بقلم/ عبدالباري عطوان
لماذا شن الرئيس الأسد هجومه الشرس على نظيره التركي بالتزامن مع اعلان الاتفاق الروسي التركي حول شمال سورية؟ ومن هي الأطراف الرابحة والخاسرة من هذا الاتفاق؟

ان يذهب الرئيس بشار الأسد الى مدينة ادلب في الوقت الذي كان الرئيسان الروسي والتركي يعلنان بنود الاتفاق الذي توصلا اليه بعد اجتماع صعب استمر اكثر من ست ساعات متواصلة لبحث تطورات الأوضاع في شمال سورية، ويشن هجوما “شرسا” على خصمه رجب طيب اردوغان يستخدم فيه الفاظا وتوصيفات غير مسبوقة، مثل اتهامه “باللصوصية”، فإن هذا يعني ثلاثة أمور أساسية:

الأول: ان الرئيس السوري ليس راضيا كل الرضا عن هذا الاتفاق الروسي التركي، او بعض بنوده، خاصة تشريع إقامة المنطقة الآمنة التي انشأها التوغل العسكري التركي، بطول 120 كم وعمق 32 كم في شمال سورية، واخلاء المسلحين الاكراد منها، وقيام القوات التركية والروسية بدوريات مشتركة فيها:

الثاني: تمهيد الرئيس الأسد للبدء في معركة ادلب التي وصفها بأنها الأساس لحسم الحرب المستمرة في سورية، فليس لزيارته المفاجئة هذه التي تتسم بطابع التحدي أي معنى آخر.

الثالث: عدم نجاح الجهود الروسية لترتيب لقاء مباشر وعلني لمسؤولين سياسيين من الجانبين السوري والتركي، سواء على مستوى وزراء الخارجية، او على مستوى القمة، فلو كانت هذه الجهود الروسية المبذولة منذ اشهر لعقد مثل هذه اللقاءات على أرضية احياء اتفاق “اضنة”، حققت النجاح المطلوب، لما اقدم الرئيس الأسد على هذا الهجوم الشرس مع الرئيس اردوغان، وفي مثل هذا التوقيت.
***
اذا نظرنا الى هذا الاتفاق الروسي التركي من زاوية الربح والخسارة، يمكن القول بأن الاكراد خرجوا الخاسر الأكبر منه، لان احلامهم في إقامة إدارة ذاتية في الشمال السوري، ناهيك عن قيام جيب مستقل، قد تبخرت كليا، بعد ان خذلهم حلفاؤهم الامريكان كالعادة، وسحبوا جميع قواتهم من المنطقة وجعلوهم يواجهون مصيرهم لوحدهم عراة من أي دعم.

اما الرابح الأكبر حتى الآن، فهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي بات صاحب الكلمة الأخيرة في الحرب السورية، وصانع الحرب والسلام في الوقت نفسه، وكل هذا على حساب المشروع الأمريكي الذي مني بهزيمة كبرى، رغم انفاق الإدارة الامريكية وحدها، وباعتراف الرئيس دونالد ترامب، اكثر من 70 مليار دولار.

الاتفاق الأمريكي الذي هلل له ترامب واعتبره انتصارا ضخما، لم يعمر الا بضعة أيام، وحصد الرئيس بوتين كل ثماره دفعة واحدة، وسحب من الرئيس الأمريكي إنجازه الوحيد الذي أراد ان يستخدمه لتغطية هزيمته، وإنقاذ ماء وجهه، وتبرير تخليه عن حلفائه الاكراد الذين خاضوا حربه الكبرى ضد “الدولة الإسلامية” “داعش” في شمال سورية، وخسروا فيها الآلاف من القتلى والجرحى، ولا نعتقد ان الرئيس ترامب سيكون ممنونا من هذه الصفعة المؤلمة، وربما يعود الى تهديداته.

الطرف السوري حقق بعض المكاسب، ابرزها عودة الابن الكردي الضال الى الحاضنة السورية الام بوساطة روسية، ووصول قوات الجيش العربي السوري الى الحدود التركية الشمالية واقامة قواعد فيها، واستعادة السيادة على العديد من المناطق الاستراتيجية وابرزها الأراضي الزراعية الخصبة، وبعض آبار النفط والغاز شرق مدينة دير الزور بعد انسحاب القوات الامريكية المفاجئ منها، لكن من الصعب انكار وجود القوات التركية على الأراضي السورية، وإقامة المنطقة الآمنة المذكورة آنفا، وبموافقة روسية، ولآجال غير محدودة، حيث لم تتطرق النقاط العشر من الاتفاق الروسي التركي الى تحديد واضح في هذا الشأن، فهذا الوجود يشكل انتهاكا للسيادة السورية.

اتفاق “اضنة” الذي جرى توقيعه عام 1998 بين الجانبين السوري والتركي، ويعتبر أساسا لهذا الاتفاق، لا ينص على وجود أي قوات تركية على الأراضي السورية، وانما يسمح بتوغل هذه القوات بعمق خمسة كيلومترات لمطاردة “الإرهابيين” اذا لزم الامر، وليس الإقامة بصفة “مؤقتة” او “دائمة”.

ان تقوم القوات العسكرية الروسية بدوريات مشتركة مع نظيرتها التركية في المناطق الآمنة المقترحة، وليس القوات السورية، يظل امرا مقلقا، ان لم يكن محرجا للقيادة السورية، ربما تقبله مضطرة، وعلى مضض، لتجنب الصدام مع الحليف الروسي، مع الاعتراف ان التفاصيل الكاملة عن الاتفاق الروسي التركي في قمة سوتشي الثلاثاء ما زالت سرية، وغير معروفة بالنسبة لوسائل الاعلام على الأقل.
***
هناك حالة من الغموض تسيطر على المشهد السوري بعد قمة سوتشي والولادة العسيرة، وربما القيصرية، للاتفاق الذي نتج عنها بين طرفيها، ولا نملك الا انتظار انقشاع الغبار وظهور الحقائق واضحة على الأرض، ومثلما تحفظنا ولم نكن من بين المهللين للاتفاق التركي الأمريكي، سنفعل الشيء نفسه، ولو مؤقتا، تجاه الاتفاق الروسي التركي الأخير، وهذا عين الحكمة والعقل في اعتقادنا.. والله اعلم.

نقلاً عن رأي اليوم

حول الموقع

سام برس