بقلم/ سيد محمود سلام
في شارع يحمل اسمه، يبدأ بباعة كتب قديمة جدًا يتراصون على الجانبين وينتهي بتمثال يطل على نهر دجلة، تأملت كم عاش "المتنبي" حياة الشعر بكل جمالياته، فقد زرت بغداد أكثر من مرة، وفي كل مرة أحرص على أن أتجول في شارع "المتنبي"، تقفز للأذهان أبياته التي يعرفها الكثيرون، ومنها "قصيدة على قدر أهل العزم".

ويقول مطلعها: عَلى قَدْرِ أهْلِ العَزْم تأتي العَزائِمُ وَتأتي علَى قَدْرِ الكِرامِ المَكارمُ وَتَعْظُمُ في عَينِ الصّغيرِ صغارُها وَتَصْغُرُ في عَين العَظيمِ العَظائِمُ.

ويصبح السؤال المحير، هل غفل الناس عن الشعر، ولماذا يبتعد الشباب عن قراءة الشعر، ففيه كل شيء، مفردات المحبين، ولغة سامية جدًا، وبخاصة عندما يكون الشاعر بسيطًا، فأذكر أننا في دراساتنا الجامعية كانت معظم دواوين شاعرنا المرهف الحس والمعاني فاروق جويدة بين أيدينا لبساطتها، ولأنه يمكن أن تقرأها دون عناء، وتحفظ أبياتها.

وقد عثرت منذ أيام على مجموعة شعرية لشاعرنا العربي دكتور سهل بن عبدالكريم، وبدأت التجول في مجموعته الكاملة لأقف عند قصيدة بعنوان: "أم الأبطال"، يقول فيها: "أرجوكي يا أمي بأن تدعي لنا.. عل الإله يجود بالخير..
فدعائك المدد الذي أحتاجه.. كيما يعين القلب في السفر.
ورضاكي عني زاد آخرتي، أجل.. حتى بجنتي قدري.

وهو نموذج من أبيات في قصيدة طويلة، ضمن ديوان من أربعة دواوين كلها تحمل مشاعر حب وتسمو بالوجدان.

شعراؤنا العرب أمعنوا في الكتابات عن كل شيء عن الوطن، والحبيبة، والأم، والهجر، والسفر، ومن يزر العراق ويتجول في شوارعها، وفي مدينة أم الثقافات وموطن الأديان "بابل"؛ حيث مشاركتي في مهرجان بابل للثقافات والفنون العالمية، يكتشف أن في بلادنا كنوزًا لم نكتشفها بعد، مثل الآثار القديمة جدًا؛ ومنها أسد بابل الذى يعود تاريخه إلى ستمائة قبل الميلاد، وبقايا الجنائن المعلقة، وبالطبع هناك آثار كثيرة سرقت ونهبت في فترة الحرب.

مهرجان "بابل للثقافات والفنون العالمية" يبعث في متابعيه حالة من الفخر بأن بلادًا مثل العراق ما زالت به تلك الكنوز، وأنه بلد عاشق للشعر، وما زال الشعراء يفدون إليه من كل بلدان العالم.

الشعر يسمو بالوجدان، وقد كانت جامعاتنا تهتم بمسابقات الشعر، ويتبارى الطلاب في كتابة الشعر المقفى وشعر النثر والعامية، وتراجعت تلك المسابقات، وكنت أتمنى أن تعود المسابقات في كل مدارس مصر وجامعاتنا، ليعود الشعر كما كان، أضاء شعراؤنا منابر كثيرة ومعارض كتب في كل دول العالم، وما زال لدينا شعراء عظام أمثال الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي، وأحمد سويلم، وأبوسنة، وأحمد الشهاوي، ودكتور حسن طلب، وعشرات الأسماء ممن لهم صولات وجولات في الشعر العربي.

ولست هنا بصدد سرد أسماء بعينها، بل محاولة لبعث رسائل إلى المهتمين بالثقافة وبخاصة الشعر لإعادة مسابقات التباري بين الشباب حتى نحتفي بلغتنا العربية، ونحافظ عليها من خلال الكتابة، وبخاصة القصة والرواية والشعر.

الشباب حاليًا يبحث عن شعراء لهم لغة بسيطة مقربة إليهم، يجدون فيها ما يعبر عن مشاعرهم، عن حبهم لأوطانهم/ للأمومة، للأخت، للزوجة، والحبيبة، لأن الشعر البسيط المعبر يعبر الوجدان، ويعيش، وهو ما كان سببًا في أن شعراء عظام أمثال أحمد شوقي وإبراهيم ناجي، وأحمد رامي عاشت أعمالهم في الوجدان، وبالطبع قد تكون الأغنيات أسهمت في أن أشعارهم وصلت إلى العالم كله، لكن مؤكد أنهم كانوا قريبين جدًا من البسطاء.

نقلاً عن الاهرام

حول الموقع

سام برس