بقلم/ أحمد الشاوش
مازلنا وسنظل نحن معشر اليمانيين نتذكر تاريخنا الذي نقشه أجدادنا منذ آلاف السنين في الجدران ونحتوه في الاحجار وحفروه في الكهوف وخطوه في الجلود ورسموه في ورق البردي وغيرها لتوثيق تراث أمة وتاريخ عظماء عانقوا السماء فكانوا ومازالوا محل اعجاب العالم .

ورغم التباهي بتلك الجذور التاريخية الاصيلة ، إلا ان غياب الوعي وفقدان الضمير وعدم الشعور بالمسؤولية الاخلاقية والقانونية والانسانية أدى الى تدمير تلك الحضارة ، نتيجة للموروث الثقافي السيئ والاحقاد الداخلية والخارجية وتجار مافيا " الاثار" الذين دمروا كل جميل ولم يقدروا تلك البصمة الفريدة والقيمة الإنسانية الرائعة التي تدفعنا الى البحث عن أثارنا العريقة وازالة الغبارعنها وتوثيقها والحفاظ عليها وعرضها ومشاركتها في المتاحف المحلية والاقليمية والدولية أسوة بالدول والشعوب العريقة الأخرى وتعريف أجيال الغد بماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وتذكير العالم بحضارتنا التي ساهمت في الحضارة العالمية.

وما يدمي القلب ويحز في النفس أن كثيراً من المشاهد المؤلمة والصور المخزية والحفريات العشوائية المرعبة والجثث المنبوشه تُحدثنا عن مافيا دولية لا ترحم و لصوص على أكبر مستوى وقتله محليين محترفين بعضهم يحمل الصفة الرسمية من قادة عسكريين ورجال أمن وسياسيين ودبلوماسيين ومشايخ وتجار ومتخصصين في الاثار لا يدركون قيمة التراث الانساني وكنوز الحضارة اليمنية الضاربة في أعماق التاريخ نتيجة للثقافة المغلوطة أوعلى الاقل يدركون ذلك ولكن المال حولهم الى معاول وهدام للحضارة الانسانية.

لقد سمعنا من بعض الشرفاء في سوق الفضة والنفائس والعتق القديمة الكثير من القصص المؤلمة عن نبش وسرقة وشراء وتهريب " الاثار " اليمنية القديمة في صنعاء ومأرب والجوف وحضرموت وآنس وذمار وغيرها من المدن اليمنية الزاخرة بالأثار اليمنية والاسلامية ، وكانت فنادق خمسة نجوم وغيرها محطة لمسؤولين يمنيين ودبلوماسيين خليجيين وتجار لبنانيين وفرنسسين وامريكيين وغيرهم لشراء وسرقة تاريخنا الناصع ، وشاهدنا وقرأنا في الصحف والمجلات والقنوات الرسمية سابقاً ولاحقاً ما يصدم كل شريف من السطو المنظم على مكتبات قديمة واماكن ومساجد زاخرة بأمهات الكتب ، وتابعنا الكثير من حالات العبث واستئجار سياح اجانب منازل قديمة بعينها في صنعاء القديمة للبحث فيها عن أثار مخفية وتنقل البعض بين القرى والمدن والمحافظات اليمنية لتجميع تاريخ أمة وتهريبه عن طريق مجموعة من السماسرة تحميهم قوى خفية في ظل استغلال السلطة وعدم الالتزام بالقانون.

وحققت النيابة العامة في الكثير من جرائم سرقة وتهريب الاثار اليمنية، وقضت المحاكم اليمنية المختصة في بعضها على ضحايا يمثلون الحلقة الأضعف في حين ظلت الحيتان الكبيرة بعيدة عن عدالة الأرض والسماء ، ولم نسمع أو نرى دبلوماسياً أو رجل أمن وشيخ وتاجر متورط داخل السجون اليمنية.

وما نقلته الفضائيات اليمنية من النقوش والتماثيل والاثار التاريخية القيمة في منزل مهدي مقوله وتوفيق صالح وغيرهم من القادة والمسؤولين والتجار ومشايخ حاشد وبكيل الذين حولوا مجالسهم وصالاتهم الى متاحف للزينة وغيرهم ممن لم يتم كشف ما في قصورهم من أثار قديمة دليل واضح على حيازة تُحف وأثار نادرة خارج اطار القانون ، لم نتصورها اطلاقاً.

وما صدمني وصعق كل يمني والعالم أجمع هو تهريب " النسخة الفريدة والمكتوبة بخط اليد على جلد حيوان لكتاب " التوراة " اليمنية التي عمرها تجاوز الـ 600 عام " واخراجه من مطار صنعاء بمعية الحاخام اليهودي" سليمان يعقوب دهاري" بصورة " سرية عام 2016م مروراً بالأردن ثم مطار بن غوريون، وفقاً لصحيفة الشرق والجزيرة ، ليطل على العالم رئيس الوزراء الاسرائيلي" نتنياهو" بالصوت والصورة عبر الفضائيات الاسرائيلية والدولية وبمعيته الكتاب المقدس المسروق من اليمن في قمة النشوة والانتصار، ولاندري كيف تم تهريب الكتاب ، رغم سطوة ورقابة جماعة " الحوثي " على كل شبر تحت سلطتهم !!؟.

مازلنا وسنظل نتساءل كيف تمكن اللصوص اليهود من مغادرة اليمن مؤخراً بالتوراة ومن سهل لهم ذلك وكيف تم ومتى ولمصلحة من وعلى أي طائرة أممية او تجارية ومادور امريكا، وان لم تكن التهمة موجهه الى صنعاء فهل كانت مأرب وعدن هي محطة التهريب، وكم الثمن ومن هي الجهات المتورطة ولماذا كل هذا الصمت تجاه تهريب التوراة بصورة منظمة .

كما ان سرقة 120 أسطوانة فنية قديمة ونادرة مؤخراً على يد شخص ثبت لدى السلطات المختصة جريمته وماتزال الأسطوانات في غيابات الجُب ، وعدم تطبيق القانون بالمتهم وضياع التاريخ الفني يحمل أكثر من علامة تعجب واستفهام.

ولذلك فان الواقع المرير يسجل الف حكاية وحكاية عند الحديث عن اثار سبأ وحمير وذو ريدان وأثارنا الاسلامية التي احتوت أمهات الكتب والسيوف والرماح والاسهم والدروع والتماثيل الذهبية والبرونزية والمرمر والادوات والعملات النادرة والحلي الذهبية والاحجار والاعمدة والنقوش المتنوعة التي تُنهب وتاريخنا الذي يشوه واصالتنا التي تشكك وهويتنا التي تُدمر.

كما ان شاهد الحال يؤكد ان حضارة وتاريخ اليمن لم تقتصر على عمليات السرقة والتهريب والتبديد والتشويه والعبث بإيدي بعض اللصوص والناقمين من اشباه اليمنيين ، بل ان فوضى الربيع العربي أنعشت مافيا " الاثار " وخلقت البيئة المناسبة ، وان صراع القوى السياسية اليمنية وعدوان التحالف بقيادة السعودية قد ساهم بشكل منظم في تدمير معالم الحضارة اليمنية وأثارها التاريخية من مساجد ومآذن ومتاحف ومباني اثرية وقلاع وأسوار ومكتبات وقباب ومزارات ومدن تاريخية ،،، لنسف تاريخ اليمن من قبل هدام الحضارات .

ومن المخجل والمؤسف ان تلك الاعمال الاجرامية المنافية للقيم والقوانين الدولية تحدث وسط صمت عجيب وسكوت فضيع دون ان تحرك حكومة الشرعية او المجلس السياسي الأعلى وهيئة الاثار والمدن التاريخية والمثقفين والنخب الحزبية أو المنظمات الدولية المعنية بالحفاظ على التراث الانساني اي موقف مسؤول اوضمير انساني واخلاقي لتاريخ أمة تطمس هويته وتقتلع جذوره وتدمر ثروته البشرية على مدار الساعة مع سبق الاصرار والترصد .

ولذلك مازلنا وسنظل معشر اليمنيين ندفع ضريبة الجهل ونعاني من سياسة وثقافة التجهيل وعدم معرفة قيمة تراثنا وأثارنا ومعالمنا التاريخية وعظمة أجدادنا من ملوك سبأ وحمير الذين نحتوا تاريخ اليمن في الصخر ونقشوا فنونهم وأصلوا لثقافاتهم وتقاليدهم وعاداتهم واعرافهم وحروبهم وانتصاراتهم وتجاربهم مجسدين بتلك الاعمال الجلية عظمة اليمانيون في كل بقاع الارض.

فهل يعي حكام الشرعية وحكام صنعاء المسؤولية الأخلاقية والإنسانية والوطنية في مساءلة العابثين وإيقاف اللصوص والمهربين ومطالبة متاحف ومتاجر ودول العالم بإعادة " التوراة" اليمنية وكل قطعة اثرية مسروقة ومنهوبة بحسب القوانين الدولية وتقديم قادة مافيا الاثار الى محاكمة علنية بعيداً عن الانتقام والمزايدة .. والتشكيك والتجريح .. أملنا كبير .

Shawish22@gmail.com

حول الموقع

سام برس