بقلم / سلوى يحي الارياني
لست اذكر شيئا ، ليس لدي القدرة لاسترجاع أي تفاصيل بسيطة لها علاقة بالماضي و لو كان القريب. أمسك قلمي لأكتب فأستغرب شكل القلم بين ابهامي و سبابتي و اقلب أناملي بتشكك. اكنت أمسك القلم بيدي ام بقدمي؟ اكنت أمسك قلمي بيدي اليسرى أم بقدمي اليمين ام تراني كنت أمسك القلم عضاً بين أسناني؟

ُفقدت مني ابجدية ذاكرتي و كل قواعد المنطق عندما قامت الحرب في بلادي ، و قامت قيامتنا في اليمن و أنا في الأصل كنت كسائر شعبي أبارز بأصبعي سيف زماني. كيف و لما يباغتنا الجار العدو و معه عشر دول اخرى معادية ليلا و نحن نيام؟ بلا تحذير بلا تهديد بلا سابق انذار. متى اتفقوا علينا و متى تغامز اللئام؟ بلادنا اليمن لمن لا يعرف غزيرة الأمطار فاعتقدنا لأول وهلة ان صوت القصف انما هو رعد و النور في غرفنا انما هو البرق اليماني... برق يضيء الظلام. فتحنا نوافذنا ليلا لنستكشف هذا الرعد المخيف، فوجدنا الأرض يابسة لا أثر فيها لقطرة ماء. السماء السوداء يتصاعد فيه جمر أحمر، متصاعد كالطوابير ، قيل لنفوسنا الراجفة انه مضاد طيران. اذن هو ليس برق و لا رعد و لا نزول مطر.

بل هو غدر الجار المسيطر. انه غدر الجار الذي يحسب اننا كلنا شيعة جملة و تفصيلا و عاملنا جميعا ككفار و هو بحرمة دم المسلم الكافر. انه غدر جارنا المتحدث عن العروبة و الوحدة العربية و هو على جاره المسكين ، المعدم، متآمر. غدر الجار الذي يدعي انه العربي الأصيل، و أنه دون الناس أجمعين يقتفي أثر الرسول و شعبه لارتكاب الفواحش بكل وقاحة يقطع التذاكر و يسافر.

السعودية تهاجمنا. ما اثقل الحقيقة على استيعابنا. لكن لنكن واقعيين، في أي صفحة من صفحات التاريخ كانت السعودية في صفنا أو تساندنا؟ بل كانت و لا تزال الجار العدو ، الثري و المتلذذ بفقرنا. الساعي ليظل هو الأقوى ، الأغنى ، الأكثر استقراراً ، الأكبر مساحة و الأكثر تقدماً و يتكفل بإبقائنا الى جانبه جوعى و محتاجين . ما اثقل الحقيقة على استيعابنا، السعودية و عشر دول بطائراتها تقصف جبالنا و مخازن اسلحتنا. تقصف مصانعنا و مدارسنا و ديارنا. تقصف نساءنا و اطفالنا و رجالنا و شيوخنا .السعودية تدعي قصف مخازن اسلحة الحوثي و تخفي عن الأنظار الديار التي تهدمها فوق رؤوس العائلات الساكنة فيها. الاعلام كله اشترته مثلما اشترت قريش العبيد.

لماذا ننتقد السعودية ، انها العدو و هل يلام عدو اذا هاجم خصمه؟
انا انتقد واحمل جثمان حزننا نحن اليمنيين الى اليمنيين انفسهم. انا احملهم هم قبل أي اطراف اخرى كل ما وصلنا اليه. انا حزينة منا لأننا سبب نكبتنا، سبب تداعياتها ، سبب خراب اليمن ، سبب ضياع الأمل في الحياة في اليمن.

اما رأتنا الجارة المراقبة عن كثب طوال أربعة سنوات ماضية و نحن نتقاتل فيما بيننا، أما رأت بأعينها احزابنا تستخدم الشعب لكسب معركة الكرسي؟ أما رأت الاصلاح الذي كان الند للمؤتمر و هو يتحالف مع الحوثي ضد المؤتمر. بعد ان ازاحوا المؤتمر اما تخلص الاصلاح من الحوثيين وسرق و فسد بمفرده...و الحوثيين الذين أسموا عفاش رأس الأفعى و حاربهم عفاش طوال ستة حروب متتالية الم يتحالفوا بين ليلة و ضحاها لنسف الاصلاح؟ أما تابعنا كلنا هذه التناقضات و التحالفات الشيطانية و كذلك راقبت الجارة العدوة.

اما تم شراء الشباب الجائع و الحافي الذي كان يهتف للزعيم لكي يرشح نفسه للسنتين القادمتين لكي يهتف هو بذاته لكن هذه المرة بإسقاط الزعيم هو نفسه في 2011 ثم ليكون الشباب هو نفسه فجاءة متحوث في 2015؟! و الحوثيين اما اعتقدنا انهم اعداء للسعودية فإذا بالأحداث تعلمنا انهم تركوا عبدربه يهرب من قصره خصيصا ليلحقوا به الى عدن و خصيصا لتقوم بعدها الحرب، إذن هل هؤلاء اعداء للسعودية ام - و يا للغرابة - حلفاء اقوياء لها يفرشون لها طريق الحرب و يسببون لها الأسباب؟ فمالهم اليمنيين اغرقونا في هذا المستنقع؟ اما اتعبنا قلب عدونا و حيرناه معنا ؟ لنكن صريحين ،من منا فاهم؟ نحن سبب ما نحن فيه اما العدو فلا غرابة ان انقض او غرز انيابه في لحمنا... لكن المخزي و الغريب هو ان يغرز اليمني مخالبه و انيابه في لحم اليمني الآخر.

خمس سنوات متتالية و الاحزاب تتعارك من اجل – قبح الله من اعتلاه – الكرسي. كرسي السلطة و الجاه و الجيوب الممتلئة. الم تهرس الاحزاب اللعينة - نسل ابليس في اليمن- تحت ارجل الكرسي البلاد و العباد و الأمن و الرزق و النظام. اما جففوا الأمل و تغريد العصافير و قصص الحب و الطموح و التحصيل العلمي و النجاح؟

لماذا يا من تنتقدون السعودية و تعاتبونها على مهاجمتنا لماذا لا تكونوا واقعيين و تهاجموا الاحزاب و تعاقبونها بمنع الحزبية منعا باتا و ادراجها مع الخمر و الزنا من ضمن الفواحش. اما تلذذت الجارة العدوة و هي تشتم رائحة الحقد تتفاعل فوق اراضينا و لا استثني احد، كلنا انبعثت منا نتانة الحقد. لا استثني حتى نفسي. ما رأيكم بهذه الصراحة؟ انا احقد على من دعا دول عاصفة الحزم لضربنا و توسل اليهم ان لا يتوقفوا عن القصف ، و احقد على من كان مشروعه منذ البدء طائفي و اشعل فتنة ، كان اسم المشروع " فتنة" لا هو مشروع دولة مدنية و لا هو مشروع ديمقراطية. انما مشروع " فتنة". فقسم الناس الى زنبيل و قنديل و نحن شعب مسلمين فقط و المسلمين كأسنان المشط. أحقد كذا على الذي اخرجه الله من جوف الموت بعد نجاته من تفجير اودى بحياة غيره فلا حمد و لا شكر ، و لا رحل و لا ابتعد و تحالف مع من حاربهم ستة حروب متتالية لكي ينتقم من الإصلاح آملا في استعاده – قبح الله من اعتلاه – الكرسي.. هذا هو مثلث برمودا اليمني الذي احقد عليه.

و من سمح لمثلث برمودا ان يدمينا؟ انه نحن. انا حزينة منا. سكتنا و تغاضينا كأنما هو ليس شأننا ! سقط الناس في غيبوبة القات و اوهامه و كانت النتيجة كما تعرفونها. قال الحوثيين لماذا لا تحارب السعودية ايران بدلا من ان تضرب اليمنيين في اليمن؟ و قال خصوم الحوثيين و لماذا لا يقاتل الحوثي الأمريكان في أميركا و اليهود في اسرائيل؟ لماذا يقتلون اليمنيين في اليمن؟ هذه التساؤلات كافية لإظهار حجم التناقض و الحقد المتبادل بين الأطراف اليمنية . كلنا يمنيين ، عاصمتنا واحدة و مساحتنا الجغرافية واحدة لكن تذكر معي ماذا كان اليمنيين ينعتون بعضهم البعض في الآونة التي سبقت الحرب: هذا تكفيري وهابي – هذا رافضي مجوسي- هذاعميل ايراني – هذا رئيس مقوت - هذا انفصالي شيوعي صومالي – هذا دحباشي او عفاشي متحوث- هذا قاعدة – هذا داعشي! بحثت بين الصفات عن صفة " هذا يمني يحب اليمن" فلم اجد لها اثر,
ما هذااا و ما هذه التسميات البغيضة؟

انا حزينة منا. انا حزينة منا. انا حزينة منا. كيف يشتكي الشاكي و هو يشكو نفسه لنفسه و الشاكي و الغريم و القاضي نحن؟
بلادنا اليمن غنية بالمال و الرجال و هما كافيان لجعل اليمن من اكثر الدول تقدما. لكن مشكلتنا ان " رجالنا" هم انفسهم من اهدر و سرق " مالنا"... فكيف ننجو؟
في باطن الأرض ثروات طبيعية يسيل لها اللعاب عند تخيل استثمارها. في اليمن مستقبل واعد لو كان الرجال سمحوا له أن يوعد، و لم يكمموه لفائدتهم هم.

اليمن سفينة بيضاء ، شامخة تنازع على مقودها البحارة. تنازعوا و تجاذبوا حتى ُكسر المقود و سقط على ارض السفينة. ضاعت اليوم السفينة لأنها لم تجد لها لا ربان كفء و لا بر أمان. كل الأطراف تدعي حب اليمن و تقتل اليمنيين ، فكيف تحب اليمن و تقتل أهلها و هم ساكنيها؟ اذا كنا سنستبيح دم بعضنا البعض من اجل اليمن فمن سيبقى لكي يبنيها؟ اذا كنا سنساوي مبانيها و بيوتها و جبالها بالأرض فأين سيسكن زارعيها ؟ اذا كنا نسرق ثرواتها ، و نحتكر أموالها و نسيطر على نفطها ، غازها، اراضيها فكيف نطلب منها بكل وقاحة أن تطعمنا لا بل و تغنينا؟
هذه دعوة للجبابرة " كفى حرب" و " كفى لغة السلاح "
دعوة للجبابرة ضعوا السلاح ارضا ، و اقطعوا لسان الحرب. ارفعوا الحوار تاج فوق رؤوسكم فمن خلاله ننقذ اليمن و يسلم الناس. ان من يحب اليمن لا يدمره و من يحب الناس لا يتعب قلوبهم و لا يقتلهم.
دعوة الى حب اليمن
دعوة الى عدم القاء التهم على الآخر
دعوة الى عدم تصفية الحسابات على حساب الأرض و الناس
دعوة الى عدم معاقبه كل افراد أسرة بسبب اسمها
دعوة الى عدم التلون والثبات على مبدأ واحد
دعوة الى عدم افتعال الازمات
دعوة الى وقف القصف لأنه قاتل و مخيف
دعوة الى اللا حزبية
دعوة الى عدم الاحتفال او التشفي من خسارة الأخ
دعوة الى عدم قبول لأخيك ما لا تقبله لنفسك
دعوة الى عدم نكأ الجروح
دعوة الى عدم اعتبار اليمن " مغنم "
دعوة الى تحولنا جميعا فوق جسد اليمن الجريح إلى ضماد - وإن لزم الأمر - إلى مرهم ..ممكن؟

حول الموقع

سام برس