بقلم/ طه العامري

تظل بعض العقليات العربية مسكونة بكل قيم الهمجية والتخلف حتى وإن ادعت تحضرها وتمدنها ..
مثال ذلك متظاهرين وهم قلة يحاولون قطع الطرقات ومنع الآخرين من الحركة وفرض إرادتهم على الآخرين وأن كانوا أغلبية ؟!

ومتظاهرين رافضين الانتخابات وهم قلة ويسعون لمنع الاخرين وهم أغلبية عن ممارسات حقوقهم وحريتهم في الانتخاب والتصويت ..؟! وكل هذا يجري باسم الحرية وتحت رايتها والعجيب أن الحرية هنا محصورة لفئة وحسب رغم قلتها وممنوعة عن الآخرين وأن كانوا أغلبية ، والملاحظ أن خطاب الأقلية الثورية المرابطة على أرصفة الشوارع والمحروسة بكاميرات الفضائيات العالمية هذه الأقلية للاسف تفتقد إلى الرؤية والوضوح في أهدافها ، فهذه الأقلية تتشكل غالبا من أفراد يقدسون ذاتهم ويتطلعون للنجومية والشهرة والكسب المادي والمعنوي على حساب كل القيم والأعراف والاخلاقيات ، فنجدها تتبني خطابا موحدا عن فساد كلي في النظام ومؤسساته وأجهزته العسكرية والأمنية ، فهم يشككون بكل النظام ورموزه وأدواته ومؤسساته ويسعون لتدمير كل ذلك دون أن يكون هناك بالمقابل رؤى ومشاريع بديلة وجاهزة لتحل محل كل هولاء وهذا السلوك ليس سلوك ثوري ولا علاقة له بالقيم والاخلاقيات الثورية بل هو عمل انتحاري هدفه نحر الوطن والشعب وكل مكاسبهما كنا حدث في ليبيا واليمن تحديدا ..؟!

دعاة الثورة في الوطن العربي يجهلون الكثير من حقائق الثورة وأدواتها ،فالثورات الشعبية لا تنجح مطلقا عن طريق أقلية ثورية ، بل تنجح بفعل تحرك الغالبية الشعبية ، فلا ثورة شعبية يكتب لها النجاح أن لم يشارك فيها 80 % على الأقل من الشعب .

ما يسمى بالربيع العربي لم ينجح حتى مع سقوط بعض الأنظمة ، مصر مبارك ، تونس بن علي ، ليبيا معمر ، اليمن صالح ، وما حدث في هذه الدول لم تكن ثورة ابدا ، بل غزو لا يختلف عن طريقة إسقاط نظام العراق /صدام / الفرق أن الراعي الخارجي استبدل جنوده ودباباته بأدوات محلية / أحزاب / منظمات مجتمع مدني / شخصيات سياسية / كتاب وصحفيين / ونشطاء عمل على تأهيلهم إلى جانب حملات إعلامية وغطاء سياسي قدم للثوار والنشطاء المزعومين ، وضغوطات سرية مورست ضد الأنظمة للتسليم بإرادة الثوار المزعومين ولم يكن الراعي لكل هذه الفوضى راغبا فعلا في إنجاح الثورات المزعومة ، بقدر ما كان يرغب في أحداث فوضى داخلية داخل هذه البلاد أوتلك .

وحين كان الراعي يرى أن هناك صعوبة تحوول دون تحقيق الفوضى في هذا القطر أو ذاك بسبب قوة النظام أوشعبيته كان يفتعل دوافع ومبررات عن طريق أدواته ليتدخل عسكريا كما حدث في سورية وليبيا ، فيما اليمن فصل لها سيناريوا مركب على مقاسها ، وفي مصر ارتبك المخرج والراعي ومع ذلك يحاول تحريك اوراق ضد النظام الراهن في مصر من خلال أوراق داخلية ممثلة بجيوب الإخوان ، وخارجيا عبر ورقة ليبيا وسد النهضة في اثيوبيا ومع تركيا في شرق المتوسط .

وتبدو الأزمة الراهنة على الخارطة العربية مرشحة للتطور الدرامي رغم الانفراج في السودان وتماسك المشهد الجزائري رغم كل ما يعتمل في هذه البلاد من تداعيات شعبية الا أن سلطة الجيش وتماسكه عوامل حالت دون انفراط المشهد ..؟!

حلحلة المشهد في السودان لا يعني أن هذا الشعب وصل لنهاية النفق ، والأمر أيضا في سورية التي صمدت قيادة وشعبا وجيشا ودولة ومؤسسات ومع ذلك لايزال الترقب هو سيد الموقف ولاتزال المفاجأة واردة في هذا البلد العربي الأسطوري فعلا ولكنه وهو يمثل أيقونة الفعل العربي لا يزل عرضة لمخاطر تأمرية فمن يستهدف هذا القطر لا يمكن أن يسلم بالهزيمة بسهولة ؟!

المثير في كل هذا أن الإعلام العربي الرسمي والحزبي والخاص وبكل هوياته وتوجهاته يعمل في خدمة الراعي الخارجي وينفذ استراتيجيته ، فبدأ هذا الإعلام مجرد من القيم والهوية والشعور بالانتماء ، ويمكن ملاحظة هذا بسهولة في طريقة تغطية هذه الوسائل للاحداث العربية ، فقد يخرج مليون مواطن عربي في دمشق مثلا مناصرا وموئدا للقيادة العربية في سورية فيتجاهل الاعلام العربي هذا الحدث ، لكن إذا خرج مائة معارض لنظام دمشق في مظاهرة ستجد كل وسائل الاعلام العربي تغطي الحدث وتتناقله وتعيد تكراره لأيام وتحيطه بهالة من الرعاية والتحليل والتداول بطريقة تتجاوز كل قيم وأخلاقيات المهنة ..؟!

هنا تتضح حقيقة المؤامرة التي نختزلها في حقيقة أن المطلوب ليس ثورة تحدث تغيرات إيجابية داخل الأقطار العربية بل المطلوب إسقاط أنظمة ودول ومؤسسات ليس من أجل إيجاد دول فاشلة وحسب ، بل المطلوب أيضا ايجاد مجتمعات فاشلة وهذا هو الأهم ..؟!

وهذا ما يتجسد أمامنا اليوم من العراق الى سورية إلى لبنان الى ليبيا الى اليمن ، حيث نقف أمام مشاريع فئوية وعشائرية ومناطقية ومذهبية وتكتلات فسيفسائية مرتهنة ومرتبطة بأجهزة إقليمية ودولية هذه التكتلات وان زعمت في خطابها انتمائها لهذا النطاق أو ذاك ،او رفعت خطابا وطنيا معبرة عن مصلحة الوطن والشعب ، إلا أنها في الواقع تسوق في العلن ما لم تؤمن به أو تفعله في السر ..

وبالعقل دعونا نتساءل وبصراحة ..ماذا حقق العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين ؟ وماذا حققت ليبيا بعد إسقاط نظام القذافي ؟!

وماذا حققت اليمن بعد إسقاط نظام صالح ؟!
وهل سورية اليوم افضل مما كانت عليه عام 2011م ؟!

وماذا كان يمكن أن يحدث لمصر لو لم يكن في مصر جيش قوي ومؤسسات سيادية وأمنية فاعلة ؟!
تساؤلات مشروعة يفترض على كل العقلاء التوقف أمامها والتأمل فيها والبحث عن إجابات عليها ،لن وجدت لها اجابات منطقية ..!!

حول الموقع

سام برس