي عارضه اليمنيون ومنهم الأدارسة الذين شعروا بخطأ فادح بتواطؤهم مع الملك عبدالعزيز ، وقام الإمام يحيى بقيادة الحرب اليمنية لتحرير الأرض اليمنية المغتصبة سنة 1353هـ الموافق 1934م ، وقامت بريطانيا بكل ثقلها وقوتها بمواجهة الشعب اليمني لتمكين السعودية من احتلال عسير الحجاز وعسير تهامة ، لتنتهي الحرب بما عُرف بـ (اتفاقية الطائف) وقد قاوم اليمنيون وحاربوا الأتراك طويلاً وانتهت باتفاقية (دعان) "ودعان بلدة تقع في جبال عيال يزيد من بلاد بكيل" ، وقع هذا الاتفاق بين الامام يحيى وقيادة الاحتلال التركي عام 1329هـ الموافق 1911م.

فاليمنيين الذين اتفقوا مع الامام يحيى ونظام حكمه في  مقاومة الاحتلال العثماني اختلفوا معه في نظام توريث الحكم لإبنه والإمام    أحمد أيضاً في سياسته التي تسعى إلى توريث الحكم لإبنه الأمير البدر وهو حكم فردي لا يتفق مع تطلعات اليمنيين الشوروية التي نشأوا عليها منذُ القدم ومن عهد الملكة بلقيس كما أشرنا ؛ كما أنهم لم يتفقوا حتى مع ما اتفق عليه من الشروط في المذهب الزيدي لاختيار الحكام , فكانت الثورة اليمنية الخالدة 26 سبتمبر و 14 أكتوبر والتي أعلنها شعبنا اليمني ووقفت ضد إرادة الشعب مملكة آل سعود بحربها العدوانية وتدخلها بالشأن الداخلي اليمني انتهت بعد حرب طاحنة استمرت 7 سنوات قادتها ومولتها مملكة آل سعود وأيدتها ودعمتها في تلك الحرب والتدخل في الشأن اليمني أمريكا وبريطانيا وفرنسا والأردن ووقف إلى جانب شعبنا وثورتنا جمهورية مصر عبدالناصر والعراق ، وها هو النظام السعودي منذُ عام 1962م لن يضع الحرب أوزارها مستمر في حربه على بلادنا وثورتنا وسيادتنا واستقلالنا ، إنها ثورة حتى يبدو لنا بهاء الكعبة والجلال , ثورة حتى تحرير كل شبر من أرض اليمن وإعادة وحدة اليمن الطبيعية إلى طبيعتها إن شاء الله .

* وزير الدولة في حكومة الإنقاذ الوطني
الأمين العام للحزب القومي الاجتماعي
 

حول الموقع

سام برس